هو مشروع عملاق يهدف الي التحكم في أحد الموارد المائية الأفريقية الهائلة للإستفادة من المياه المهدرة لنهر الكونغو، والذي كان يُعرف فيما مضي بنهر زائير، و هو يُعد ثاني أطول نهر في أفريقيا، حيث يبلغ طول نهر الكونغو الي 4، 700 كم، لكنه أكبرها حوضاً، و يعتبر ثاني أكبر نهر في العالم من حيث الدفق المائي بعد نهر الأمازون، و يدفع أو يدفق قرابة 41700 طن من المياه في الثانية، أي أنه أغزر من نهر النيل بخمسة عشر مرة، ويختلف هذا النهر عن غيره من أنهار العالم، حيث لا يوجد له دلتا و يلقي ما يزيد عن ألف مليار متر مكعب من المياه العذبة داخل المحيط الأطلسي لتمتد إلي مسافة 30 كيلو. و ينبع نهر الكونغو من روافد عده, تصله من الجهات الشمالية والغربية، و من أهم هذه الروافد نهر ' أونجي ' الذي يعد أهم الروافد الشمالية لنهر الكونغو، و نهر الكونغو هو نهر محلي يجري من منبعه الي مصبه بدولة الكونغو، ويوجد له 6 روافد تستفيد منها 6 دول. أما عن فكرة المشروع فإنها تقوم علي تحويل مجري و مصب نهر الكونغو من ناحية الغرب الي ناحية الشرق، وذلك بشق قناة تربط نهر الكونغو بنهر النيل، ليصب نهر الكونغو في نهر النيل وليتم الإستفادة من المياه الهائلة التي كانت تُلقي في المحيط الأطلسي. والفكرة ليست جديدة ولا وليدة اليوم، فقد طرحها ' أباتا ' كبير مهندسي الري المصريين في السودان عام 1902 أي قبل ما يزيد عن المائة عام، وقد اقترح شق قناة تصل نهر الكونغو بأحد روافد النيل بالسودان، ثم عادت الفكرة للظهور في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، الذي أصدر أمره للدكتور إبراهيم مصطفي كامل والدكتور إبراهيم حميدة بعمل جولة ميدانية في الكونغو لتقديم تصور عن الطبيعة الجغرافية للنهر، وبعد تقديم المشروع للسادات قامت الحكومة المصرية بإرساله إلي الشركة الامريكية العالمية المتخصصة في تقديم الاستشارات الاستراتيجية ' آرثر دي ليتل ' لعمل التصور المتوقع والتكلفة المتوقعة وقد ردت بالموافقة علي المشروع، بل وتضمن تقريرها حقائق مدهشة ورائعة لمصر . ولقد عادت الفكرة للظهور وطفت علي السطح أخيراً بعد إعلان إثيوبيا عن بناء سد النهضة الذي سيؤثر حتماً بصورة سلبية علي حصة مصر من مياه النيل إذا تم بناؤه بالمواصفات المعلنة. و عند الحديث عن هذا النهر الصناعي الذي يُعتبر الأول من نوعه في العالم - القناة التي ستربط بين النهرين - هناك عدة أسئلة تطرح نفسها بقوة، فعلي سبيل المثال، ما هي إستفادة الكونغو ومصر والسودان من هذا المشروع؟ و ما حجم وكمية المياه التي سيوفرها ويضخها نهر الكونغو في نهر النيل؟ وكم طول القناة التي ستربط بين النهرين؟ وما هي طبيعة الارض وتركيبها – جغرافيتها -؟ وكم المدة اللازمة للتنفيذ؟ وما هي تكلفة المشروع؟ وهل يتحمل مجري نهر النيل المياه التي ستُضخ فيه؟ وما هي الإنعكاسات السياسية للمشروع ؟ وسنحاول الإجابة علي الأسئلة السابقة من خلال الخبراء، بالنسبة للكونغو فهي تعتمد أساساً علي مياه الأمطار الاستوائية المتوافرة طوال العام ، ويعتبر شعب الكونغو من أغني شعوب العالم بالموارد المائية ونصيب الفرد من المياه في الكونغو يصل الي 35000 متر مكعب سنويا، علاوة علي الف مليار متر مكعب تُلقي سنويا في المحيط دون أن يستفيد منها أحد، ولذا فالكونغو ليس لديها مشكلة في تقديم المياه بشكل مجاني إلي الدول المستفيدة وهي مصر والسودان بشطريها الشمالي والجنوبي، مقابل قيام مصر بتقديم الخبراء والخبرات لتطوير مجموعة من القطاعات في الكونغو وخاصة قطاع توليد الطاقة الكهربائية من المساقط المائية ، و هذا المشروع سيجعل الكونغو من أكبر الدول المصدرة للطاقة في العالم، ويحقق لها عائد مادي ضخم من توليد وتصدير الطاقة الكهربائية، والتي ستكفي وتلبي احتياجات أكثر من ثلثي قارة أفريقيا بمقدار 18000 ميجاوات أي عشر أضعاف مايولده السد العالي، وبما تبلغ قيمته حوالي21 مليار دولار، بالإضافة إلي تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء لمصر والكونغو والسودان، كما أن القناة ستكون بمثابة ممر تنمية كونغوليه، ستقام علي جوانبها تجمعات سكانية وزراعية وصناعية و سيكون هناك خط سكك حديدية موازي للقناة يربط بين دول المشروع، علاوة علي استخدام تلك القناه في النقل النهري بينهم. فهذا النهر الصناعي سيكون بمثابة قفزة تنموية واقتصادية للكونغو. بالنسبة لمصر فإن الربط المقترح بين النهرين سيوفر ما يقرب من 95 الي 100 مليار متر مكعب من المياه، تسد و توفر احتياجات مصر المائية لسنوات وأجيال قادمة، و تكفي لزراعة 80 مليون فدان، أي عشرة أضعاف المساحة المزروعة الآن، أي أن عائد قطاع الزراعة سيتضاعف بمقدار 10 اضعاف الدخل الحالي، كما أن كمية المياه ستزداد الي 120 مليار متر مكعب خلال 10 سنوات، وستقوم مصر بتخزين كمية كبيرة من تلك المياه بمنخفض القطارة لتزيد مخزونها من المياه الجوفية، إضافة أن مصر ستستفيد وتستوفي إحتياجاتها الكهربائية من محطات التوليد التي ستقام علي مساقط النهر المقترح. أما عن السودان بشطريه فإنه سيستفيد من تلك المياه وسينال منها حصة مناسبة، وستقوم بتخزين المياه الكونغولية الغزيرة التي ستوفرها القناة في حزانات عملاقة أو في بحيرة عملاقة، كذلك ستحل السودان مشكلتها مع الطاقة الكهربائية التي مازالت تعاني منها حتي بعد بناء سد مروي. أما عن طول القناة التي ستربط بين النهرين فسيبلغ طولها مسافة 600 كيلو متر وبفارق إرتفاع 200 متر، ولذا ستقام 4 محطات رفع متتالية للمياه. و ستنطلق القناة من الكونغو لتلتقي بنهر النيل في نقطة مناسبة في جنوبجوبابجنوب السودان. وعن طبيعة الأرض والتضاريس فقد قام الجيولوجيون المصريون بدراسة تركيب الأرض التي ستمر بها القناه وقاموا بعمل الخرائط الطبوغرافية الكافية وإنتهوا الي إمكانية شق تلك القناة. والفترة الزمنية التي سيستغرقها تنفيذ المشروع ستكون 24 شهرًا تقريباً و بتكلفة 8 مليارات جنيه مصري، وهي تكلفة محطات الرفع الأربع لنقل المياه من حوض نهر الكونغو إلي حوض نهر النيل و أعمال البنية الأساسية المطلوبة لنقل المياه، وعن التمويل، هناك مجموعة من الممولين العرب الذين سيتحملون التكلفة بالكامل، بحيث لن تتحمل الدولة المصرية مليماً واحداً أما عن تحمل مجري نهر النيل لتلك الكمية الواردة من المياه، فإن الخبراء المصريين قاموا بدراسة هذا الأمر ووضعوا التصور الكامل لتوسيع مجري نهر النيل وبطريقة مبتكرة تعتمد علي الحفر والتعميق بقوة ضخ المياه، ليس هذا فحسب، بل إنهم قاموا بتصنيع طلمبات الرفع العلاقة التي يستلزمها المشروع. أما عن المشاكل والعقبات السياسية التي يمكن أن يواجهها المشروع، فقد أكد الخبراء القانونيون أن نهر الكونغو هو نهر داخلي ' محلي ' يجري بالكامل داخل الأراضي الكنغولية من منبعه الي مصبه، ولا تأثير للمشروع علي أياً من الدول المستفيدة من روافد نهر الكونغو. وأنه بعد دراسة 300 إتفاقية خاصة بالأنهار فلا يوجد مانع قانوني من نقل المياه بين الحوضين. في الختام نود أن ننوه الي أن هذا المشروع لا يمكن أن يكون بديلاً بأي حال من الأحوال عن حق مصر التاريخي والثابت بموجب اتفاقيات قانونية دولية في مياه نهر النيل، ولا يجب أن يصبح هذا المشروع مدعاة للتنازل ولو عن متر واحد من حصتها البالغة 55 مليار متر ونصف فهي من المقدسات التي لا يمكن المساس بها تحت أي ظرف من الظروف.