كان مما ورثه باراك اوباما عن سلفه جورج بوش علاقات متوترة مع روسيا الاتحادية جعلت المراقبين يتحدثون عن " حرب باردة جديدة " ووصلت قمتها في التدخل الروسي بقوة في جورجيا وفي اغسطس 2008 غير ان باراك اوباما " بنهجه الجديد " الذي جاء به في ادارة علاقات امريكا مع العالم اتجه الي " اطلاق " العلاقات الامريكية الروسية وفي هذا الاتجاه قدم اوباما " عربونا " الي موسكو وذلك بالغائه للمشروع الامريكي الذي كانت ادارة بوش قد شرعت فيه باقامة درع للصواريخ مضادة في كل من بولندا وتشيكيا وهو ما قاومته روسيا واعتبرته تهديدا لامنها القومي وقد جاءت خطوة اوباما لكي تفتح الطريق لتطورات ايجابية بين البلدين. وفي البداية و عندما ناقش اوباما العلاقات مع روسيا حدد الاهداف الامريكية من هذه العلاقة بقوله " اذا اخذنا في الاعتبار اولويات الامن القومي للولايات المتحدة ومنع انتشار الاسلحة النووية ومسألة ايران وكوريا الشمالية والارهاب وافغانستان سنجني الكثير من التعاون مع روسيا " ويبدو ان ما توقعه اوباما اصبح في طريقه للتحقيق. ففي مارس 2008 وبعد مفاوضات شاقة لمدة عام لعب فيها الرئيس الامريكي والروسي دورا شخصيا توصلت القوتان الي معاهدة ستارت 2 والتي نصت علي خفض اسلحتهما الاستراتيجية بمقدار الثلث والمعروف انه منذ العهد السوفيتي كان الحد وخفض الاسلحة الاستيرتيجية محورا رئيسيا في توجيه العلاقات بين القوتين . ولا يمكن لاي مراقب لتطور العلاقات بين امريكا وروسيا الا ان يربط بين التوصل الي اتفاقية ستارت 2 وقبله القرار الامريكي بتعليق انشاء نظام الصواريخ المضادة في بولندا وتشيكيا وبين التحول في الموقف الروسي تجاه قضية جوهرية بالنسبة للولايات المتحدة والغرب وهي قضية البرنامج النووي الايراني وكانت روسيا تعارض فرض عقوبات علي ايران وتبدي استعدادها لتزويد ايران بصواريخ S 300 الا ان روسيا وافقت علي قرار مجلس الامن 1929 بفرض عقوبات علي ايران كما اعلنت وقفها تزويد ايران بصواريخ S 300 وهو ما يحقق هدفا امريكيا كانت تسعي اليه علي مدي عام كامل لضمان تأييد كل من روسيا والصين قرار العقوبات. وتجيء قمة باراك وميدفيديف في واشنطن في 24 يونيو 2010 لكي تمثل اللقاء السابع بين الرئيسين واللقاءات التي وصفها رسميون امريكيون بانها حققت علاقات قوية ووثيقة علي المستوي الشخصي الي حد استثنائي. غير انه اذا كان باراك اوباما قد حصد ثمار هذه العلاقة من الرئيس الروسي فان هدف ميدفيديف من هذه الزيارة هو ان يحصد ثمارها بالنسبة الي روسيا ليس فقط علي مستوي السياسة ولكن اساسا علي المستوي الاقتصادي والتجاري والتكنولوجي. وتجدر الاشارة الي ان زيارة ميدفيديف لواشنطن قد بدأت بزيارة " سليكون فالي " عاصمة الصناعات التكنولوجية الواقعة في ولاية كاليفورنيا وهو مايرمز الي تطلع ميدفيديف الي مساهمة امريكية في التحديث التكنولوجي في روسيا واثر زيارة ميدفيديف لمقرها اعلنت مجموعة تجهيزات الاتصالات "سيسكو" انها تعتزم استثمار بليون دولار في روسيا في مجال تطوير التكنولوجيات الحديثة.. كما يلاحظ علي المستوي التجاري زيارة ميدفيديف بصحبة اوباما مقر غرفة التجارة الامريكية حيث يتطلع ميدفيديف لدفع العلاقات التجارية بين البلدين فعلي الرغم من ان حجم التجارة قد بلغ 24 بليون دولار في العام الماضي وهو ضعف ماكان في العامين الماضيين ولكنه مازال اقل مع حجم التجارة الامريكي مع دول مثل البرازيل وتايوان وكوريا الجنوبية وجزء ضئيل من 366 بليونا وهو حجم التجارة مع الصين العام الماضي.. اما الاهتمام الروسي الثاني في المجال الاقتصادي والتجاري فهو الحصول علي الدعم الامريكي لانضمام روسيا الي منظمة التجارة العالمية. علي اية حال فانه اذا كانت التطورات الاخيرة تبدو مبشرة في العلاقات الامريكية الروسية الا انها لا تخلو من عناصر التعقيد سياسيا حول مناطق اسيا الوسطي وخاصة حدود جورجيا التي تعتبرها روسيا نطاقها المباشر او يعتبر ميدفيديف هي Zone of privilege interests وتحمل حساسية كبيرة تجاه اي تدخل امريكي او اوروبي فيه وهو الوضع الذي وصفه مسئول امريكي بأننا علي خلاف جوهري وخاصة جورجيا، اما علي المستوي ما تطمح اليه روسيا من استثمارات امريكية فان الخبراء يتشككون في مدي اقبال المستثمرين الامريكيين للعمل في روسيا باعتبار افتقار البيئة الروسية الي حكم القانون والتضييق علي رجال الاعمال الروس الذي وصل الي حد وضع عددا وشخصيات بارزة في السجون وان كان هذا تم في عهد رئاسة بوتين ضمن سياسة قبضته القوية علي الحياة السياسة والاقتصادية الروسية وهو ما جعل احد كبار المستثمرين الامريكيين في روسيا يشن حملة تحذر فيها المستثمرين الامريكيين قائلا ان ميدفيديف يقول كلاما حسنا ولكن الفارق بين الكلمات والافعال كبيرا وان نصيحته للشركات التكنولوجية الامريكية هي ان تبتعد عن روسيا لانه من غير العقل الذهاب هناك فهم لا يخاطرون فقط بأموالهم ولكن ايضا بحياة موظفيهم. هذا الخلاف اعترف به اوباما ايضا حين قال: " ان الجانبين ليسا متفقين في كل شيء وان بلدينا مختلفان علي عدد من القضايا من بينها جورجيا وقد ناقشنا هذه الخلافات بصراحة ولكننا اقمنا اطارا سليما للتعاون الاستيراتيجي"