يعد اعلان الحرب أحد المظاهر الجوهرية لسيادة الدول ، و كانت الدول حتي بداية القرن العشرين تلجأ للحرب وقتما تشاء باعتبارها وسيلة لتسوية النزاعات الدولية ، حتي أتت اتفاقية لاهاي لعام 1907 و اشترطت لمشروعية الحرب، أن تسبق الحرب بإنذار مسبق و غير غامض، و لقد نحت الدول ذلك المنحي القانوني، حين تنعقد ارادتها السياسية للجوء للحرب، بيد أن ميثاق الاممالمتحدة الذي صدر في العام 1945، أنهي هذه الاعراف الدولية التي سادت قبل انشاء منظمة الاممالمتحدة ، و حظر الميثاق اللجوء للقوة المسلحة لتسوية النزاعات بين الدول، حتي أن الميثاق ذاته لم يذكر في مواده كافة كلمة الحرب، تأكيدا علي نبذها، و اعتبارها شرا مستطيرا يهدد العالم بأسره. بيد أن سائر الدول لا تزال تعتبر أن ' اعلان الحرب ' يعد أحد أهم مظاهر سيادة الدول في محيط العلاقات الدولية ، و أن الدولة التي لا تتمتع بهذه الاهلية ، تعد دولة منقوصة السيادة، و يحفل التاريخ الحديث بعد انتهاء الحربين العالميتين في القران المنصرم بعديد من الدول و قد انتزعت منها هذه المكنة القانونية ، بموجب معاهدات دولية ، و دساتير وطنية جلي أن مشروعية أي عمل لا تأتي من المشروعية الصرفة للسلطة التي قررته وحسب، بيد أنها تتصل ايضا بالموضع الذي تمت فيه المناقشة و الانتهاء للقرار الصائب السديد في أمر من الامور التي قد تعرض بقاء الدولة ذاتها للزوال، فالإجازة البرلمانية بإعلان حالة الحرب لم تكن الحل للوصول الي اتخاذ قرار أكثر ديمقراطية . فالأمر يستوجب اشراك البرلمان في مجمل السياسية الخارجية و قضايا الامن الوطني و الدولي ان المداولات البرلمانية لمناقشة أو المصادقة السابقة أو اللاحقة و بموجب نظمها الدستورية ، لإعلان حالة الحرب، أو لإرسال قوات الدول للخارج للمساهمة في عمليات حفظ السلام الدولية ، أو غيرها من العمليات العسكرية، لا تختلف عن المداولات التي تجري في أروقة مجلس الامن في منظمة الاممالمتحدة ، حين يتخذ مجلس الامن قرارا بموجب الباب السابع من ميثاق الاممالمتحدة ، وفقا لنظام الامن الجماعي، يتضمن عملا عسكريا معينا. ان الفضل يرجع للدستور الفرنسي الصادر في 3 سبتمبر عام 1791، و الذي منح البرلمان سلطات واسعة تبدأ من اندلاع القتال و حتي وقفه، ووزعت سلطة فعل الحرب بين الملك و البرلمان ، إلا أن دستور الجمهورية الرابعة في فرنسا منح صلاحية استثنائية لرئيس الجمهورية تسمح له بأن يتخذ قرار الحرب منفردا عندما يوجد تهديد لسلامة البلاد في ذات الحقبة سجل الدستوريون الامريكيون انضمامهم لهذا المبدأ بمنح سلطة اعلان الحرب للكونجرس، الجهة التشريعية في النظام الدستوري المعتمد، و هنا صار التأكد بحظر اعلان الحرب إلا بعد تصويت مباشر لممثلي الشعب، يشكل ضمانة جوهرية للمواطنين و هي المسألة الدستورية التي أشار اليها الرئيس الأمريكي أوباما يوم 31 أغسطس عام 2013 بصدد الحالة السورية و احتمالية قيام القوات المسلحة الأمريكية بعملية عسكرية محدودة في سورية ، حيث صرح بأنه و بالرغم أن الرئيس الأمريكي بوصفه قائدا أعلي للقوات المسلحة الأمريكية لديه صلاحيات كبيرة في اعلان الحرب، و ارسال وحدات عسكرية وطنية للخارج ، الا أنه فضل أن يشارك ممثلي الشعب الأمريكي في اتخاذ مثل هذا القرار التاريخي المصيري للأمة الأمريكية طبيعي أن تسند للجسم التشريعي للدول سلطة التشريع و الرقابة في امور حيوية خطيرة تتعلق بأمن البلاد، و منها ارسال قوات عسكرية خارج حدود الدولة ، لذا تنظم دساتير الدول هذه المسألة التي اثارت الخلط و الخلط الكثيرين في مصر ، رغما أن معظم دساتير الدول حددت هذه المسأة منذ قرون خلت . لقد صوت الكونجرس الامريكي علي العديد من القرارات المتعلقة بعمليات عسكرية أمريكية في الخارج : في فرموزا عام 1955، الشرق الاوسط عام 1957، برلين و كوبا عام 1962، و كان رد فعل الكونجرس الامريكي أكثر حيوية و نشاطا منذ حرب فيتنام عام 1964، باعتماد القرار حول صلاحيات الحرب، و حين أصدر الرئيس الامريكي الاسبق ' نيكسون ' في منتصف السبعينات قرارا سريا بقصف كمبوديا ، ووجهت التهمة الجنائية للرئيس الامريكي ، بزعم أنه اتخذ مثل ذلك القرار منفردا ، و دون اعلام الكونجرس، أوقف رئيس هيئة الاتهام تحريك الدعوي الجنائية ضد الرئيس، بزعم أن بعض أعضاء الكونجرس قد علموا بالأمر بصورة سرية و بعد انتهاء حرب ' الماليون ' - جزر فوكلاند - بين بريطانيا و الارجنتين عام 1982، قدم وزير الخارجية البريطاني اللورد كارينجتون استقالته ، حين وجه البرلمان المسئولية البرلمانية للحكومة ، وذلك لعدم اخطار البرلمان البريطاني بعزم الحكومة علي الحرب ضد الأرجنتين . ان الاحكام الدستورية المتعلقة بالحرب و السلام في الديمقراطيات الحديثة ، لاتختلف كثيرا عن ذات الاحكام في الديمقراطيات القديمة ، و لا يتسع المقام لحصر الكثير من دساتير الدول ، التي تتطابق ، في شأن تنظيم اعلان حالة الحرب، ففضلا عن الامثلة السابق ذكرها ، فإننا نحيل الي دساتير ألمانيا , و اليابان ، و رومانيا، و ليتوانيا، و كرواتيا ، و أسبانيا ، و البرتغال ، و الدانمارك ، و ايطاليا ، وغيرها من الدول . و ختاما، فقد أكدت المداولات البرلمانية المطولة التي عقدها مجلس العموم البريطاني بشأن المصادقة علي قرار بالحرب علي سورية ، أهمية الرجوع للشعب صاحب السيادة، ومصدر السلطات كلها و هذه المداولات مثلت الفرصة السانحة للرئيس الأمريكي أوباما في الشاطئ الأخر للمحيط ، أن يشارك الكونجرس معه في اتخاذ مثل هذا القرار الخطير ، حتي لا يتحمل الرئيس الأمريكي بمفرده المسائلة المرتقبة. خبير القانون الدولي و الدستوري