'قطر أسرار الخزينة' الحلقة الأخيرة الإمارة الصغيرة تختطف الجامعة العربية وتحاول السيطرة علي المنظمات الدولية والأموال 'الوقحة' تحاول شراء كل شيء في العالم قطر تؤيد الثورة التونسية وتستقبل 'صهر بن علي' بالأحضان .. في الحلقة الأخيرة من كتاب 'قطر.. أسرار الخزينة Qatar: les secrets du coffrefort' يستعرض الصحفيان الفرنسيان: كريستيان تشيسنو وجورج مالبرون شراهة حكام الإمارة الصغيرة ورغباتهم في شراء كل شيء والسيطرة علي كل شيء في العالم.. فقد اختطفوا قرارات جامعة الدول العربية، وحاولوا اختطاف منظمات دولية مثل اليونسكو.. لكن المال يجعلها تسقط في المتناقضات.. فالدولة التي كلفت محاميها القطري الجديد لدي الأممالمتحدة علي بن فطيس المرّ بالعمل علي تتبع الأموال التي سرقها الحكام العرب السابقون، هي ذاتها التي استقبلت صخر المطيري صهر الرئيس التونسي المخلوع بن علي بكل ترحيب، ثم عادت وطردته بعد انتشار أنباء الفضيحة، لكنها فتحت أحضانها لأسرته للبقاء بأموالها علي أرض قطر، وإليكم الحلقة الأخيرة: *** 'تسير قطر بخطوات ثابتة لاقتحام منظمات سياسية متعددة. حتي إن دخولها في الحركة الفرانكفونية عضوًا منتسبًا أثار الكثير من علامات الاستفهام. فالإجراء الاعتيادي يقتضي أن تحصل أولاً علي عضوية مراقب، لكن في حالة قطر كل الطرق قابلة للاختصار. فمعلوم للجميع أن النخبة القطرية تتحدث الفرنسية وتمارس ثقافتها، و تعد قطر نشطة في مجال الدعاية للغة موليير. فإطلاق لراديو Oryx الفرانكفوني، وكذا تدريس هذه اللغة في المؤسسات التعليمية العمومية منذ مستهل 2012، وإنشاء مؤسسة قطرية-فرنسية تحمل اسم فولتير. كل هذا وذاك يعكس الرغبة القوية في نشر هذه اللغة داخل الإمارة. لكن أحد المشاركين في قمة الفرانكفونية بالعاصمة كينشاسا في أكتوبر 2012 أبدي بعض الملاحظات: خلال القمة، طفت علي السطح بوادر اعتراضات علي طبيعة التواجد القطري بها. لكن الضغط الرهيب والفعال الذي مارسته الدوحة وبخاصة لدي الدول الأفريقية جعل الأمور تمر في ظروف عادية. في هذا المحفل الدولي، لم تشأ قطر أن تترك المجال خاوياً أما بلدان المغرب العربي صاحبة التأثير التاريخي في كل ما له علاقة بالفرانكفونية. بفضل قدراتها المالية الهائلة، سيكون بوسع قطر أن تقوم بتقديم مساعدات للدول السائرة في طريق النمو والتي أصبحت تتلقي دعماً من الإمارة أكثر من الذي تتلقاه من أوربا. عندما يتعلق الأمر بالمصالح، وهذا منطقي جداُ، كل الدول تدفع المال. لكن في حالة قطر، يجب توخي الحذر. في اليونسكو: دخلت اليونسكو في دائرة اهتمامات الإمارة، التعليم، العلوم، الثقافة، ميادين تنضوي تحت رعاية الشيخة موزة. فمؤسسة قطر التي ترأسها زوجة الأمير كانت قد عقدت اتفاق تعاون مع هذه المؤسسة التابعة للأمم المتحدة. ومنذ تعيينها سفيرة للنوايا الحسنة في اليونسكو، لم توقف السيدة الأولي في قطر تمويل برامج أممية بعد سقوط بغداد في 2003. فإحساسها العميق بمعاناة الشعب العراقي، دفعها إلي استغلال مكانتها تلك لإعادة الإعمار والبناء في قطاع التعليم العالي في عراق ما بعد صدام حسين. كما أنها ساهمت لأجل الرفع من النظام التعليمي بقطاع غزة. بُعيدَ قبول فلسطين كعضوًا في اليونسكو في أكتوبر من عام 2011، والذي تسبب في فرض مقاطعة مالية من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن اليونسكو اضطرت لفقدان أكثر من ربع ميزانيتها السنوية. مما جعل المؤسسة تعاني بشكل كبير وجعلها تعجز عن دفع رواتب موظفيها. ولتلبية نداء المؤسسة الأممية، قامت الشيخة موزة بتوقيع شيك بقيمة 20 مليون دولار للمساعدة في سد جزء من العجز الحاصل. كان صرف الشيك عبارة عن جرعة أوكسجين حقيقية، لكنها أعطت في المقابل قدرة كبري لقطر في التأثير من داخل المؤسسة التي أصبحت مدينة للإمارة الصغيرة. رغم ذلك بقيت العلاقة بين إيرينا بوكوفا المديرة العامة للمؤسسة والشيخة موزة علاقة قائمةً علي الاحترام المتبادل لا أكثر. كانت زوجة الأمير تفضل سلفها الياباني كواشيرو ماتسورا، الذي بقي صديقاً لها. أما عن إيرينا فهي لا تتصل بالشيخة موزة إلا في حالة ما إذا احتاجت للمال، دون أن تستشيرها في أمور الإدارة والتسيير. منذ ذلك الحين، أصبح علي مديرة المؤسسة أن تنتظر أشهراً لتحديد موعد تلتقي فيه الشيخة تسمع فيه ردها بالإيجاب أو بالسلب. في عام 2012، أطلقت الشيخة موزة صندوقاً بقيمة 260 مليون دولار لتربية وتعليم الأطفال في البلدان الفقيرة. اعتقدت اليونسكو خطأً أن بإمكانها الاستفادة من هذا الصندوق لصالح تمويل مشاريع المؤسسة. فقطر فرضت علي الطاولة فلسفتها الخاصة. أيْ أنّ علي المؤسسة اقتراح مشاريع وانتظار موافقة قطر علي تمويلها واحداً واحداً، فالأمر لم يكن يتعلق مطلقاً بتسليم المؤسسة شيكاً علي بياض. فقامت قطر بذلك بفرض أجندتها علي المؤسسة الأممية مُمْليةً عليها أسماء الدول الفقيرة التي سيشملها الدعم علي رأسها السودان الذي أكملت الدوحة معه اتفاقاً يقضي بحماية المواقع التي يعود تاريخها إلي فترة ما قبل الإسلام علي ضفاف نهر النيل. بهدف إثبات الذات وصنع هوية خاصة بالإمارة، فإن قطر تحرك بيادقها حتي يحصل تراثها علي اعتراف علي المستوي العالمي. قامت الدوحة بإطلاق حملة قوية وضغط شديد لأجل تسجيل موقع 'الزوبرة' هذا الميناء المطل علي الخليج العربي - الفارسي، علي لائحة المواقع المعترف بها من قبل منظمة اليونسكو. الأمر الذي جعل هذا الاعتراف يكون بمثابة الياقوتة التي ترصع التاج القطري، علماً أن بلداً كالعراق بحضارته الضاربة في عمق التاريخ لا يملك غير ثلاثة مواقع أثرية سبق أن نالت مثل هذا الاعتراف. لأجل انتزاع الاعتراف بموقع 'الزوبرة'، جندت قطر المال ووضعته بين يدي الرجل الثاني في اليونسكو البرازيلي مايسيو باربوسا. الذي لم يألُ جهداً كي يروج للموقع الأثري القطري و إقناع المصوتين بناءً علي مكانته وعلاقته الشخصية داخل المنظمة الأممية. لكن ملف قطر لم يكن بتلك القوة كي يفرض نفسه، فاستعجال قطر لتحقيق هذا المكسب كان بهدف توجيه صفعة لجارتها البحرين التي تقدمت بملف ترشّح من خلاله موقع 'المُحرّق' الأثري الخاص بصيد اللؤلؤ للمنافسة. لكن القطريين أصروا علي أن هذا النوع من الصيد كان بموقع 'الزوبرة' وليس بالبحرين. لكن الخبراء نفوا ذلك بشدة، فلا وجود لدليل مادي لأي تواجد إنساني بالموقع القطري. النتيجة: تم قبول موقع 'المحرق' البحريني كتراث عالمي إنساني. فيما تم تأجيل الحسم في ملف قطر لوقت لاحق. سعيدةً بهذا القرار، فكرت الشيخة موزة في دعم البرازيلي مارسيو باربوسا ليكون المدير العام القادم للمنظمة. لكن هذه الفكرة ستُجهض في بدايتها، خاصة أن البرازيلي لا يحظي بدعم رئيسة بلاده ديلما روسيف. لم تعد الشيخة موزة قانعة بمنصبها الشرفي سفيرة للنوايا الحسنة لدي الأممالمتحدة، فصارت تهدف إلي نيل منصب مبعوث خاص للأمم المتحدة في التربية والتعليم. تم استقبال أحد أكبر مفسدي نظام بن علي 'صخر المطيري' صهر الرئيس المخلوع بالأحضان في قطر، بُعيد ثورة الياسمين. قام 'صخر' القائم بأعمال ليلي الطرابلسي زوجة بن علي، بالإقامة في الحي الراقي 'اللؤلؤة'. مع نهاية 2012 تم طرد 'صخر' من الإمارة مع السماح لعائلته بالبقاء. دخلت قضية 'صخر' ضمن اهتمامات المحامي الجديد لدي الأممالمتحدة علي بن فطيس المرّ المكلف بتتبع الأموال التي سرقها الحكام العرب السابقون. استخدمت قطرالأممَالمتحدة لتلميع صورتها، مع ذلك، فإن قطر تتردد كثيراً قبل أن تضع يدها في محفظتها لتمويل ميزانيات الوكالات الخاصة للأمم المتحدة، ما عدا منظمة اليونسكو كما سبق أن أشرنا إلي ذلك. في سنة 2011، ساهمت قطر بمبلغ 100, 000 دولار لدعم منظمة إغاثة اللاجئين، محتلة المرتبة 47 من بين الدول المانحة. الحال نفسها تكررت مع 'الأنروا' لدعم اللاجئين الفلسطينيين. الجميع توقع درجة كرمٍ أكبر من الإمارة التي لا تفتأ تكرر أنها داعمة لقضية فلسطين. لم يتجاوز الشيك القطري المائة ألف يورو سنة 2011. الأسوأ من ذلك، كان في عامي 2007 و2009، حيث لم تقم قطر بدفع شيء لصالح المنظمة ! لا همّ لقطر يفوق اهتمامها بجعل نجمتها أكثر سطوعاً ولمعاناً في سماء المنتظم الدولي، فإمكاناتها المادية تسمح لها بعبور القنوات الكلاسيكية والتصرف بمفردها علي الأرض. في الجانب الإنساني تنهج قطر النهج نفسه في الميدان الإنساني، هذه المرة عبر الهلال الأحمر القطري، هذه المؤسسة التي تأسست عام 1978، وصارت لها شهرة في ربوع العالم. لكن اهتمامها مؤخراً تركز علي بعض البلدان: سوريا، غزة، اليمن، مالي، بورما.. لا تقوم هذه المنظمة بالتنسيق علي الإطلاق مع المنظمات الإنسانية الأخري، فهي تعتمد علي إمكاناتها اللوجيستية الخاصة وتسير نفسها باستقلالية تامة. أطر المنظمة الإدارية من جنسية قطرية، إلا أن الأطباء الذين يسافرون إلي البلاد المنكوبة فإنهم من جنسيات مصرية، لبنانية، وسورية. في شمال مالي مثلاً، رغم اتهام قطر بعلاقاتها بالإسلاميين هناك، فإن الهلال الأحمر القطري استقر بمستشفي 'غاو' بكل فرقه الطبية ومعداته العلاجية. أصاب القطريون مبدأ 'اتقاء السياسة والتزام الحياد' في مقتل. علي الأقل هذا ما صرّحت به منظمة 'أطباء بلا حدود'، حيث قالت إنها تجهل في الحقيقة ما هي أهداف قطر من عملها الذي يبدو ظاهره إنسانياً محضاً، لكن طبيعة عمل الهلال الأحمر القطري جعل الساكنة تبدأ في التمييز بين 'الإنسانيين المسلمين' و'الإنسانيين المسيحيين'. يتركز عمل الهلال الأحمر القطري علي الاستثمار في ميادين لم تصل إليها المنظمات الخيرية العالمية. النموذج قادم من بورما، حيث تعيش أقلية مسلمة تتعرض للتمييز العنصري من قبل الدولة المركزية. من داخل الجامعة العربية منذ 2011، لم تدخر قطر جهداً في اقتناص أي فرصة تلوح في الأفق لأجل توسعة تأثيرها والترويج لاختياراتها السياسية. لعبت الإمارة دوراً محورياً في الحرب علي ليبيا، وإقصاء سوريا من الجامعة العربية. هذا التحرك النشط لم يعد يلقي ترحيباً كبيراً من لدن أغلب السفارات العربية، رغم أن بعضها لا يصرّح بذلك في العلن. يتحدث بعضهم عن عملية اختطاف تعرضت لها الجامعة العربية من قطر وبعض المؤيدين سياساتها. عرفت الجامعة التي تم تأسيسها عام 1945، سيطرة من مصر التي أعطتها عدة أمناء عامين خاصة الثلاثة الأخيرين: عصمت عبد المجيد، عمرو موسي ونبيل العربي. لكن رغم الإطاحة بحسني مبارك، استمر العملاق العربي، بأكثر من 80 مليون نسمة، استمر في معاناته تحت ثقل الديون والأزمة المالية. من غير قطر سيقدم المساعدة للإسلاميين الذين يعيشون أزمة حقيقية منذ وصولهم لسدة الحكم؟ قامت قطر بإرسال مساعدة عاجلة بقيمة 500 مليون دولار علي أن تليها 18 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة. في ظل هذه الظروف، ليس بإمكان مصر أن تقوم بانتقاد قطر. لا نقوم بعضّ اليد التي منحتنا. استغلت قطر غياب قائد فعلي من داخل المنظمة كمصر المنشغلة بأزمتها، وسوريا التي تعاني ويلات الحرب، والعراق الذي يعيش فترة نقاهة، والجزائر التي تنتظر من سيخلف بوتفليقة. تدير قطر اليوم ملفين علي قدر عالٍ من الأهمية: ملف الأزمة السورية، وملف مبادرة السلام العربية. منذ انطلاق الشرارة الأولي للربيع العربي، وقطر تحتل مكانة مميزة. ففي الوقت الذي كانت فيه القاهرة مقراً لعقد اجتماعات جامعة الدول العربية، نظمت الدوحة أكثر من 20 قمة عربية ما بين عامي 2011 و2012. من داخل الجامعة، بدأ في التشكل محور يعارض سياسات قطر، يضم: الجزائر، العراق، موريتانيا، وأحيانا لبنان والسودان. نبيل العربي الذي يدين لقطر بتسهيل حصوله علي منصب الأمين العام إلي جانب مساعده الجزائري أحمد بن حلي، عُرف الرجلان داخل أروقة الجامعة بولائهما التام للدوحة. برَع بن حلي في مهمته لتلميع صورة قطر والدفاع عن مواقفها، إلي حد أنه تلقي صفعة قوية من مواطنه ممثل الخارجية الجزائرية الذي خاطبه في جلسة مغلقة: 'أنت لستَ جزائرياً، أنتَ جبان'! تلعب أموال قطر بالتأكيد دوراً أساسياً لزيادة تأثير الدوحة في قرارات الجامعة العربية. ففي 2012 إبان عقد قمة بغداد، عاصمة الرشيد، تم تخصيصها لمناقشة أوضاع الأسري الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية. تلقي رؤساء مصالح وموظفو الجامعة هدايا رمزية كمكافأة أو 'إكرامية' عبارة عن أجهزة آيفون وآيباد من قِبل الحكومة العراقية. لكن رد الموظفين كان صاعقاً: 'هذه الإكراميات هزيلة جداً، في العادة، حينما يتم عقد قمة في الدوحة، تصرف لنا السلطات حتي 10 آلاف لكل منا، و 50 ألف لرؤساء المصالح'. أصبح التسابق المحموم الذي تزمع من خلاله الإمارة أن تقتحم جميع المحافل الدولية يثير القلق. أصبح صدي ترنيمة 'الكل عدا قطر' يتردد في كل مكان. غيرةً من البعض، وقلقاً من الآخرين: تثير الإمارة الإعجاب بالقدر الذي تثير فيه النفور. في هذا الصدد، يعتبر فشل ناصر العطية في انتخابات لجنة الرياضيين الدولية حافزاً آخر علي هذا الشعور. فناصر الذي يعد أول سائق عربي يفوز برالي باريس-دكار عام 2009، شارك هذا الرياضي متعدد المواهب في منافسات الرمي بالبندقية خلال منافسات أولمبياد لندن 2012. كان من المتوقع أن يخلف ناصر الرياضيين العربييْن المغربي هشام الكًروج والمصرية رانية علواني اللذين انتهت ولايتهما. كما كان الممثل الوحيد للمنطقة العربية، إلا أن الأمور لم تمض علي ما يشتهي ناصر. ففي الكواليس، قامت البعثات العربية بطمأنة ناصر أنها ستقوم بالتصويت له. النتيجة: حصول ناصر العطية علي المركز الأخير! حاصلاً علي أقل عدد من الأصوات. كانت النتيجة بمثابة حمام بارد لقطر التي لم تتوقع أن تتم خيانتها من أشقائها العرب. لم يصوت العرب علي قطر، حتي إنه وفي الكواليس ترددت كلمات في السر تشرح سبب الموقف العربي من الإمارة الخليجية: بدأ القطريون في إزعاجنا حقاً'. لم يفهم القطريون سبب سياسة 'التقريع' التي تتلقاها الإمارة، في حين أنها كانت تري في نفسها قادرة علي تحقيق مصالح للمنتظم الدولي. رغم ذلك، لم تتوقف اللجنة الأولمبية عن استقبال عدد كبير من الوفود الممثلة للجامعات الرياضية والمسئولين عن الأندية. يأتي بعضهم للبحث عن منح أو ممولين، في حين يأتي البعض الآخر لعرض ناديه للبيع. الجميع يريد أن يستفيد من الثروات المالية المتدفقة للإمارة. لكن المتتبع يمكنه أن يسجل تغييراً في سياسة قطر التي أصبحت تطلب إليهم البقاء في بلدانهم. خاتمة هل يجب الخوف من قطر..؟! الإجابة: لا، لكن اليقظة مطلوبة. حينما أراد ممثلو الإمارة نهاية العشرية الأولي من الألفية الثالثة تأسيس مركزٍ ممثل للمعاهد الإسلامية في فرنسا يكون نظيراً المركز الممثل للمعاهد اليهودية. كان رد باريس بالرفض، رغم أن العلاقات بين البلدين كانت في أحسن أحوالها. تثير قطر قلق الجميع بما فيهم أصدقاؤها الذين يعلمون ألا شيء يمكنه الوقوف في وجه الإمارة الصغيرة. فهي تمتلك إمكانات كافية لتحقيق طموحاتها. ثروتها 'الوقحة' تُمكِّنُها من شراء أي شيء في ظل الأزمة المالية التي يعيشها الغرب. بالنسبة لها لا يعدو العالم كونه سوبر ماركت عملاقاً تقوم فيه بتدبير أمورها. لكن ميلها إلي شراء النفوس والضمائر يثير القلق حيث إنها تُفسد العلاقات الإنسانية بقدر ما تفسد العلاقات الاقتصادية. لا تتميز دبلوماسيتها بالحياد، بل إنها تثير الكثير من الأسئلة والخشية المبررة والمشروعة. فإذا كان الأمير يراهن حقاً علي الإسلاميين المرتبطين بالإخوان المسلمين، فمرد ذلك لأهداف نفعية براجماتية أكثر منه انخراطاً في مشروعهم. لكن الوهابية تحيي فيه دعمه للأصوليين، سواء كان ذلك في سوريا اليوم، أو في ليبيا أمس. من ناحية أخري، عندما يصر الشيخ حمد علي حق الإسلاميين الراديكاليين في فترة معارضتهم لديكتاتوريات في تونس، مصر، أو ليبيا أن يتولوا الحكم في بلدانهم. فإن لشركائه الغربيين كل الحق في أن يشكوا في تطميناته. رغم غياب الديمقراطية في قطر، فإن الإمارة لا تجد حرجاً في عيش هذا التناقض لأجل خطب ود ومعانقة التاريخ. لكن ما يبعث علي الخوف، أن لذلك ارتدادات خطيرة. فبعد مرور عام ونصف تقريباً علي سقوط القذافي، يبدو النموذج الليبي وتأثيراته الجهوية مقلقًا للغاية خاصة في منطقة الساحل. تطرح خطط حمد بن جاسم و رغبة قطر في فتح أكثر من جبهة لتكون حاضرة بعدها في تسوية النزاعات مشكلاً حقيقيًا آخر. الحكومات الفرنسية المتعاقبة واعية بحدود الوساطة القطرية، لكن ‹ليس بوسعنا إغضابهم !' ففرنسا تراهن علي مليارات الدولارات التي توفّرها السوق القطرية. بخصوص الولايات المتحدة، وفي مقاربتها الجديدة لملف الشرق الأوسط، فقطر تمثل وسيطاً علي قدر عالٍ من الأهمية مع القوي الإسلامية التي عرفت النور بعد الثورات. قطر.. هل ستشتري فرنسا؟ الإجابة أيضاً: لا، فمعدل الاستثمارات القطريةبفرنسا مثلاً أقل بكثير من استثمارات دولة كالإمارات العربية المتحدة . فضلاً عن أن قطر تستثمر في بريطانيا أكثر من استثمارها في فرنسا. تتميز العلاقة بين باريس والدوحة بنوع من المفارقة. فالنخبة القطرية تعشق فرنسا، تاريخها، منشآتها الأثرية، ثقافتها. بخصوص الفرنسيين، فإنهم لا يحبون من جانبهم هذه 'القوة الغنية الجديدة'. الإنجليز لا يهتمون كثيراً بمخاوف الفرنسيين. بالنسبة لهم فقطر بمثابة مستثمر ممتاز، 'business is business'، تخوف الفرنسيين يتغذي علي الإسلاموفوبيا المتزايدة يوماً عن يوم. قطر.. هل ستنعمُ بالاستقرار؟ بالتأكيد.لقد قرر الأمير تقريباً أن يتنازل لابنه تميم عن الحكم خلال سنوات قليلة مقبلة.. لن يلجأ تميم إلي ما فعله أبوه سابقاً لينتزع الحكم. سيخلفُ تميم إذا أباه، 'وصدق الكاتبان في هذه المعلومات وصعد تميم إلي عرش قطر'. بالقدر الذي يبدو فيه الأمير مجدّداً ومتبصّراً، بالقدر الذي يفتقد تميم لذلك الحس كما يشير إلي ذلك أحد أفراد العائلة. فولي العهد يظهر واعياً بشكل كافٍ بالتحديات التي تنتظره، وكذا ارتدادات سياسات والده و رئيس الوزراء حمد بن جاسم. التحدي الأول هو أن والده أراد أن ينخرط المجتمع في مشروع تنموي لا يناسب تميم مطلقاً. لم يكن تميم متحمساً لفكرة الترشح لاستضافة كأس العالم 2022، وهاهو يري نفسه الآن أمام تحدٍّ حقيقي يتمثل في إنجاح هذه التظاهرة الكونية. التحدي الثاني، هو أن يحصل علي الموارد البشرية الكافية لإنجاح هذه المشاريع التنموية العملاقة. عندما فتحت قطر سفارة لها في جمهورية أفريقيا الوسطي، لم تملك الإمارة إلا دبلوماسياً شاباً وحيداً لإرساله! في هذا الصدد، يبقي عدم منح الجنسية لآلاف الفلسطينيين، المصريين، الباكستانيين وآخرين غير مفهوم نسبياً. تفكر قطر إلي جانب ذلك في فتح مركز كبير للأبحاث عربي خالص، يقوم بتخريج مفكرين ينتمون لمنطقة الشرق الأوسط، حتي تتمكن من الاستغناء مستقبلاً عن اللجوء إلي المراكز الأمريكية مثل ال Brooking Institute، يكون علي رأسه المفكر العربي عزمي بشارة. شكل الحدس السياسي القوي لدي الأمير أفضل مسانديه خلال العقدين الماضيين. لكن في المقابل، ما السياسة التي سينهجها تميم المدعو لخلافة والده؟ هل سينهج سياسة 'قطر، صديقة للجميع'؟ أو 'قطر في حرب بعد الأزمة الليبية'؟ أو 'إذا كان بيتك من زجاج فلا ترم الناس بالحجارة' كما يقول المثل العربي............. مثلٌ علي قطر!! ** إلي هنا تنتهي رحلتنا مع كتاب 'قطر.. أسرار الخزينة'. أما التساؤلات التي طرحتها الصفحات الأخيرة من هذا الكتاب، فالإجابة عليها ستكون في الأيام والسنوات المقبلة من حياة دولة قطر في عهد الأمير تميم!!