عندما أعلن حسن البنا حملته الضارية علي الأحزاب والحزبية وطالب 'صاحب الجلالة الملك الصالح فاروق' بحل الأحزاب القائمة لأنها لا تتفق ومنهج الإسلام.. أصبح شعار 'لا حزبية في الإسلام' أحد الشعارات التي يرددها الإخوان بلا تفكير.. ووقع عمر التلمساني في الشرك واستمات في الدفاع عن فكرة أستاذه البنا.. وهاجم الأحزاب والحزبية والدستور.. والقومية.. وقد تعرض رأيه لانتقادات حادة.. كما قام كتاب كثيرون بتفنيده في لقاءات وندوات مما سبب للرجل حرجًا شديدًا.. في ظل تكالب الإخوان علي ممارسة العمل السياسي، ومحاولات دخول البرلمان.. والتحالف مع الأحزاب القائمة كالوفد.. واستلاب حزب العمل الاشتراكي.. واعتباره حزب الإخوان.. وشيئًا فشيئًا بدأ التلمساني يغير من حدة رأيه علي استحياء فاعترف بمحاولة تسجيل الإخوان كحزب سياسي أمام ضغط السادات لتحويلهم إلي جمعية خيرية، قال: 'كنت أرفض أن تكون الإخوان مجرد جمعية خيرية.. وعندما قال لي الرئيس السادات.. توجه إلي الدكتورة آمال عثمان وزيرة التأمينات والشئون الاجتماعية.. قلت له: إنني مع احترامي الكامل للسيدة آمال عثمان.. فأنا أرجو أن ترسلني إلي النبوي إسماعيل وزير الداخلية، أو إلي منصور حسن وكان وزيرًا للثقافة ومسئولاً عن التنظيمات السياسية' والمعني واضح.. ويعلق الأستاذ السيد يوسف بأنه من الواضح أن هذه الرغبة في تسجيل الجماعة كحزب سياسي مما يتعارض مع دعاياتهم السابقة ضد الحزبية والتعدد الحزبي.. نقول هذا دون اعتراض علي طلب تسجيلهم كحزب سياسي، ولكن كان يجب أن يقترن هذا بنقد وتحليل لموقفهم السابق من التعدد الحزبي ومن الرأي الآخر.. وكان ذلك التحفظ قبل ما جري مؤخرًا عندما وافق الإخوان تحت ضغوط الثورة والتغيير إلي إنشاء حزبهم الهيكلي 'الحرية والعدالة' كنوع من المرواغة والتدليس.. فهم لم يتحولوا كإخوان إلي حزب سياسي.. بل أبقوا علي جماعتهم غير الشرعية، وأنشأوا حزبًا.. ثم أنشأوا جمعية.. وكلها أسماء حركية لجماعة الإخوان. وعقب رحيل التلمساني.. اتسعت الساحة لتنوع الآراء.. ووجد بين الإخوان من يدافع عن الأحزاب والحزبية.. بل إن كاتبًا إسلاميًا شهيرًا 'فهمي هويدي' يحاول أن يلتف علي شعار البنا 'لا حزبية في الإسلام' دون أن يسيء إلي المرشد.. فيقول في النهاية إنه شعار مدسوس علي الإسلام.. لأن قبول الإسلام الاختلاف في العقائد الدينية يؤكد قبوله لأي خلاف علي المستوي السياسي والاجتماعي 'فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر' و'لكم دينكم ولي دين'. ومن اللافت للانتباه.. أن المرشد الرابع 'محمد حامد أبو النصر' الذي تولي عقب رحيل التلمساني قال في تصريحات صحفية: 'نحن مع تعدد الأحزاب، ولا شوري حقيقية بدون حرية'، وقال: 'إننا نريد الديمقراطية ونطالب بأن تكون علي وجه أكمل وأشمل يستظل بها الجميع.. والديمقراطية ثمرة من ثمار الإسلام.. ولا يعترض الإخوان علي تعدد الأحزاب'.. وهنا يحق لكل مواطن أن يقارن بين رأي المرشد المؤسسي حسن البنا.. ورأي خلفائه ثم القفزة الهائلة في رأي المرشد الرابع.. وأن كان كل ذلك لا يمثل قاعدة يطمئن إليها الباحث.. فكلام الإخوان دائمًا حمال أوجه.. وبعد شهر من تصريحات المرشد الرابع.. تحدث نائبه والذي أصبح المرشد الخامس 'مصطفي مشهور' لجريدة الأهالي.. يقول كلامًا مراوغًا لم يبتعد كثيرًا عن تصريحات المرشد الرابع.. حيث وضع تحفظًا علي كل كلمة قالها المرشد الرابع.. فحرية القول في الإسلام ليست مطلقة.. و'الإسلام ضد إثارة الأحقاد بين الطبقات'.. و'نحن مع التعددية الحزبية مادامت تحقق مصالح الوطن ولا تؤدي إلي تمزق الأمة وفرقتها'.. و'نحن لا نعرف يمينًا أو يسارًا ونعتقد أن الإسلام نظام كامل ليس في حاجة إلي غيره من النظم الوضعية' وللقارئ أن يقارن بين كلام المرشد الرابع وكلام نائبه ويحاول استخلاص النتائج.. مع المقارنة بكلام التلمساني. ومن الثابت أن عمر التلمساني كان مرنًا لدرجة لم يقبلها أغلبية قيادات الإخوان.. وكان قادرًا علي نسج علاقات 'مستحيلة' مع النظام وأجهزة أمنه.. وهو ما جعل قيادات الإخوان، الرافضة له أصلاً.. والتي تحفظت عليه جراء مواقفه من قادة الجهاز السري المسلح كذلك مواقفه من أفكار سيد قطب ومن تبعها.. وفي لقاء السادات في 21 أغسطس 1979 بعلماء الأزهر والمفكرين الإسلاميين حضره كالعادة عمر التلمساني.. كان واضحًا أن السادات غاضب من تصرفات الإخوان.. ومجاراتهم لاحزاب المعارضة في بعض المواقف.. وقد انفعل السادات كعادته وصرخ: 'هل يعقل في تركيبة واحدة من الإخوان، والشيوعيين، والوفد الجديد اللي هم بقايا الفساد القديم.. يبقي ده كله مع بعضه.. هل هذا يصح؟ حزني أن هذا الأسلوب كان لابد أن ينتهي بعد كل ما جري.. يا عمر.. فتحت السجون والمعتقلات.. أعدت لكم اعتباركم.. أعطيت سيادة القانون وحرية كاملة بدليل أنه تصدر مجلة فلا يتعرض لك أحد مع أن اصدارها قائم علي غير أساس قانوني.. ولابد من وقفها في الحال'.. وأدرك التلمساني الخطر القادم.. وطلب الكلمة معقبًا.. وقد حرص علي أن يقول ما يرضي السادات وما يعجبه.. قال: 'أرسل زعماء الحزب الشيوعي يقصد التجمع الذي كان السادات يصفه بذلك أكثر من مرة يدعونني لحضور الندوات عندهم فكنت أرفض كل مرة، لأني أعلم ما بين الإسلام والشيوعية من عداء.. وأن الاثنين لا يمكن أن يجتمعا في ركب واحد أو يسيرًا في طريق واحد.. ولن يكون الإخوان والشيوعية في يوم من الأيام مع بعض.. وأرسل إلي من الأحزاب اللي سيادتك تحدثت عنها للزيارة، قلت من جهة الزيارة للتحية والسلام أهلا وسهلاً.. إذا كانت الزيارة للكلام في السياسة والجبهات.. الإخوان لن يسيروا في جبهة مع أحد لأن طريقهم إسلامي معروف'.. وبعد أن أراح السادات.. واعتقد أنه دغدغ مشاعره قال: 'لو أن غيرك اتهمني لرفعت الأمر إليك.. إنما اليوم إلي من أرفع أمري؟ أرفع أمري إلي الله.. وأنا بريء من كل ما قلت.. أنا طاهر من كل ما قلت.. أنا نظيف.. أنا مسلم.. أنا مخلص غاية الإخلاص وأدعو الله أن يديم حكم السادات لأننا نستمتع فيه بحريتنا.. أيكون هذا جزائي'؟ وعلي الرغم من اشتراك السادات والتلمساني في التمثيل، وإدعاء البراءة.. والخوف من الله.. ياعمر!! وعلي الرغم من وقوف عمر التلمساني ندًا لمرواغات السادات وتقمصه وتمثيله.. فقد كان موقفه مروعًا.. بالنسبة للإخوان.. وصفوه بالتدني.. وقبول المهانة.. والدفاع عن النفس بالتذلل.. وكان سقطة من سقطات الرجل.. إلا أن السقطة الكبري.. والتي يصعب نسيانها هي الشماتة والفرح بهزيمة 1967.. فقلد أعماه الحقد الأسود ودفعه الحقد إلي التعميم في أحكامه.. فإذا كان هناك في السجن الحربي بعض الجنود أو الضباط تصرفوا مع الإخوان برعونة وحمق، وسيطر علي سلوكهم غشم السلطة.. فإنه مع الأسف ينسب هذا التصرف إلي كل جنود وضباط الجيش المصري كما يقول 'السيد يوسف' الذي هزم في سيناء.. ويجعل من جيش إسرائيل ورئيسة وزراء إسرائيل 'جولدا مائير' القضاة العدول الذين ينفذون أمر الله.. ويقتصون لكتاب الله.. ويثأرون لكرامته من الكفار أعداء الله: جنود وضباط الجيش المصري.. قال التلمساني في كتابه 'الملهم الموهوب حسن البنا أستاذ الجيل' ما تتقزز منه النفس وتشمئز الضمائر.. قال: 'هتف الإخوان بالقرآن دستورهم.. فحاول زبانية عبد الناصر صرفهم عن هذا الهتاف.. فلم يزدهم هذا التصرف إلا تمسكًا بكتاب الله.. فأخذوا منهم المصاحف ومزقوها بأيديهم فمزفهم الله شر ممزق في سنة 1967.. وداسوا علي كتاب الله بأقدامهم أمام أعين الإخوان نكاية فيهم فداستهم حيزبون دردبيس 'جولدا مائير' في سنة 1967 وأذلتهم أمام العالمين.. وكللت رءوسهم بالعار، وأقفيتهم بالشنار.. وكست وجوههم بالخزي.. وتورمت أقدامهم التي داسوا بها علي كتاب الله تورمت مذلة وضعة، وهي تفر في صحراء سيناء من رصاص اليهود يتخطفهم من كل ناحية.. وهناك فقط تذكروا الله' هكذا كتب عمر التلمساني المرشد الثالث للإخوان.. ومثله كثيرون.. صلوا لله شكرًا علي هزيمة مصر.. وهم الآن يرددون هذه السفالات في مواجهة أهل مصر شعبًا وجيشًا.. ورغم أن ما ذكره التلمساني خاصًا بكتاب الله كذب صراح.. فلم يأت له ذكر في مذكرات الإخوان علي تعددها ووفرتها.. فقد اختلقها.. كما اختلقوا الكثير مما لا يعد ولا يحصي لينافسوا الصهاينة في كراهية مصر والتربص بها.. ويتفوقوا عليهم.. لا سامحهم الله.