تندلع الحروب لأسباب عديدة، لكن تظل الموارد - بالتأكيد - أحد أهم الدوافع وراء الحروب والصراعات الساخنة والباردة علي السواء، وإذا كان من الشائع وصف موقع افغانستان بالاستراتيجي والحيوي، فإن استدعاء هذا الوصف يشير إلي أهمية السيطرة عليها حين ينصرف التفكير إلي التحكم بمقدرات مثلث بحر قزوين/آسيا الوسطي/ الخليج العربي، في إطار »حروب الموارد« للسيطرة علي منابع انتاج النفط والغاز، وغيرهما من الثروات والموارد الطبيعية التي تزخر بها تلك المناطق. وحين »تكشف« أمريكا أو »تكتشف« ثروات معدنية تقدرها - مبدئيا- بتريليون دولار في افغانستان، فإن ذلك يعني البدء في كتابة فصل جديد من فصول »حروب الموارد« عبر الوصول إليها، وإحكام السيطرة عليها، وفي حالة افغانستان فإن حسابات المستقبل تتميز بالتعقيد الشديد ليس فقط لحساسية توقيت الاعلان عن الاكتشاف التريليوني الهائل، بينما المناقشات تحتدم حول خطة الخروج الأمريكي من هذا المستنقع، ولكن لان ما تم اكتشافه يقلب العديد من المعادلات رأسا علي عقب، ويفرض اعادة ترتيب التحالفات والشراكات الاقليمية والدولية علي ضوء هذا المستجد، ثم انه لايمكن استبعاد أدوار الأطراف الافغانية المتصارعة حول تصورات اعادة بناء الدولة التي كانت حتي وقت قريب في عداد الاكثر فقرا، ثم هكذا وبين عشية وضحاها إذا بأراضيها تحتضن كنزا، يقود استثماره إلي انقلاب كامل في حياة شعبها من خلال رسم ملامح مختلفة تماما للمستقبل في ظل فرضية التحول إلي أحد أهم مراكز صناعة التعدين في العالم! ذهب، حديد، نحاس، كوبالت، ليثيوم و..و.. وكأن »مغارة علي بابا« عصرية قد فُتحت علي كميات هائلة من معادن ثمينة بل ان بعضها ذات استخدام استراتيجي كالليثيوم الذي يستخدم في صناعة البطاريات التي يعاد شحنها، كما يدخل في صناعة المحمول، والكمبيوتر، والسيارات الكهربائية. وإذا كانت احتياطات الحديد والنحاس تضعان افغانستان في مصاف الدول الرئيسية المصدرة لهما، فإن احتياطات الليثيوم تعادل - وحدها - ما تمتلكه بوليفيا صاحبة أكبر احتياطي عالمي، من ثم فان افغانستان بامكانها خلال مستقبل منظور أن تصبح في مجال التعدين كالسعودية في دنيا النفط أو كإمارة قطر في قطاع الغاز. ثمة تحولات راديكالية علي عدة محاور بداية من مسارات الحرب، وهل يكون الاكتشاف التريليوني دافعا لانهائها، أو دخولها مرحلة شديدة الشراسة، وبالضرورة فان نبرة حلفاء واشنطن حول مسألة تقسيم اعباء الحرب سوف تتباين بشرط الدخول في تفاصيل تتعلق بكيفية توزيع كعكة المعادن. ليس هذا فقط، ولكن هناك ايضا ضرورة تفرض علي أمريكا أن تضع في اعتبارها تطلعات كل من روسيا والصين، بل ربما الهند وتركيا.. و.. وقوي أخري دولية واقليمية لن تقبل باقصائها أو ابعادها. وقد تري ادارة اوباما أن »كنز الليثيوم« هبط عليها من السماء في وقت كثر فيه الحديث عن تفعيل خطط من شأنها تقليل الاعتماد علي مصادر الطاقة الجديدة، والليثيوم - تحديدا- يساهم إلي حد بعيد في تأمين احتياجات تقنيات الطاقة الجديدة، فضلا عن الصناعات عالية التقنية، وحينئذ تري انه من المناسب التراجع عما أبدته من نوايا بشأن الشراكة العالمية، ويفتح هذا التوجه حال تبنيه الباب واسعا امام حرب باردة جديدة. ويبقي احد الرهانات المستقبلية الايجابية في ان تتحول إحدي أكثر الدول فقرا، والتي يعتمد الكثير من سكانها علي المخدرات في سد احتياجاتهم، وهي التي تنتج 59٪ من الانتاج العالمي للافيون، إلي دولة يعتمد اقتصادها علي التعدين استخراجا وصناعة وتصديرا لتصبح في عداد الدول الغنية.. ياله من انقلاب!