محافظ الإسماعيلية يستقبل الأمين العام المساعد للبحوث الإسلامية    رئيس محكمة النقض يَستقبل المدير التنفيذي للأكاديمية الوطنية للتدريب    قنا تتصدى للتعديات بإزالة 333 حالة ضمن «الموجة ال27»    محافظ الغربية يتفقد كوبري عزبة حمد وتطوير الكورنيش.. ويوجه بسرعة استكمال الأعمال الجارية    رئيس جامعة بنها لخريجي كلية الزراعة: أنتم حملة راية الأمن الغذائي ورواد التنمية في المجتمع    لا نية لإرسال وفد للتفاوض.. نتنياهو يقرر عدم الرد على مقترح غزة    وزيرا خارجية أمريكا وتركمانستان يبحثان تعزيز الأمن الإقليمي    الكرملين: بوتين يطلع أردوغان بنتائج قمة ألاسكا    رئيس مرسيليا: تصرف رابيو "عدواني وبالغ الخطورة"    إحالة العاملين في مركزي شباب ترسا وبرشوم الصغرى بالقليوبية للتحقيق    أسطورة نيوكاسل يفتح النار على إيزاك    اضطراب ملاحة وأمطار رعدية.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس غدًا    مصرع عامل سقط عليه عمود إنارة في قنا    السكة الحديد: تسيير القطار السادس لتسهيل العودة الطوعية للأشقاء السودانيين    جوجل تضيف المزيد من وظائف الذكاء الاصطناعي إلى هواتف بيكسل 10    خطة جديدة للترويج السياحي لمحافظة الإسكندرية والاستفادة من الساحل الشمالي    الإفتاء في عام: أكثر من 100 مشاركة محلية ودولية بين المؤتمرات وورش العمل    زواج بعد الستين حياة جديدة مليئة بالونس    هنا الزاهد تخطف الأنظار بإطلالتها.. ما سر ارتدائها اللون الذهبي؟    جددي في مطبخك.. طريقة تحضير فطائر اللحم    وزير الصحة يتفقد مشروع إنشاء مستشفى التأمين الصحي بالعاصمة الإدارية 2    ما الفرق بين التبديل والتزوير في القرآن الكريم؟.. خالد الجندي يوضح    شروط الالتحاق بأقسام آداب القاهرة للطلاب المستجدين 2025 (انتساب موجه)    إنريكي يضع شرطا لتعاقد باريس سان جيرمان مع صفقات جديدة    موجة حارة جديدة.. تحذير من طقس الأيام المقبلة    وفاة ابن شقيقة المطرب السعودي رابح صقر    صورة- عمرو دياب مع منة القيعي وزوجها على البحر    عانى من كسرين في القدم.. تفاصيل جراحة مروان حمدي وموعد عودته للمباريات    أمين الفتوى يوضح الفرق بين الاكتئاب والفتور في العبادة (فيديو)    طلقها وبعد 4 أشهر تريد العودة لزوجها فكيف تكون الرجعة؟.. أمين الفتوى يوضح    المنشاوي يهنئ طلاب جامعة أسيوط بحصد 9 جوائز في مهرجان الطرب للموسيقى والغناء    مناقشات وورش حكي بالغربية ضمن فعاليات المبادرة الصيفية "ارسم بسمة"    في يومه العالمي- متى تسبب لدغات البعوض الوفاة؟    بالأرقام.. الخارجية تعلن بيانًا إحصائيًا حول الجهود الإنسانية المصرية في قطاع غزة    وكيل تعليم الغربية: خطة لنشر الوعي بنظام البكالوريا المصرية ومقارنته بالثانوية العامة    الأوقاف تعقد 681 ندوة بعنوان "حفظ الجوارح عن المعاصى والمخالفات"    بيع مؤسسي يضغط سوق المال.. والصفقات تنقذ السيولة    «كولومبوس كرو كان أولويتي».. وسام أبوعلي يكشف كواليس رحيله عن الأهلي    «يتحمل المسؤولية».. نجم ليفربول يتغنى ب محمد صلاح    البيئة تناقش آليات تعزيز صمود المجتمعات الريفية أمام التغيرات المناخية بقنا    مدبولي لقادة الدول: حان الوقت لاتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لردع العدوان الإسرائيلي والاعتراف بالدولة الفلسطينية    حملة موسعة على منشآت الرعاية الأولية في المنوفية    تحرير 7 محاضر لمحلات جزارة ودواجن بمدينة مرسى مطروح    إزالة 19 حالة تعد على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة في المنيا    محافظ الإسماعيلية يتفقد عددا من القطاعات الخدمية ويستمع للمواطنين بمركز أمراض الكلى    تعرف على مواجهات الزمالك في دوري الكرة النسائية للموسم الجديد    عمر طاهر على شاشة التليفزيون المصري قريبا    ضبط المتهمين بالتنقيب عن الآثار داخل عقار بالخليفة    كيف يكون بر الوالدين بعد وفاتهما؟.. الإفتاء تجيب    كاتب فلسطينى: مقترح مصر ضرورى لوقف الحرب على غزة وإنقاذ شعبنا    وزير الدفاع يلتقي مقاتلي المنطقة الشمالية.. ويطالب بالاستعداد القتالي الدائم والتدريب الجاد    محافظ القاهرة يقرر النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بالثانوي العام    تعرف على مواقيت الصلوات الخمس اليوم الأربعاء 20 اغسطس 2025 بمحافظة بورسعيد    توقيع مذكرة تفاهم للتعاون بين اقتصادية قناة السويس وحكومة طوكيو في مجال الهيدروجين الأخضر    رئيس الوزراء: أدعو الطلاب اليابانيين للدراسة في مصر    الاحتلال الإسرائيلي يقتل نجم كرة السلة الفلسطينى محمد شعلان أثناء محاولته الحصول على المساعدات    ترامب: رئيس البنك المركزي يضر بقطاع الإسكان وعليه خفض أسعار الفائدة    إدانة أممية: إسرائيل تقوّض العمل الإنساني وتقتل 181 إغاثيًا في غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا يحدث في حديقة 'حيوانات' الجيزة؟!
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 10 - 12 - 2013

غلق المباني التاريخية والأثرية بدون أسباب.. وموظفون يحوِّلون 'الاستراحة الملكية' لمكاتب
منظمات عالمية تستبعد الحديقة من تصنيفاتها بسبب الإهمال وسوء التعامل مع الحيوانات 'النادرة'
تمام: الحديقة ازدهرت خلال حقبتَيْ 'عبد الناصر' و'السادات' وتدهورت في آخر عهد 'مبارك'
الخديو إسماعيل أول مَنْ فكَّر في إنشائها ليزورها ملوك وزعماء أوربا أثناء افتتاح قناة السويس
صممها مهندس برج 'إيفل' وتمثال 'الحرية'.. وأشجارُها وحيواناتها النادرة مستوردة من الخارج
كشف نفوق الزرافة الإفريقية 'روكا' في حديقة حيوانات الجيزة، عن تردي أوضاع الحديقة المستمر منذ سنوات. وبعيدا عن الأسباب الرسمية وغير الرسمية في تفسير نفوق الزارفة 'إحدي ثلاث زرافات تم شراؤها منتصف العام الماضي من جنوب أفريقيا'، وما إذا كانت شنقت نفسها '!!' أو ماتت 'غيظا' بسبب مشاكسات الزوار '!!!'، فقد قرر وزير الزراعة الدكتور أيمن أبو حديد، إحالة مدير الحديقة د.فاطمة تمام، ومساعديها للتحقيق العاجل، بالتزامن مع صدور قرار بتعيين د.نبيل صدقي، مشرفًا فنيا علي حدائق الحيوان الإقليمية.. والسؤال: هل تنجح هذه الإجراءات العاجلة في إنقاذ الحديقة؟!
قبلة الفقراء
في الأعياد والمناسبات، وفي لحظات الصفاء 'المحدودة'، يولي البسطاء في مصر وجوههم شطر الحدائق والمتنزهات الحكومية.. يمنون أنفسهم وأسرهم ب'خروجة معتبرة'.. هم لا يعرفون طريق 'مارينا' أو 'بورتوهات' الساحل الشمالي والعين السخنة.. تربطهم علاقة حب من طرف واحد ب'شرم الشيخ' و'الغردقة'. فقط يعرفون 'إلي جانب مزارات محدودة' حديقة الحيوانات، أو 'جنينة الحيوانات' كما يسميها عامة المصريين.
حديقة الحيوانات، هي المزار الرئيس لسكان القاهرة الكبري، ويزورها من أهالي المحافظات البعيدة 'من استطاع إليها سبيلا'.. هي عنوان لبهجة الأطفال والكبار.. يمارسون فيها طقوسهم المفضلة.. يفترشون طرقاتها، التي تتحول إلي موائد للأطعمة المصرية الشعبية 'ويبقي الفسيخ والسمك المملح والبيض الملون من علامات شم النسيم'.
وفيما يقدر عدد زائريها يوميا بالآلاف، فإن هذا العدد يتضاعف في الأعياد والمناسبات، حيث يتجاوز عدد الزوار سنويًّا المليونَيْ شخص، لكن صدق أو لا تصدق أن الحديقة، التي تُعَد الأولي من نوعها في الشرق الأوسط، وأقدم حدائق الحيوانات في إفريقيا 'يربو عمرها علي ال147 عامًا'، باتت مهددة بالإغلاق 'رغم الجهود النسبية، التي تقوم بها وزارة الزراعة المصرية، باعتبارها المشرف الحكومي علي الحديقة'، علي خلفية المؤامرات والتجاوزات، أخرها إعلان وزير الزراعة، د.أيمن أبو حديد، عن اختفاء غرفة النوم الأثرية الخاصة بالملك فاروق الأول، واستبدالها بغرفة نوم عادية، وأخيرا وليس آخرا نفوق الزرافة 'روكا'!!
علي الأصل دور
وبلهجة يختلط فيها الحزن والغضب، يقول أحد موظفي الحديقة ل'الأسبوع': للأسف كانت حتي سنوات قريبة تصنَّف ضمن أجمل حدائق الحيوانات في العالم، نظرا لما تحويه من طيور وحيوانات ونباتات نادرة، علي مساحتها الممتدة علي 80 فدانا تقريبًا.
يكمل 'وهو ينظر بأسي لأقفاص حيوانات وطيور باتت فارغة من ساكنيها': للحديقة حكاية تستحق أن تُروَي، حيث أن حاكم مصر خلال الفترة من عام 1863 إلي 1879، الخديو إسماعيل باشا، هو أول مَنْ فكر في افتتاح حديقة حيوان في العصر الحديث، كي تكون ضمن المزارات السياحية لملوك وزعماء أوربا المدعوين للمشاركة في حفل افتتاح قناة السويس عام 1869.
ولأن الوقت لم يسعف 'الخديو' لإتمام المشروع، فقد اضطر لتجميع الحيوانات والطيور في قصر الجزيرة 'فندق ماريوت الزمالك حاليًّا'، حتي يضفي البهجةَ علي ضيوفه، غير أن حلم الحلم وجد من يتبناه لاحقا، وبينما قررت كريمة الخديو إسماعيل 'الأميرة فاطمة'، إنشاء أول جامعة أهلية في مصر، عبر التبرع بأرضها ومجوهراتها وقصرها ليكون مقرًا لجامعة القاهرة 'فؤاد الأول سابقًا'، فقد أصدر شقيقها، الخديو توفيق 'عام 1889'، فرمانًا باقتطاع 42 فدانًا من أرض 'سراي الجيزة' التابعة لحدائق والدته 'الوالدة باشا' بمنطقة الجيزة حتي تكون 'مخزنًا للحيوانات'، 'الاسم الأول الذي جري إطلاقه علي حديقة حيوانات الجيزة عند افتتاحها'.
وبحسب المصدر الذي صاحبنا خلال الزيارة، ففي العهد الملكي 'تحديدًا عام 1938'، تقرر إضافة 38 فدانًا أخري 'تم اقتطاعها من حديقة الأورمان المجاورة'، لتوسعة حديقة حيوانات الجيزة.
ويظل الأول من مارس عام 1891، محفورًا في ذاكرة المصريين، ففيه تم افتتاح حديقة حيوانات الجيزة 'أشهر المزارات الشعبية'، للجمهور، بعدما تم تجهيز الموقع الذي كان في الأصل حديقة نباتية تتبع الأسرة المالكة، حيث ظل الخديو إسماعيل يتعهدها بالرعاية والعناية، ما جعلها تحفة في عالم البساتين بفضل النباتات المستوردة من الخارج 'بعضها لا يزال بعضها موجودًا حتي الآن'!
وتم تجهيز حديقة حيوانات الجيزة 'عند افتتاحها' بأكثر من 6 آلاف حيوان 'تنتمي لحوالي 175 نوعًا وفصيلًا'، بينها أنواع نادرة من الثدييات والطيور والزواحف، ومن أندر الحيوانات الموجودة بالحديقة -كما عرفنا- سلحفاء الفيل 'عمرها يزيد علي 300 عام'، ونسر الكندور '115 عامًا'، فضلًا عن حيوانات أخري مهددة بالانقراض 'الكبش الأروي.. الماعز الجبلي.. الغزال المصري.. طائر أبو منجل.. '.
إهمال متعمد
'يبدو أن دوام الحال من المحال.. '، هكذا قال لنا المصدر، معبرًا عن حزنه نتيجة حالة التخريب المتعمد التي طالت مباني ومنشآت الحديقة 'التي جلب لها الخديو عباقرة العالم من مصممين ومعماريين وفنانين من فرنسا وإيطاليا وانجلترا، لاسيما مصمم 'برج إيفل' و'تمثال الحرية'، المعماري الفرنسي ألكساندر جوستاف إيفل '15 ديسمبر 1832-27 ديسمبر 1923م'، والمصمم جوب، والمستر باربلليه، والمعماري جورج، والمهندس الفرنسي كومباز، والمهندس التركي سيبوس.
كان كل ركن في الحديقة تحفة أثرية-تراثية لا مثيل لها.. والحديقة بها خمس 'جبلايات' رائعة الجمال, وقد تم بناء الجبلاية الكبري 'جبلاية القلعة' عام 1867, إلي جانب الهضاب المزيَّنة بتماثيل متنوعة علي شكل حيوان الكركدن 'الخرتيت' والتماسيح وطيور أخري غريبة.. وقد جري تعبيد طرقاتها ب'الزلط الملون' بأشكال هندسية جميلة, فضلًا عن ممرات تحفُّها النباتات وجداول المياه 'بعضها يسير وسط كهوف سقوفها من صخور المرجان الأبيض'.
ووفقا للمصدر فإن شلالات المياه والبحيرات والقناطر الجميلة كانت تنتهي إلي بحيرة صغيرة فيها جزيرة ذات جسر خشبي وسط الحديقة، كما كانت هناك أماكن مخصصة للاستراحة، وتماثيل كثيرة علي شكل طيور وسلاحف مصنوعة من الأسمنت والبللور الصخري، في تناغم مع الأزهار والنباتات التي جري استيرادها من الخارج خصيصًا للحديقة.
ثمة تساؤلات كثيرة تتبادر لذهن زائري الحديقة حاليًّا، عن الأقفال الحديدية الموضوعة علي أبواب المزارات التاريخية 'مبانٍ.. متاحف.. منشآت تاريخية'، لدرجة أن هذه الأقفال أصبحت ظاهرة لافتة للنظر، لكن السؤال الأهم: ما هذه المباني التي تحيطها أسوار عالية وأبواب عتيقة ممنوع علي الزائرين اجتيازُها، رغم قيمتها التاريخية والأثرية، حيث تجاوز عمر بعضها ال100 عام؟!
في البداية لابد أن تتوقف مشدوهًا أمام معالم الحديقة، بداية من البوابات الأثرية 'تحتوي علي رسوم مجسَّمة لحيوانات'، وهناك جبلان صناعيان يربطهما جسر معلق 'صممه المهندس إيفل'، وجبلاية الشمعدان والكشك الياباني وكشك الموسيقي، فضلًا عن الجبلاية الملكية وجبلاية الإبداع وغيرها من المزارات.
معالم مهمة
ولكل مكان في حديقة حيوانات الجيزة قصة خاصة، فخلف أحد الأبواب المغلقة، تحديدًا في أقصي جنوب الحديقة يوجد 'المتحف الحيواني'، وهو عبارة عن مبني عريق جري إنشاؤه عام 1906م، حيث يطلُّ أحد جوانبه علي بحيرة صناعية بها نافورة. وكما عرفنا من الدليل المصاحب لنا خلال الجولة داخل الحديقة، يُعَدُّ من أقدم متاحف الحيوان في العالم، كما يصنَّف كأكبر مشروع ثقافي يختص بعالم الحيوان 'تضم صالاته الثلاث مقتنيات نادرة من الهياكل العظمية للحيوانات المهددة بالانقراض والنادرة.. أكثر من خمسة آلاف عينة محنطة.. هدايا قيِّمة تلقاها زعماء مصر منذ العهد الملكي حتي الآن.. '.
وأنت تقف أمام 'الاستراحة الملكية' لابد أن تتعجب، فمَن كان يتخيل يومًا أن يصبح هذا المكان البديع في التصميم مكتبًا لموظفين حكوميين يديرون الحديقة؟، لكن في مصر 'أم العجائب' لا يوجد مجال للاستغراب، فقد تحوَّلت 'الاستراحة' المكونة من 15حجرة، إلي مكتب لمدير عام الحديقة، وموظفين آخرين.
وكانت الاستراحة مخصصة لاحتفالات أعياد الميلاد والتنزه لأطفال العائلة المالكة. وحتي نعرف أهمية مبني 'الاستراحة' التي تُعَدُّ من المباني الملكية النادرة 'إن لم تكن الأجمل علي مستوي العالم نظرًا لطابعها المعماري وتصميمها الفريد'، فقد شهدت 'كما حكي لنا المشرف المرافق'، استقبالَ العديد من الملوك ورؤساء دول العالم 'واحتفالاتٍ قوميةً' منذ إنشاء الحديقة، لدرجة أن الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، كان يعقد بها أحيانًا الاجتماعات ذات الطابع السري!
وهناك في وسط الحديقة، تقع 'الجبلاية الملكية' التي جري إنشاؤها قبل افتتاح الحديقة بسنوات 'تحديدًا في عام 1867م'.. وتتميز الجبلاية 'كما عرفنا' بأن تصميمها الهندسي يجعلها مكيَّفةَ الهواء بطريقة طبيعية، والمفارقة أن هذا التصميم يسهم في تضخيم الأصوات لإضفاء بهجة علي الزائرين والمترددين علي الحديقة 'من كبار الشخصيات والوفود بالطبع'. وإلي جانب مجموعات الصبار والأشجار النادرة، والتماثيل التي تتزين بها 'الجبلاية'، فإن أرضيتها 'المفروشة بالزلط الملون والرسومات الفنية'، والبحيرة التي تتوسطها مجموعة كبيرة من نبات البردي، كانت تضفي عليها طابعًا جماليًّا خلَّابًا.
الزائرون للحديقة لابد أن يلفت نظرهم مبني 'الكشك الياباني'، القريب من الباب الخلفي للحديقة 'المطلّ علي جامعة القاهرة'. والمبني الذي يعلوه حاليًّا 'قفل' أصفر اللون، تم تصميمه علي الطراز الياباني، بأمر ملكي من حاكم مصر عام 1924، ضمن الاحتفاء والترحيب بزيارة ولي عهد اليابان آنذاك. ويُستخدم 'الكشك الياباني' متحفًا للمقتنيات والصور الفوتوغرافية التاريخية للحديقة، غير أن زيارته ممنوعة علي رواد الحديقة العاديين، ويجري فتحه علي فترات متباعدة للوفود المهمة'!'. ومن 'الكشك الياباني' ل'مغارة الشمعدان' التي تتزين بوابتها الخارجية بالصخور. وتحتوي المغارة علي العديد من النباتات النادرة، وكوبري معلق يمرُّ فوق ممر مائي من القواقع البحرية، التي تشبه قاع المحيط، ويتزين سقف المغارة بمجموعة من الشمعدانات. لكن 'المغارة' -مثل باقي المزارات المهمة- تبدو دائمة الإغلاق في وجه الزائرين رغم التجديدات التي تمت بها.
سقوط العرَّاب!
مسئول مهم في الحديقة، كشف لنا عن الأسباب التي أدت إلي انهيار الحديقة خلال العقود القليلة الماضية. قال: بعد ثلاث سنوات من التحريات الأمنية وعمل الأجهزة الرقابية والمحاسبية، قررت وزارة العدل في مصر وضع حد للتجاوزات المالية والإدارية التي شهدتها حديقة الحيوانات، علي يد رجل يوسف والي المخلص 'مصطفي عوض'، الذي جري تعيينه مشرفًا علي الحديقة عام 1995م، عقب استقلالها إداريًا عن هيئة الطب البيطري وإسناد تبعيتها الإدارية والمالية لمكتب أشهر وزير زراعة في عهد مبارك 'د.يوسف والي'.
وقد تحدثت التحقيقات في القضية عن تجاوزات ارتكبها المشرف العام علي الحديقة 'عوض'، الذي ترقي من فرد أمن عادي جدًّا بوزارة الزارعة حتي أصبحت ثروته مصدر استغراب من الأجهزة الرقابية. فبعد رحلة بحث طويلة من ضباط الرقابة الإدارية للوقوف علي التجاوزات المالية والإدارية تكشَّف لهم أن دفاتر العهدة جري إحراق معظمها بفعل فاعل. وتكشَّف لها أن إحدي الشقق المملوكة ل'عوض' تحولت إلي مخزن ضخم يضم مئات الصناديق المملوءة بالمشغولات المعدنية والنحاسية والتحف النادرة والأثاث والصيني والفضيات تتبع الاستراحات الملكية، والمتحف الزراعي، حتي الأبواب المعدنية الثمينة المشغولة بالزخارف وعليها التاج الملكي، لدرجة أن مزرعته الخاصة كانت محاطة بسور معدني تم انتزاعه من محيط الاستراحات الملكية!!
الأهم، بحسب 'المسئول'، أن 'عوض' كان السبب الأساس في حالة الإهمال التي تعانيها الحديقة حتي الآن 'رغم الجهود المضنية للنهوض بها'. وعلي مدار 12 عامًا '1995- 2007م' شهدت الحديقة في عهد 'عوض' أسوأ عهودها، جراء التجاوزات المالية والإدارية 'كانت سببًا مباشرًا في إلقاء القبض عليه لاحقًا'، حيث جري التلاعب في العهدة الأثرية والكنوز التي لا تقدر بثمن الموجودة في المتاحف الأثرية بالحديقة 'لاسيما الطيور المحنَّطة والعاج النقي'، فضلًا عن أعمال الهدم والرصف العشوائي.
فجأة، أفاقت القاهرة عام 2003 علي صدمة، بعدما قررت المنظمات العالمية المعنية بحدائق الحيوان استبعاد حديقة حيوان الجيزة من أي تصنيف دولي، بعد أن كانت 'بحسب المسئول الذي تحدث معنا'، ضمن أهم خمس حدائق حيوان في العالم 'حديقة شونبرون النمساوية.. حديقة لندن.. حديقة سان دييجو الأمريكية.. حديقة فرانكفورت الألمانية.. حدائق حيوان جنوب إفريقيا'.
ويعدِّد 'المسئول' الأسبابَ التي أدت إلي خروج حديقة حيوانات الجيزة من التصنيف الدولي، خاصة 'تدني مستوي الخدمات.. الإهمال في الرعاية الصحية للحيوانات.. نفوق معظم الحيوانات النادرة والمعرَّضة للانقراض.. المعاملة السيئة لبعض الحيوانات مثل ربط الأفيال بالسلاسل المعدنية.. اختفاء حوالي 300 حيوان من عهدة الحديقة.. '.
وأمام مظاهر الإهمال تحرك المجلس الأعلي للثقافة 'التابع لوزارة الثقافة المصرية'، حيث جري تكليف متخصصين 'في العمارة، والحضارة، والآثار.. '، لدراسة ما تتعرض له الحديقة، وكان التقرير الصادر صادمًا لدرجة أنه وصف ما حدث علي مدار سنوات ب'التخريب المتعمد، الذي يتطلب جهودًا حثيثة لاستعادة شباب الحديقة'!!
خطة إنقاذ
وكانت رئيس الإدارة المركزية لحدائق الحيوان، د.فاطمة تمام، قد اعترفت أن حديقة حيوان الجيزة عاشت أزهي عصورها خلال حقبتَيْ الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات، وأنها تعرضت للتدهور خلال الفترة من 1996 حتي عام 2006، وأعلنت أن 'هناك خطة ممنهجة لإنقاذ الحديقة، وعودتها مجددًا لعضوية الاتحاد الدولي لحدائق الحيوان 'waza''.
وتخضع الحديقة لمتابعة دورية من الأجهزة الرقابية التي تشرف علي حصر الحيوانات بالحديقة، ونرغب في تطوير الحديقة للوصول بها إلي المعايير الدولية'. وتمت الاستعانة بخبير دولي من جنوب إفريقيا لإعادة تصميم وتطوير الحديقة طبقًا للمعايير الدولية 'مراجعة أماكن إيواء الحيوانات والطيور.. طرق رعايتها.. وضع مخطط للمساحات الخضراء يراعي التنوع النباتي.. وضع ضوابط للتعامل بين رواد الحديقة مع الحيوانات، لاسيما: حظر تقديم الأطعمة البشرية للحيوانات، منع إزعاجها، وضع برامج مكثفة للكشف الصحي عليها.. مراجعة أسعار دخول حديقة الحيوان'.
وعلمت 'الأسبوع' أن وزير الزراعة، د.أيمن أبو حديد، بصدد اعتماد مخطط وطني لتطوير الحديقة خلال المرحلة المقبلة للحفاظ علي أصول الحديقة واستثماراتها، يشمل: تطوير المتحف الحيواني، صيانة الكوبري المعلق، تجديد وصيانة جبلاية القلعة ومغارة الشمعدان والكشك الياباني، فضلًا عن افتتاح مستشفي بيطري لعلاج الحيوانات بالأجهزة الحديثة في علاج الحيوانات.
لكنَّ موظفين التقتهم 'الأسبوع' يؤكدون أن جهود تطوير الحديقة تتطلب خطة شاملة ل'مواكبة التطور الحاصل في حدائق الحيوانات العالمية، وأنه يجب علي المسئولين أن يضعوا بعين الاعتبار إعادة النظر في الأوضاع الوظيفية والمالية والتدريبية للعاملين في الحديقة، فضلًا عن تطوير أساليب العرض والحماية المتوافرة للحيوانات والأماكن الترفيهية وإجراء أعمال الصيانة الدورية'.
يُذكَر أن مصر عرفت حدائق الحيوانات منذ أيام الفراعنة, حيث كان الملوك والأفراد يخرجون لصيد الحيوانات والطيور، ويحتفظون بها في قصورهم للعرض والزينة. وقبل أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة عام أنشأت الملكة المصرية 'حتشبسوت' أولَ حديقة حيوان عرفها التاريخ، وقد ضمت شتي أنواع الحيوانات الإفريقية، لكنها كانت حديقة خاصة بالبلاط الملكي.. أما حدائق الحيوان المفتوحة للعامة فلم تكن معروفة إلي أن أنشأ الإغريق نماذجَ أولية لها قبل 300 عام قبل الميلاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.