ان تعليق الولاياتالمتحدةالامريكية لجزء من المساعدات العسكرية لمصر كما يؤكد الخبراء، بدأ منذ أسبوعين، بعد أن أرسلت وزارة الخارجية الأمريكية خطابا للكونجرس بخفض مبلغ 500 مليون دولار من إجمالي مبلغ 1.3 مليار دولار قيمة المساعدات السنوية لمصر. فشل سياسة العصا والجزرة: الجميع يُدرك أسلوب واشنطن في التعامل مع القضايا الخلافية مع المجتمع الدولي، كما أنها ليست المرة الأولي التي تُشهِر واشنطن فيها 'سيف' قطع المعونة، خاصة منذ عزل القيادي في جماعة الإخوان محمد مرسي، استجابة لإرادة الأغلبية التي خرجت في 30 حزيران /يونيو الماضي. إرادة شعبية مازالت إدارة أوباما تتردد في تحديد كيفية التعامل معها، نتيجة التحالف مع التنظيم الدولي للإخوان والذي قام علي أساس تبادل المصالح في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير. وانحياز المؤسسة العسكرية المصرية التي يُدرك قادة البنتاجون أهميتها جيدا، وضع أوباما في مأزق، أدي إلي مواصلة التضارب في المواقف والتصريحات حول ما يجري من أحداث علي أرض مصر، خاصة بعد فشل محاولات تحييد الجيش بعيدا عن صراع الإخوان مع الشعب، حتي يستمر حكم الإخوان. فانحياز الجيش لإرادة الأغلبية من المصريين، أدي إلي فشل مخطط التنظيم الدولي، وتهديد المشروع الأمريكي في المنطقة بالفشل، بعد ان تكشفت كل تفاصيله. والإدارة الأمريكية هددت بقطع المعونة للضغط علي الجيش المصري، وأجلت تسليم 4 مقاتلات متطورة من طراز 'إف 16'، وقرر أوباما إلغاء مناورات 'النجم الساطع' التي كانت مقررة في الصحراء الغربية بمصر. تهديدات واشنطن لم تؤثر في موقف الإدارة المصرية الجديدة، إدراكا منها لطبيعة التهديدات وحقيقة ما تمثله المعونة الأمريكية اليوم بالنسبة للقوات المسلحة التي تعتمد علي مصادر مختلفة في التسليح، وتملك البدائل المنزوعة من التهديدات. مصادر أخري للتسليح: مع تنوع مصادر التسليح في العالم، تُشير أحدث إحصائيات مراكز الأبحاث المتخصصة الي أن روسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والصين تنافس الولاياتالمتحدة في الأسواق العالمية، وأن التقنية المتطورة والتخصص تبدو مختلفة من بلد لآخر. والثابت أن القوات المسلحة المصرية اعتمدت في تسليحها علي السلاح الروسي، كما أنها حققت انتصار أكتوبر 1973 بهذا السلاح الذي تفوق في تقنيته مع مهارة المقاتل المصري، الأمر الذي يجعل مصادر التسليح أمام مصر مفتوحة، خاصة أنها أقامت علاقات جيدة مع الدول المصدرة للسلاح، فضلا عن محاولات الارتقاء بالصناعات المحلية في هذا القطاع الحساس والهام. حقيقة المعونة الأمريكية: والمعونة العسكرية الأمريكية لمصر تبلغ 1.3 مليار دولار، بنسبة 0.6 بالمائة من الناتج المحلي المصري، يذهب ما يقرب من ثلث هذا المبلغ الي خبراء وشركات نقل أمريكية، لتكتشف أن واشنطن هي المستفيد الأكبر من هذه المعونة، فضلا عما تمثله التسهيلات المصرية للمصالح الأمريكية في المنطقة من أهمية، وتساهم في تعزيز الأهداف والسياسات الاستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتقديرها ماليا يتجاوز بمراحل مقدار هذه المعونة. وموقف الإدارة الأمريكية الداعم للإخوان، وما قامت به من حشد لدول أوروبية ضد ثورة 30 يونيو، دفع بالمجتمع المصري الي المطالبة بالتخلص التدريجي للارتباط مع واشنطن، والتأكيد علي أن المعونة تأتي مقابل التزامات محددة في الاتفاقيات الثنائية والملاحق الأمنية لاتفاق 'كامب ديفيد' للسلام مع إسرائيل. هذا فضلا عن استمرار محاولات إعادة الإخوان إلي السلطة أو علي أقل تقدير ضمان عدم استبعادهم مرة أخري من الحياة السياسية، الأمر الذي يعزز من مطالب تحرير الإرادة والإدارة، وانهاء عقود من التبعية لسيد البيت الأبيض. خاصة فيبدو بشكل واضح أن المعونة العسكرية لم تمنح واشنطن أي نفوذ علي قيادات المجلس العسكري، الذي يتحرك وفق إرادة شعب ثائر علي الفاشية الدينية، رغم التهديدات والضغوط التي تمارس عليه من حين لآخر. رد فعل دول الخليج: لا شك أن مكانة الولاياتالمتحدة قد تراجعت في ظل التمسك بسياسة ما يُعرف ب'الفوضي الخلاقة' بهدف إعادة تقسيم المنطقة علي أساس عرقي وديني وطائفي. كما أن استمرار الدعم الأمريكي للتنظيم الدولي للإخوان يثير حفيظة الدول الكبري في المنطقة مثل السعودية والإمارات والكويت، هي دول ترفض سياسة التنظيم وتحظر نشاطه علي أراضيها منذ عقود، كما أن سياسة التحالف الأمريكي الإخواني وصلت بالمنطقة إلي التطرف والعنف والإرهاب. دول الخليج الكبري سارعت الي دعم الحراك المصري وإسقاط نظام الإخوان، وتقديم الدعم للاقتصاد المصري بحجم 12 مليار دولار، فضلا عن تزويد الأسواق المصرية باحتياجاتها من الوقود 'بنزين، غاز، سولار' إلي جانب الدعم السياسي في المحافل الدولية ومواجهة موقف واشنطن وبروكسل. لقد أبدت الأمارات العربية المتحدة استعدادها لتزويد قوات الأمن الداخلي 'الشرطة' بما تحتاجه لتطوير آلياتها في مواجهة الجماعات الإرهابية والقضاء علي بؤر التطرف والإجرام، وكذلك تسخير الإمكانيات اللازمة لدعم القوات المسلحة المصرية خلال المرحلة الانتقالية. الدعم العربي الخليجي للإدارة الانتقالية لمصر جعل الحكومة تتجاهل قرض صندوق النقد الدولي الذي تفاوضت عليه حكومة الإخوان لشهور وأبدت استعدادها لتقديم التنازلات في سبيل الحصول علي قرض مالي بمقادر 4.8 مليار دولار. الموقف الرسمي المصري: تجديد التهديد بقطع المعونة العسكرية أو جزء منها، وجد ردا مصريا رافضا للإملاءات الخارجية واستخدام المعونة أداة للضغط في اتجاه مواقف محددة. فالمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير بدر عبد العاطي وصف قرار تأجيل تسليم بعض المعدات العسكرية الأمريكية لمصر ب 'الخاطئ' في مضمونه وتوقيته، مشيراً في الوقت ذاته إلي أنه لا يوجد أي قطع أو تخفيض لتلك المساعدات وأنه لا مساس بالمساعدات، وأضاف أن مصر تواجه تحديات ومخاطر إرهابية، وشدد علي أن مصر مع استمرار العلاقات الطيبة مع الولاياتالمتحدة طالما تحقق المصالح المصرية. وأكد رفض مصر استخدام الولاياتالمتحدة لأداة المساعدات العسكرية، للضغط علي القرار المصري الداخلي، مشيرًا إلي أن الحكومة المصرية ملتزمة بتنفيذ خارطة المستقبل، ليس إرضاء للولايات المتحدة، بل للشعب المصري الذي وافق عليها وأيدها. وأضاف أن مصر تجري الآن عملية مراجعة للعلاقات مع الولاياتالمتحدة'، وأن المساعدات العسكرية تحتل الأولوية في عملية المراجعة. الاستنتاج: سياسة الولاياتالمتحدة منذ عزل مرسي، تقف خلف الوضع الذي دفع بها في مواجهة صريحة أمام إرادة الشعب المصري، الذي لم يجد سوي المؤسسة العسكرية كي تنتصر لإرادته، ومن هنا فإنه يري في المساس بمقدرات القوات المسلحة، اعتداء علي إرادته وتوجهه وقراره الذي يسير إلي تحريره من المعونة التي باتت تمثل عائقا في طريق تحقيق طموحاته وتطلعاته، وتظل قدرات مصر والدول العربية قادرة علي التحرر ورفض الإملاءات إذا ما تم توجيهها في الاتجاه الصحيح.