يضع البعض معيارا لقياس الفارق بين تقدم الامم وتأخرها بحجم التقدير الذي يلقاه المثقفون والمفكرون من الدولة والمجتمع الذي يعيشون فيه ، علي اعتبار انهم قادة الفكر وفلاسفة التغيير نحو الافضل ، ففي الدول المتقدمة يحظي المثقفون بمكانة كبيرة واحترام بالغ ، والامثلة التي تترجم ذلك كثيرة ، فعندما نُشرت صورة للرئيس الأميركي باراك أوباما أثناء حملته الرئاسية وهو ممسك بكتاب " عالم ما بعد أميركا " للكاتب الأميركي فريد زكريا وهو من أصل هندي ، شن خصومه حملة واسعة عليه واتهموه بأنه مؤيد لوجهة النظر القائلة بأن الولاياتالمتحدة لم تعد القوة العظمي في العالم ، لقد أثارت تلك الصورة زوبعة إعلامية حول أوباما متهمة إياه بالانحياز لرؤية شرق أوسطية متفائلة بنهاية العولمة الأميركية ، وكان حَمْلُهُ لكتاب صغير كفيل بالتأثير علي حملته الانتخابية لولا ذكاء القائمين علي تلك الحملة، أما فريد زكريا، فقد لاقي كتابه إثر تلك الضجة رواجاً عالمياً وأصبح من أكثر الكتب مبيعاً في العالم. الاحتفاء بالمثقفين والمفكرين في الدول المتقدمة تقليد عريق يمتد لمئات السنين، فحينما أرادت بريطانيا في القرن السابع عشر أن تنفض غبار عصور الظلام عن ثيابها الرثة، استقت المعرفة من أبي الفلسفة التجريبية فرانسيس بيكون الذي قال " لقد دعوت إلي إصلاح عظيم للمعرفة، يرفض العبادة العمياء للمرجعيات التي تسيطر علي العالم " ، ثم أتي جون لوك الذي أحدث نقلة نوعية في الفكر السياسي الإنجليزي والعالمي ، وقد استمد الفرنسيون من فولتير وديدرو مستقبلا جديدا لأمتهم التي كانت ترزح تحت وطأة التعسف والديكتاتورية. إن المثقف والمفكر في الدول المتقدمة هو في مقدمة ركائز المجتمع ، تماماً مثل السياسي والمسئول التنفيذي ، دور المثقف والمفكر يترجم في صناعة رؤية الدولة ويساهم في وضع استراتيجيات الحكومات المتعاقبة، التي ما أن تأتي إحداها إلي السلطة، حتي تبدأ في البحث عن أساتذة ومفكرين ليعينوها علي إدارة البلاد ، تماما مثلما فعل أوباما عندما أتي بالاقتصادي الأميركي لاري سمرز الذي كان يشغل منصب رئيس جامعة هارفرد، وعيّنه رئيساً للمجلس الاقتصادي الوطني بالولاياتالمتحدة. لهذا اوجه الشكر للرئيس حسني مبارك ، ولوزير الثقافة فاروق حسني الذي يجسد ويترجم افكار الرئيس التي يؤكد بها في كل مناسبة علي تقديره لمثقفي ومفكري الامة ، ومطالبته لهم بتحمل مسئولياتهم تجاه تنمية الوطن فكريا وثقافيا ، لوضعه علي خريطة الالفية الثالثة، ومما لاشك فيه ان جوائز مبارك في الفنون والاداب والعلوم الاجتماعية ترجمة فعلية لتقدير الرئيس والدولة لمفكريها ومثقفيها والتأكيد علي قناعة الدولة بأن المثقف الحقيقي هو السند الحقيقي لصنع واقع ومستقبل افضل. لا احد ينكر مكانة المثقف العظيمة في منظومة الحركة الانسانية ، فعندما علم بسمارك مهندس الوحدة الألمانية بنوايا نابليون الثالث لغزو ألمانيا، أرسل رسالة إلي أديب فرنسا الأول فيكتور هيوجو يرجوه فيها توجيه الشعب الفرنسي لإيقاف نابليون ، فبدأ رسالته بقوله " من عظيم ألمانيا ، إلي عظيم فرنسا ". ولا تعليق بعد ذلك.