موضوع خطبة الجمعة اليوم بمساجد الأوقاف.. تعرف عليه    سعر الدولار بالبنوك أمام الجنيه اليوم الجمعة 19-4-2024 في مصر    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 19-4-2024 بالصاغة    أسعار البيض والفراخ في الأقصر اليوم الجمعة 19 أبريل 2024    إسرائيل تكشف سبب هجومها على القاعدة العسكرية في أصفهان الإيرانية    عبد اللهيان يلتقي نظيره الأردني ويحذر إسرائيل    رضا عبد العال: إخفاء الكرات بمباراة القمة كان في صالح الأهلي    الأهلي يختتم استعداداته اليوم لمواجهة مازيمبي الكونغولي    أخبار الأهلي : موقف مفاجئ من كولر مع موديست قبل مباراة الأهلي ومازيمبي    تشكيل يوفنتوس أمام كالياري في الدوري الإيطالي    أحمد شوبير يوجه رسالة غامضة عبر فيسبوك.. ما هي    الاستعلام عن الحالة الصحية ل9 أشخاص أصيبوا في انقلاب سيارة بالطريق الصحراوي    تشريح جثمان فتاه لقيت مصرعها إثر تناولها مادة سامة بأوسيم    تفاصيل الحالة المرورية في محافظات القاهرة الكبري.. الجمعة 19 أبريل    ضبط محاولة تهريب كمية من «الحشيش والماريجوانا» بحوزة بلجيكي بمطار الغردقة    تامر عاشور: نفسى ألحن للمطرب السعودي راشد الماجد    "ستاندرد آند بورز" ‬تخفض تصنيف إسرائيل طويل الأجل إلى A+ على خلفية المخاطر الجيوسياسية    أحمد كريمة: مفيش حاجة اسمها دار إسلام وكفر.. البشرية جمعاء تأمن بأمن الله    صندوق النقد الدولي يزف بشرى سارة عن اقتصاد الدول منخفضة الدخل (فيديو)    رغم الإنذارين.. سبب مثير وراء عدم طرد ايميليانو مارتينيز امام ليل    بعد عبور عقبة وست هام.. ليفركوزن يُسجل اسمه في سجلات التاريخ برقم قياسي    الطيران الحربي الإسرائيلي يستهدف منطقة شرق مخيم جباليا شمال قطاع غزة    مخرج «العتاولة»: الجزء الثاني من المسلسل سيكون أقوى بكتير    بعد تعليمات الوزير.. ما مواصفات امتحانات الثانوية العامة 2024؟    شريحة منع الحمل: الوسيلة الفعالة للتنظيم الأسري وصحة المرأة    طلب إحاطة في البرلمان لإجبار أصحاب المخابز على خفض أسعار "الخبز السياحي"    سوزان نجم الدين تتصدر تريند إكس بعد ظهورها مع «مساء dmc»    تقارير أمريكية تكشف موعد اجتياح رفح الفلسطينية    فاروق جويدة يحذر من «فوضى الفتاوى» وينتقد توزيع الجنة والنار: ليست اختصاص البشر    حظك اليوم برج العذراء الجمعة 19-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    هدي الإتربي: أحمد السقا وشه حلو على كل اللى بيشتغل معاه    مسؤول أمريكي: إسرائيل شنت ضربات جوية داخل إيران | فيديو    وعد وهنوفي بيه، الحكومة تحدد موعد إنهاء تخفيف أحمال الكهرباء (فيديو)    منهم شم النسيم وعيد العمال.. 13 يوم إجازة مدفوعة الأجر في مايو 2024 للموظفين (تفاصيل)    البابا تواضروس خلال إطلاق وثيقة «مخاطر زواج الأقارب»: 10 آلاف مرض يسببه زواج الأقارب    متحدث الحكومة: دعم إضافي للصناعات ذات المكون المحلي.. ونستهدف زيادة الصادرات 17% سنويا    محمود عاشور يفتح النار على رئيس لجنة الحكام.. ويكشف كواليس إيقافه    انهيار منزل من طابقين بالطوب اللبن بقنا    تعديل ترتيب الأب.. محامية بالنقض تكشف مقترحات تعديلات قانون الرؤية الجديد    #شاطئ_غزة يتصدر على (اكس) .. ومغردون: فرحة فلسطينية بدير البلح وحسرة صهيونية في "زيكيم"    والد شاب يعاني من ضمور عضلات يناشد وزير الصحة علاج نجله (فيديو)    انطلاق برنامج لقاء الجمعة للأطفال بالمساجد الكبرى الجمعة    الإفتاء تحسم الجدل بشأن الاحتفال ب شم النسيم    الجامعة العربية توصي مجلس الأمن بالاعتراف بمجلس الأمن وضمها لعضوية المنظمة الدولية    خبير عسكري: هجوم إسرائيل على إيران في لبنان أو العراق لا يعتبر ردًا على طهران    أحمد الطاهري يروي كواليس لقاءه مع عبد الله كمال في مؤسسة روز اليوسف    سكرتير المنيا يشارك في مراسم تجليس الأنبا توماس أسقفا لدير البهنسا ببني مزار    وزير الخارجية الأسبق يكشف عن نقاط مهمة لحل القضية الفلسطينية    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    دعاء للمريض في ساعة استجابة يوم الجمعة.. من أفضل الأوقات    بسبب معاكسة شقيقته.. المشدد 10 سنوات لمتهم شرع في قتل آخر بالمرج    إصابة 4 أشخاص فى انقلاب سيارة على الطريق الإقليمى بالمنوفية    طريقة عمل الدجاج سويت اند ساور    نبيل فهمي يكشف كيف تتعامل مصر مع دول الجوار    شعبة الخضر والفاكهة: إتاحة المنتجات بالأسواق ساهمت في تخفيض الأسعار    دعاء الضيق: بوابة الصبر والأمل في أوقات الاختناق    أخبار 24 ساعة.. مساعد وزير التموين: الفترة القادمة ستشهد استقرارا فى الأسعار    فحص 1332 مواطنا في قافلة طبية بقرية أبو سعادة الكبرى بدمياط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبطال المقاومة الشعبية وحرب الاستنزاف وأكتوبر يحكون تفاصيل أساطير النضال بالسويس
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 14 - 11 - 2013


عبد المنعم قناوي:
- عشت 101 يوم في الجبل وحدي دون طعام ولا ماء أنقذت مقر الجيش الثالث الميداني من غارة إسرائيلية كانت تريد تدميره بالكامل
محمود طه:
- العدو خسر 25 مجندا والكثير من المعدات العسكرية لرفعه علم الكيان الصهيوني علي الضفة
- شفرة العملية وضح النهار 'جاموستين وجمل و10 بأف'
السيد منصف:
- مجموعتنا أنقذت 350 مجندا مصريا أيام النكسة, بعدها انضممت للمقاومة
محمد أنور:
- مقدرش أقول اسم ضباط المخابرات اللي علمونا دي 'أسرار'
علي قهوة 'نعناعة' بحي الغريب جلسنا, والماضي البعيد صار حاضراً فوق الشفاه وفي العيون الصامدة وفوق تجاعيد الزمان التي حفرت فوق وجوه المناضلين من شيوخ المقاومة الشعبية للمدينة الباسلة.. السويس..
نزحت الذكريات إلي الماضي البعيد, وعادت محملة بعبق التاريخ ورائحة النصر, استردت الذاكرة عافيتها وقوتها لتأتي بالأمس وتحوله في العيون إلي نظرات فرحة وأحيانًا إلي دمعات, وفي المخيلة صار الماضي البعيد حاضرًا حيًا بعد أربعين عامًا من حلاوة الانتصار..
في زيارتي إلي أرض السويس المناضلة, التقيتهم, فكان لي شرف الجلوس في حضرتهم, إنهم وقود النصر وأعلامه التي لازالت ترفرف حية قوية فوق أرض مصر..
هم من قال عنهم السفاح 'شارون' حينما سأله أحد الصحفيين في مؤتمر عن حرب أكتوبر قائلاً: 'متي تحاربون مصر؟' فأجاب:
'حينما ينتهي جيل أكتوبر'
هؤلاء هم جيل أكتوبر الذي لن يموت, هؤلاء هم أبطال حرب الاستنزاف والمقاومة الشعبية التي أشعلت لهيب النصر في القلوب التي صمدت أمام نكسة 67 وأبت أن تنكس مصر أعلامها, فحملوا أرواحهم علي كفوفهم وخاضوا حروب الشوارع ضد العدو المحتل وتصدوا لأعتي القوي العسكرية في العالم, فولد النصر علي أيديهم وعادت الكرامة المصرية للمصريين في أروع أساطير الحروب عبر التاريخ الحديث.. أكتوبر العظيم..
تلك هي الحلقة الثانية التي أكتبها عن زيارتي لمحافظة السويس,
أكتب عن 'المقاومة الشعبية' حيث تزامنت الزيارة مع احتفال المحافظة بالعيد القومي للمدينة الصامدة, بعض المناضلين التقيتهم في قاعة الاستقبال بالفندق, حيث مقر إقامتي, وآخرون كانوا علي قهوة 'نعناعة'
** برحابة أهل البلد, و عبق سنين النضال مد يده لمصافحتي بابتسامة الطيبين قائلاً:
- الفدائي 'عبد المنعم قناوي' من أبناء المقاومة الشعبية في السويس وسينا
- أهلاً وسهلاً أستاذ عبد المنعم, تشرفت بلقائك
- معلش, الناس كلها مشغولة في الاحتفال بالعيد, ورغم كده لو كنت زرت السويس قبل ما الإخوان يحكموا كنت شفت استعدادات للعيد أكتر من كده بكتير, بس من ساعة ما الإخوان حكموا السنة دي والناس صابتها حالة كآبة لسه مخلصناش منها رغم اننا خلصنا من حكم الإخوان
- بس الإخوان يا أستاذ عبد المنعم بيقولوا انهم شركاء معاكم في مقاومة الاحتلال؟
- ولا نعرف عنهم حاجة, أيامها يا بنتي ماكانش فيه الكلام ده ولا كنا نعرف حاجة اسمها اخوان, كنا بس مصريين لينا تار وعندنا هدف مصرين نحققه.
- احكي لي يا أستاذ عبد المنعم عن انضمامك للمقاومة, كان عمرك قد إيه وانضميت ليها إزاي, وإيه أهم العمليات اللي شاركت فيها؟
- انضميت للمقاومة في مايو 67, كان عمري وقتها 22 سنة, كنا بنشوف المعدات العسكرية المصرية بتعبر القناة للضفة التانية وكنا متأكدين اننا هنضرب العدو ونعلمه درس مينساهوش في حياته عن قوة المصريين وقدرتهم علي الردع, كان الجندي والضابط يعدي علينا وكله هيبة وفي عينيه إيمان بالنصر, لكن فجأة سمعنا خبر هز الدنيا وأشعل النار في قلوب كل المصريين 'نجح الطيران الإسرائيلي في ضرب الطيران المصري وتدمير جميع المطارات العسكرية والمدنية داخل جمهورية مصر العربية' وهو ما ترتب عليه رفع الغطاء الجوي عن قواتنا المسلحة الموجودة في سيناء, مما يستحيل معه دخول أي جيش لمعركة مهما كانت قوة أفراده, وبالتالي كانت النكسة, وقعت تفاصيل ما حدث علي مسامعنا كالصاعقة, وأصابتنا جميعًا بنوبات جنون, كيف لهذا الجيش الرائع العظيم -الذي شاهدنا بأنفسنا معداته وأفراده واستعداداته أثناء عبوره للقناة- أن ينهزم, وعرفنا أن أبناءنا من الجنود والضباط شردوا في الصحراء بعد ضرب معداتهم, شعرت وزملائي بالنيران تفور في أوردتنا فأسرعنا نحو بور توفيق وأخذنا اللنشات الخاصة بهيئة القناة ولنشات 'البمبوطية' 'البمبوطية هم من يبيعون السلع التذكارية للسائحين في البحر' ومن بور توفيق توجهنا لمنطقة عيون موسي ومنطقة الشط بطريق الإسماعيلية شرق القناة, ونزلنا نبحث عن الجنود والضباط الشاردين في الصحراء, وبدأنا ندور علي ولادنا في الصحرا, كان العسكري من دول نشوفه جاي من بعيد مش قادر يمشي وهدومه مهلهلة, بقاله أيام تايه وشارد من غير لا أكل ولا شرب, كنا ناخدهم نشربهم ينسون وحلبة, لإنه لو أكل حاجة بعد طول الوقت ده هيموت, وفضلت أنا واللي معايا كل يوم ننزل من صباحية ربنا لحد الليل لحد ما فقدنا الأمل اننا نلاقي حد تاني نجا من الصحرا, وسنة 68 اتكونت منظمة تحرير سينا انضميت ليها كان كل هدفنا كسر إرادة العدو اللي غدر بولادنا وببلدنا, كنا عاوزين نقول للعالم ان المصريين مش هيموتوا واننا أقوي من مدافعهم وطيرانهم, كنا عاوزين ناخد بتار ولادنا اللي اتشردوا وانضربوا غدر, عاوزين ناخد تار بلدنا, وهناخده..
وبدأنا ننفذ عمليات ضد العدو, معظمها كانت عمليات ليلية علي أهداف ثابتة, نراقب العدو بالنهار ونهاجمه بالليل وندمر مخازنه وذخيرته وننسف مستودعات الوقود ونزرع الألغام في طريقه ونقطع أسلاك الاتصالات بينه وبين قيادته..
ورغم اننا كنا مبهدلينهم لكن كل عملية كنا نفاجأ بكذبة جديدة من إعلام الصهاينة, كنا نبقي حارقين مخازنهم وقاتلين جنودهم ومدمرين مستودعاتهم ونلاقي الإعلام الكذاب بتاعهم يعلن للعالم ان القوات الإسرائيلية نجحت في القبض علي مخربين أثناء محاولتهم اجتياز منطقة بها قوات إسرائيلية, رغم اننا كنا نعمل العملية من دول ونرجع من غير ما حد فينا يحصله حاجة, هما كانوا بيحاولوا يكسروا الروح المعنوية للمصريين وللجيش المصري, وفي نفس الوقت يرفعوا معنويات جيشهم, وفضل كذبهم يضلل العالم لحد ما صدرت أوامر من عبد الناصر شخصيًا للمنظمة وتم تكليفنا من القيادة بالقاهرة يوم 5 نوفمبر 69 بضرورة تنفيذ عملية كبيرة وأسر جنود وضباط إسرائيليين لأن العملية هتتصور وتتعرض علي التليفزيون عشان العالم يعرف مدي كذب الصهاينة, وفعلاً, كنت ضمن إحدي مجموعات الاقتحام أنا والشهيد إبراهيم سليمان والشهيد سعيد الباشتلي.
المكان: منطقة الشط شمال مدينة السويس ب 8 كيلو
الزمان: الثامنة إلا الربع صباح يوم 5 نوفمبر 1969
المهمة: أسر وقتل الجنود الإسرائيليين وتدمير معداتهم
الشفرة: جاموستين وجمل و10 بأف 'يعني: مدرعتين ودبابة و10 مجندين'
دمرنا عربيتين نص جنزير ودبابة وقتلنا تسعة من جنودهم وضباطهم وأسرنا جندي منهم ورفعنا علم مصر فوق الموقع اللي كانوا متمركزين فيه لأول مرة يرفرف علي شرق القناة, في أول عملية تتم في وضح النهار, لذلك أطلق علي العملية اسم 'وضح النهار' وانتظرت القيادة في مصر رد فعل العدو الصهيوني وتعليقه علي العملية في وسائل إعلامه ولم نعلن عن العملية, كنا ندرك أنه سيكذب كعادته, وبالفعل أعلن التليفزيون الإسرائيلي وصحف العدو أن القوات الإسرائيلية تمكنت من إلقاء القبض علي مجموعة من 'المخربين' أثناء محاولتهم التسلسل نحو مواقع للجيش الإسرائيلي, وأنهم أحبطوا محاولات الاعتداء علي الموقع كما فعلوا كل مرة, وفوجئ العدو آنذاك بالتليفزيون المصري يعلن عن نجاح قوات خاصة في تنفيذ هجوم علي قوات العدو وتدمير معداته وقتل عدد من جنوده وأسر جندي آخر, وأذاع التليفزيون فيلمًا مصورًا للعملية وللقتلي وللجندي الذي تم أسره, ونشرت الصحف المصرية تفاصيل العملية..
'أعطاني عم عبد المنعم قناوي بضعة أوراق وقصاصات من صحف قديمة, طغا عليها اللون الأصفر من طول الزمن, تتحدث الصحف عن عملية 'وضح النهار' حيث حمل المانشيت الرئيسي لصحيفة الدستور -الصادرة يوم الخميس 25 شعبان سنة 1389 هجرية الموافق 6 تشرين الثاني سنة 1969- خبرًا يقول: 'أكبر هجوم نهاري مصري عبر القناة.. مجموعة كبيرة من القوات الخاصة هاجمت دورية مدرعة للعدو وقتلت 9 إسرائيليين وأسرت واحدًا, وحينما حاول العدو الانتقام بالإغارة علي المواقع العسكرية المصرية في القطاع الجنوبي للقناة خسر طائرة' بينما حمل المانشيت الرئيسي لجريدة الأخبار عنوان 'هاجمنا في وضح النهار.. مجموعة كبيرة من قواتنا الخاصة عبرت القناة في الثامنة صباحًا, دمرنا دورية مدرعة للعدو بكامل معداتها في المنطقة المواجهة للشط, خسائر العدو: مقتل ضابط وثمانية جنود وأسر جندي مصاب, وعادت قواتنا سالمة بعد أن أحرقت دبابة ومدرعتين'
يستكمل العم قناوي حديثه قائلاً:
لقد أصبح العلم المصري الذي وضعناه علي الضفة الشرقية للقناة مزارًا سياحيًا آنذاك للقوات المسلحة, وكان لهذه العملية دورا بالغ الأهمية في رفع معنويات الجيش المصري الذي صمد في معارك الاستنزاف التي اشتدت بعد ذلك, وكذلك رفع معنويات المصريين الذين استعادوا الثقة في أنفسهم وفي قدرتهم علي استكمال الطريق إلي النصر ومساندة الجيش, وكذلك استطاعت 'وضح النهار' تدمير معنويات العدو وكشف كذبه أمام نفسه وشعبه وأمام العالم.
لقد ظل العلم المصري يرفرف بهذا المكان منذ 5 نوفمبر 69 وحتي نهاية عام 72 حيث بلي بعوامل الجو والتعرية إلا أن الساري ظل باقيًا شاهدًا علي العملية حتي حررنا سيناء واستبدلناه بعلم جديد.
وتطور العمل بعد ذلك لمهاجمة العدو الإسرائيلي شرق خليج السويس, ولأول مرة منذ بداية الصراع العربي الإسرائيلي يتم زرع رادارات بشرية في جميع أنحاء سينا, وكانت حرب الاستنزاف هي الطريق إلي نصر أكتوبر.
- امتي خفت من الموت؟
- مش هقولك كنا بنشوف الموت, لكن احنا كنا بنبحث عنه, ما كانش فيه حاجة بتخوفنا حتي الموت نفسه, الموت ماكانش بيخطر علي بالنا وأكتر حاجة كانت بتسيطر علي تفكيرنا هي هنخسر العدو معدات وأفراد قد إيه, والمعلومات اللي هنوديها للقوات المسلحة هتخدمهم قد إيه, وعشان الإيمان والإصرار ده محدش مات من مجموعتنا إلا اتنين: الشهيد مصطفي أبو هاشم قائد المجموعة, واستشهد يوم 9 فبراير سنة 70 في غارة إسرائيلية علي مركز تدريب, والشهيد سعيد الباشتلي, الذي استشهد برصاص قناص إسرائيلي يوم 31 مارس سنة 70, وكنا في عملية استطلاع في لسان بور توفيق, وقتها دفنا جثمان سعيد جنب جثمان مصطفي.
- كنت أول من عبر إلي سيناء يوم 14 سبتمبر 1973 ونشرت عنك الكثير من الصحف بأنك أول من عبر القناة قبل عبور الجيش المصري وأطلق عليك آنذاك 'صقر السويس' فما هي تفاصيل تلك العملية وما هي حكاية ذلك العبور؟
- تسللت إلي الضفة الأخري لجمع معلومات للجيش المصري عن المنطقة المتمركز فيها العدو, وحملت الكاميرا الخاصة بي والتي بواسطتها كنت ألتقط صور المواقع والمعدات والمجندين, ومعي جهاز اللاسلكي الذي كنت أستخدمه لبث رسائلي عبر إذاعة صوت العرب بشفرات متفق عليها, وعلمت وقتها أن هناك استعدادات من العدو لضرب مقر قيادة الجيش الثالث الميداني وتدميره, وكان بصحبتي أعرابي يساعدني في معرفة الطريق, وداخل دروب جبل عتاقة تمكنا من اكتشاف موقع إسرائيلي سري يوجد به أربعة جنود يرصدون مقر الجيش الثالث, وتمكنت من رصد موقعهم وتصويره وفور عودتي قابلت اللواء المرحوم عبد المنعم واصل الذي اتخذ قرارًا عاجلاً بنقل مقر الجيش الثالث إلي موقع آخر, وعندما شن الإسرائيليون هجومهم علي الموقع لم يكن به أحد ولم تكن به أية معدات, ففشلت مهمتهم.
100 يوم في الجبل وحدي
أثناء عودة عبد المنعم قناوي من مهمته كانت السويس قد حوصرت, فاضطر للبقاء في الجبل مدة مائة وواحد يوم فوق جبل عتاقة, اختار حفرة تحت صخرة كبيرة لتكون مأوي له بعيدًا عن عين العدو, لم يكن معه آنذاك سوي طعام يكفيه لمدة خمسة عشر يومًا فقط و'جركن' مياه واحد, فحرص قناوي علي أن يأكل في يومه أقل القليل من الطعام ليبقي معه أطول وقت ممكن, أما الماء فقد نفد منه بعد عدة أيام, ويحكي العم عبد المنعم عن هذه الأيام قائلاً:
كنت أعتمد علي قطرات الندي المتساقطة وقت الفجر علي صخور الجبل أو الماء المتجمع في الحفر الصغيرة نتيجة سقوط الأمطار, وكنا وقت الشتاء فقلّت حاجتي للماء, غير أن الشتاء كان يضيف متاعب من نوع آخر, فالجو كان شديد الصقيع والبرودة, ولم يكن معي غطاء سوي بطانية صغيرة كنت أنام في وضع الجنين حتي أستطيع تغطية جسدي كاملاً, وذات يوم اشتد الصقيع فتجمدت أصابعي وفقدت القدرة علي التعامل مع جهاز اللاسلكي فكسرت أحد أزراره, ومرةً أخري لم أتمكن من كتابة الشفرة لتجمد أصابعي, ولما نفد الطعام صرت آكل من حشائش الجبل, إلا أن بعض اللقاءات التي كانت تجري بالصدفة علي فترات متباعدة كانت تخفف وطأة الصقيع والوحدة حينما كانت تمر بعض دوريات الصاعقة المصرية التي تقوم بمهام قتالية في الجبل فيقدمون له بعضًا من طعامهم ودفء وطنيتهم ليكمل قناوي مسيرة مهمته ويعود لبث رسائله لقوات جيشه.
اليوم.. ها هو عتاقة منتصبًا شامخًا يحمل بين صخوره وفوق تراب جبله حكايات وروايات لم يحكها الزمان بعد لأبطال لازالوا بيننا ربما نمر إلي جوارهم دون أن نرفع لهم أيدينا بالتحية والسلام, فهم من قدموا أرواحهم فداءً لنا ولوطننا.
في إحدي الصور التي منحها لي العم قناوي, صورة لمدفع رشاش إسرائيلي محمولاً فوق عربة حديدية مصنوعة يدوياً هي عربة 'بائع الكوكاكولا' ويحكي العم قناوي عنها قائلاً:
هذا الرشاش حصلنا عليه عندما تصدينا للهجوم الإسرائيلي علي المدينة يوم 24 أكتوبر, وهو اليوم الذي صار عيدًا للمدينة بعد ذلك, وقاومناهم نحن وأهل المحافظة حتي صرنا نطاردهم في الشوارع كما الفئران, وحينما حصلنا علي الرشاش كان لابد من عمل قاعدة حديدية له لنتمكن من استخدامه في عمليات المقاومة, وذهبنا إلي حداد لصنع القاعدة الحديدية, لكنه قال إنه سيصنعها ولكن بشرط, فاعتقدنا أنه سيطلب مبلغًا ماليًا إلا أننا فوجئنا به يطلب الاشتراك في العملية الفدائية التي سنقوم بها.
حكاية عم طه
أنا الفدائي محمود طه, عضو المنظمة العربية لتحرير سيناء, تلك المنظمة التي أنشئت تحت رعاية المخابرات المصرية, ذلك الجهاز الذي يسعي الأعداء اليوم إلي النيل منه, كان قائد المخابرات الحربية آنذاك هو اللواء إبراهيم نصار, ضمت المنظمة شباب مدن القناة وبدو سيناء والشباب الوطني علي مستوي الجمهورية, بدأت عملها بأربعة أشخاص فقط هم غريب محمد غريب, الذي شارك في العديد من العمليات الفدائية منذ عام 1956, وعبد المنعم حسن خالد, والشهيد مصطفي أبو هاشم ومحمود عواد.
أدركنا أن هدف العدو الصهيوني هو امتلاك نصف قناة السويس كما احتل سيناء, فكان هدف مجموعتنا حماية القناة والشركات, كنا عبارة عن خلايا صغيرة لا يعرف بعضنا البعض, أحدنا كان محمد محمود اليماني الملقب ب'ثعلب الصحراء' الذي اشتهر بأسره للجنود الصهاينة فكان يأتي بهم سحلاً فوق الأرض, ودارت عملياتنا علي أرض سيناء, وكان أحد أبنائها هو الشيخ عبد الله هجامة الذي لم يكن يعرف القراءة والكتابة, وحتي يستطيع رصد معدات العدو وعدد أفراده وإرسال هذه المعلومات إلي القيادة كان يميز الدبابة عن المدرعة بأسلوبه الخاص حتي لا ينسي أعدادها وحتي تصل معلومته صحيحة, كان يرمز للمدرعة بفرع شجرة قصير, وللدبابة بفرع شجرة طويل, وللجنود بأوراق الشجر, وهكذا كان يبلغ معلومته باللاسلكي.
ويحكي عم محمود طه عن التدريبات التي كانوا يتلقونها في المنظمة فيقول:
كنا نتدرب ماذا نأكل في الصحراء لو اضطررنا للحياة فيها لفترات طويلة دون طعام ولا شراب, فتعلمنا أكل الثعابين والفئران, وكان المدربون يلقون بنا في ترعة بها مواشٍ ميتة وعفنة ومليئة بالديدان لنظل داخل تلك المياه لفترات طويلة, لم يكن كل المتطوعون قادرين علي اجتياز تلك التدريبات الشاقة, بل فينا من انسحب من وسط الطريق إلا أن الغالبية أصروا علي استكمال التدريبات باعتبارها الطريق الذي سيدعم قوتنا لمواجهة العدو.
وكنت ابنا وحيدا لعائلتي, لي الحق في الإعفاء من الخدمة العسكرية إلا أن الوطن غالاٍ وثمن تحريره لابد أن يكون غاليًا أيضًا وعلي الأحرار أن يدفعوه مهما بلغت صعوبته وقسوته.
وكان العدو يستخدم الإعلام لكسر إرادة الجنود المصريين فيقوم بعرض أفلام توضح اعتداءاته وانتهاكه لحرمة النساء والبيوت, إلا أن ذلك أتي بنتيجة عكسية حيث زرع في قلوب الجنود وأفراد المقاومة الرغبة في الانتقام واسترداد كرامة الوطن والمواطن, وجاء الرد علي الأكاذيب الصهيونية بعملية 'وضح النهار' وكانت أول عملية أشارك فيها.
- قال لي العم قناوي إنك شاركت في عملية إغراق الزورق الإسرائيلي الذي وضع علم الكيان الصهيوني فوق شط القناة, فكيف تم ذلك؟
- حكاية وضع العلم علي شط القناة دي إسرائيل خسرت فيها أكتر من 25 عسكري, غير المعدات العسكرية والكلاب المدربة, كان معايا الفدائي حلمي حنفي شحاتة, بعد ما قتلنا اتنين عساكر وأسرنا التالت حاول يهرب من اللنش فرمي نفسه في الميه ورميت نفسي وراه, حلفت ما انا سايبه, وفضلنا نقاوح مع بعض لحد ما قبضت عليه.
شاركت بعدها في صد العدوان الصهيوني علي السويس وتصديت مع مجموعات الفدائيين والأهالي لقوات العدو التي أرادت حصار المدينة, توجهنا ل' السلاحليك' الخاص بالمستشفي العام بالسويس وأخدنا أسلحة الشهدا ووزعناها علي المقاومة والأهالي وكان معايا الفدائي محمد سرحان عبد العال –أول مرة نحتفل بعيد السويس من غيره السنة دي, الله يرحمه- هو اللي ضرب أول دبابة في الفوج اللي داخل يحاصر السويس فوقفت كل دبابات العدو بأفرادها علي الطريق وبقينا نصطاد جنودهم ويهربوا مننا زي الفئران, وبدأت حرب الشوارع وبدل ما كانوا عاوزين يحاصرونا حاصرناهم احنا, واتحولت شوارع السويس لمسرح حرب حتي حررناها.
- بعد 40 سنة من النضال والمقاومة, شايف مصر إزاي؟
- رغم كل اللي بيحصل إلا إن اللي جاي ان شاء الله أحسن, مصر بتكسب جيل جديد بيتشكل وعيه وفهمه وإدراكه ووطنيته, لما حصل انفجار في مديرية أمن شمال سيناء كنت هناك وشفت الأطفال بتجمع الشظايا وبيتحركوا في المكان, افتكرت لما حصلت ثورة يوليو وكنا صغيرين, وقتها كنا بنرمي علي عساكر الجيش 'الكراميل' والورد, واتربت جوانا الوطنية وعرفنا قيمة حب الوطن وازاي نحبه ونضحي عشانه حتي بالروح وبالدم, هي دي الوطنية اللي خرجت الشعب المصري من بيوته أيام تنحي عبد الناصر وقلناله 'ارجع' لإننا كنا عارفين قد إيه هو وطني وبيحب البلد دي.
'نعناعة'
كانت الشمس تقترب من المغيب, والبلدة تكاد تكون في حالة الهدوء التام, قالوا لي إن 'السوايسة' يرغبون في النوم وقت القيلولة, بعدها تنتفض السويس من جديد حتي الصباح, أما هم, أقصد 'المضيفين لي' فقد تركوا قيلولتهم وأتوا للقائي..
الفدائي السيد محمد منصف, عمره اليوم 67 سنة, يقول:
شفنا كتير في حرب الاستنزاف, شلت زمايلي شهدا ولميت لحمهم بإيدي, أنا صياد عادي, بس لما حصلت نكسة 67 وقتها لقينا المخابرات بتطلب من ولاد البلد اللي ليهم خبرة في البحر يقوموا بمهمة إعادة العساكر الشاردة في الطريق, حسيت برعشة في جسمي, يعني إيه ييجي مسئول من الدولة يقول ان شباب البلد مرميين مش لاقيين حد يجيبهم, قلت: أنا جاهز, والشباب اللي معايا ردوا نفس الرد, كنا حوالي 6 اتحركنا بمراكبنا.
طلعت بالمركب حوالي 20 مرة, قدرنا نرجع حوالي 350 ضابط وعسكري, بعد الموقف ده اتطوعت في المقاومة الشعبية, واتدربت علي السلاح وقتها أعلن عن تدريب راقي فانضممت إليه, وكانت هذه هي نواة المنظمة العربية لتحرير سينا, وأثناء قيامي بإحدي المهام وتوصيل ذخائر وألغام ومتفجرات من البر الغربي للبر الشرقي وبعد زرع الألغام وتنفيذ المهمة ألقي القبض علينا أثناء عودتنا وتم أسرنا في يناير 69وأفرج عنا في صفقة لتبادل الأسري.
وعن الأسر حكي لي الفدائي أحمد حسن عروق, الذي تم أسره في نفس العملية ونقل هو ومجموعته إلي أبو زنيمة ومنها إلي أبورديس ثم إلي السجن الحربي 'السرفنت' الذي مكثنا فيه ثلاثة شهور كاملة تحت التعذيب المتواصل حتي يحصلوا منا علي معلومات لكنهم لم يأخذوا منا معلومة واحدة, وادعينا أننا سرقنا المركب الذي كنا عليه وأننا أتينا إلي البر الشرقي لجلب المخدرات, وبعد ثلاثة شهور من التعذيب في السجن الحربي تم نقلنا إلي سجن غزة ومنه إلي سجن 'أشكيلون' أي 'عسكران'وعندما مرضت تم تحويلي إلي سجن 'اللد'
** فدائي آخر, هو محمد أنور حسن, حامل نوط مبارك ونوط محافظة السويس, هو أيضًا كان يعمل بمهنة الصيد, واستغل مركبه في نقل الذخيرة والأسلحة والمعدات للجيش والمقاومة, وذات يوم أثناء تأديته إحدي هذه المهام فوجيء بقوات الاحتلال تقترب من قاربه المليء بالذخيرة والألغام فاضطر لإلقائها في البحر, إلا أنه ألقي القبض عليه وظل في سجون الاحتلال شهورًا طويلة ولم يتخيل يومًا أنه سيعود إلي أرض الوطن حتي أفرج عنه في صفقة تبادل الأسري حيث أعادت مصر إثنان من الطيارين الصهاينة الذين تم أسرهم واستردت 58 صيادًا مصريًا معظمهم من رجال المقاومة الشعبية.
عندما سألت عن أسماء ضباط المخابرات المصريين الذين أشرفوا علي إنشاء منظمة تحرير سيناء وتدريب الفدائيين أصر العم منصف والعم أنور علي عدم ذكر أسماء أي منهم حتي من فارقوا الحياة, فقلت لهم مبتسمة: 'يا عم محمد خلاص الكلام ده فات عليه سنين وأسامي الضباط اتعرفت لأن التاريخ لازم يكرمهم لأنهم أبطال' لم تقنعهم كلماتي وأصرا علي ضرورة الاحتفاظ بالسرية بل إن كلا منهما أوصي الآخر بالكتمان في الحوار, كان أهم ما يميزهم جميعًا إصرارهم علي ذكر أسماء زملائهم من الفدائيين خاصةً من استشهدوا كنوع من الوفاء والتكريم لهم.
وقبل أن أغادر منحني المناضل 'حسين العشي' كتابه 'خفايا حصار السويس' والذي يحمل بين طيات صفحاته الكثير من الحكايات والصور عن معارك السويس وبطولات أهلها, تلك المعارك التي لم يكرمها التاريخ بعد كما تستحق, كتاب 'العشي' من أروع ما كتب عن ملاحم النضال وأساطير كفاح 'السوايسة' في طريقهم لتحرير الأرض..
ما زال الماضي حاضرًا بهيبته وأسراره وتفاصيله في أذهان وقلوب صانعيه, تركتهم ومضيت, حاملةً صور الشهداء التي أعطاها لي 'العم قناوي' ومعها أوراق وقصاصات الجرائد القديمة التي أضفي عليها الزمان لونه الأصفر الباهت, بينما ابتسامة الشهيد المناضل مصطفي إبراهيم السيد لا تزال تضيء صفحته, مازالت مطبوعة فوق أوراق تاريخ منحني القدر شرف أن تكون اليوم بين يدي..
إنفراد: العدد القادم
'الأسبوع' في ميناء الأتكة, تعيش حياة الصيادين وتغوص في تفاصيل مخاطر البحر وفرحته, لنتعرف علي الكثير عن القراصنة وخطف المراكب وحكايات البحر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.