في ممرات القصر العيني عشرات الأشخاص، آباء و أمهات، زوجات و أولاد و ربما أحفاد، لكل منهم مريض وراءه حكاية و في كل حكاية مآساة أو أكثر. فريق بوابة الأسبوع حاول استكشاف هذا العالم المخفي وراء جدران القصر العيني. في الطابق الأرضي من القصر العيني يوجد قسم الإستقبال و الطوارئ و أمام العيادات يوجد عشرات الأهالي ينتظرون تحسن حالات ذويهم. اقتربنا من سيدة جالسة أمام الأستقبال نسألها علي المعاملة في هذا الصرح الطبي فقالت 'بنتعامل أحسن معاملة'، سألنا لما هي هنا فقالت 'مستنية زيارة لكن انا اللي جيت بدري'. سرنا في هذا الممر بضعة مترات لنسأل أخري علمنا فيما بعد أنها تدعي 'أم خالد'، 'انتي هنا من امتي يا امي؟'، 'بقالي 3 شهور يابني'، 'ليه؟!'، 'ابني عنده كسر مضاعف ف الرقبة و انا بفضل هنا اراعيه'، 'طيب حالته بتتحسن؟'، 'لا يابني احنا اول ما جينا مكنش فيه سراير في الاستقبال اضطرينا ندخله عناية مركزة لمدة 4 ايام و دفعنا 7 الاف جنيه و الحالة مابتتحسنش بالعكس حصلت مضاعفات و بقلنا 3 شهور ف كده'. تركنا 'أم خالد' و واصلنا رحلتنا في هذا الممر الذي يحوي كثيرا من الحكايات و المهملات و الوجبات و اكواب الشاي الفارغة و بقايا السجائر و غيرها من المظاهر التي غالبا ما توجد في شوارع مصر و ليس في صرح طبي كان هو الأول من نوعه في مصر و الشرق الأوسط منذ عصر محمد علي. 'كريم محمد' طالب إمتياز بكلية الطب جامعة القاهرة كان يقف أمام عيادة الإستقبال بالمعطف الأبيض اقتربنا منه و سألناه 'ايه رايك في معاملة ادارة المستشفي لطلاب الامتياز'، 'رأيي ان ادارة المستشفي بتعامل طلبة الامتياز بشئ من عدم الاحترام.. بيسحلوهم من الآخر و ده بينعكس علي معاملة الدكتور مع المريض '، ' طب ايه رأيك في امكانيات المستشفي بوجه عام؟ '، 'المستشفي فيها امكانيات ضخمة و اجهزة حديثة لكن المشكلة ف الضغط اللي عليها و اللي بيزيد كل يوم و في المقابل القدرة الإستيعابية للمستشفي ثابتة'، 'و الحل من وجهة نظرك؟' ، 'الحل اننا نبني صرح زي القصر العيني او نزود القدرة الإستيعابية للقصر هنا للضعف او الضعفين بس للاسف ف ظل الأوضاع من شبه المستحيل ان ده يتحقق'. لم تختلف الأحوال كثيرا في الطوابق العليا حيث ظل المشهد كما هو تقريبا مع تناقص اعداد الموجودين في الممرات بسبب وجود اقسام الجراحة و غرف العمليات في الأعلي، لكن لفت انتباهنا رجل في اواخر الأربعينيات كان يظهر عليه الغضب فذهبنا لنستفسر عن سبب ذلك، 'السلام عليكم يا حاج '، ' و عليكم السلام يا ابني '، ' متعصب ليه يا والدي '، ' لا ابدا مش متعصب ولا حاجة '، ' طب كنت بتزعق ليه '، ' لا ابدا شديت ف الكلام مع اخويا 'و اشار للذي كان يقف بجواره' انت هنا من امتي يا حج؟ '، 'من الصبح'، 'ليك حد بيتعالج هنا'، 'اه ابني في العمليات جوه'، 'ايه رايك في المعاملة هنا يا حج؟'، 'و الله كويسة يابني نحمد ربنا الناس اللي هنا بيعملو اللي عليهم و زيادة'. أذن لصلاة العصر، تأخر الوقت و علينا الرحيل، لكن بقي مكان لم نزوره حتي الآن، إنها ثلاجة الموتي، ذهبنا إليها لتكون محطتنا الأخيرة كما تكون هي بالنسبة لبعض مرضي القصر، دخلنا و التقينا بأستاذ 'حسن' لم نعلم بالظبط عمله او منصبه لكن من الواضح أنه يعلم خبايا القصر، سألنا 'اؤمرو انتو هنا ليه؟'، 'كنا عايزين نعرف كام حالة توفت النهارده و في العادي بيكون المتوسط في اليوم كام و لو في مجاهيل محدش اتعرف عليهم'، 'الوفايات النهارده كانو 4 و التلاجة مابتستقبلش مجاهيل لان معظم اللي بيجو بيكونو مرضي في القصر بياناتهم كاملة تماما، لكن وقت مظاهرات رمسيس تلقينا حوالي 17 جثة كان بينهم 3 مجاهيل و تم التعرف عليهم و اهاليهم أخذوهم للدفن 'لم يعد لدينا مانقوله فقد اجاب استاذ' حسن 'علي جميع أسئلتنا و لم يدع لنا مجالا للحوار. انتهت رحلة الفريق داخل متاهات القصر العيني دون فهم كامل للواقع، و بين تضارب الآراء لا نملك الا ان نضع ما وجدناه بين يدي القارئ لعله يصل معنا او يدلنا علي جزء من الحقيقة.