ما حدث في الإسكندرية من نقلة نوعية في الطرق والمرافق والخدمات والمصايف والمنتديات كان جديرا بأن نحافظ عليه ونرعاه لا أن نسيء إستخدامه ونزعج به الآخرين، لكن فيما يبدو أننا نتفنن في إزعاج أنفسنا وركوب الصعاب دون مقتضي أو مبرر، ويبدو أن العشوائية أصبحت أسلوب حياة وسلوكا يحرص عليه البعض ويعمد إلي ترسيخه في حياة الناس وذاكرة الاسكندرية التي أجهدها السهر وأرقها سلوك عدواني يحاول تشويه كل جميل والنيل من كل مايمكن أن نفاخر ونباهي به الآخرين. ماذا حدث لجماهير الإسكندرية؟ إذا قصر المسئول نعينا عليه تقصيره وتقاعسه وحولنا الدنيا حولنا مندبة عن سوء الطالع وقلة البخت وفساد الإدارة، واذا أجاد المسئول أهلنا التراب علي ما قدم وأنجز بفعل سلوكيات البعض منا ممن يوصفون بعدم المسئولية، سواء كانوا من المواطنين أو من يتولون أمور العمل العام والخدمات الحكومية. هل أخطأت محافظة الاسكندرية بأن قدمت لنا خدمات عامة بطول كورنيش الاسكندرية ومنتديات نظيفة وحدائق جميلة ومرافق رائعة، وبدلاً من الحفاظ عليها والتعامل في شأنها بنظام واحترام، إذا بنا نحولها من مفخرة الي مسخرة ومن وديعة جميلة الي فجيعة قبيحة جراء سلوكيات التعامل والاستخدام الجائر من بعض المواطنين وعدم المتابعة والمراجعة وإعمال القانون والنظام من جانب بعض المسئولين، وهنا أتقدم إلي اللواء عادل لبيب محافظ الاسكندرية الذي أثق أنه بما عرف عنه من همة وتجرد ومسئولية لابد أن يتخذ إجراء عاجلا في ظواهر استحدثت علي الاسكندرية ينبغي التحسب لها واليقظة حيالها، فالاسكندرية تعيش عصرا مزدهرا ينبغي الحفاظ عليه وهو ما جذب إليها ملايين المصطافين والسائحين ونحن نرحب بهم ولكن - وتابع معي لكن هذه فوراءها يكمن الخطر - أنشأت إدارة المصايف والشواطيء منتجعا علي لسان بير مسعود حيث كافيتيريا علي الشاطيء مباشرة حولها مساحة مفتوحة وعدد كبير من "البرجولات" ومساحة خالية للرواد وممرات خضراء ومصابيح جميلة وإذا بكل هذا الجمال ينقلب جحيما علي سكان المنطقة الذين تحول نهارهم جهنم وليلهم جحيما لايطاق من عشوائية يشارك فيها الناس بأرذل مالدينا من سلوكيات الفوضي والعشوائية والقبح ويساهم فيها مسئولو الشواطيء والمصايف والمرور والمرافق والتنظيم وحي المنتزه وغيرهم من المسئولين بعدم تنفيذ القانون والتغاضي عن المخالفات والامتناع السلبي عن اتخاذ الإجراءات حيال التجاوزات التي استجدت هذا الصيف بشكل غير مسبوق. هذا المنتجع الجميل يعمل ليل نهار، أهلا وسهلا بتنشيط السياحة، لكن من قال إن ذلك لايكون إلا بالميكروفونات والأغاني الهابطة والتي يصل مداها من بير مسعود علي الشاطيء إلي مسافة بعيدة جدا في شارع محمد عوض جبريل الذي كان منتجعا للعائلات والمباني الراقية والفيلات التي أقيمت علي أنقاضها ناطحات سحاب دون جراجات تحتها، ففي خلال السنوات العشر الماضية سقطت كل الفيلات في الشارع وأقيمت حوالي ستين عمارة بما لايقل عن ألف وثمانمائة وحدة سكنية، هذه الأبراج والعمارات دون جراجات، الأمر الذي تكدست معه قرابة ألف سيارة في هذا الشارع وتقاطعاته وحوله، وحتي المباني التي رخص لها بالجراجات استخدم أغلبها في محلات دون مراجعة من الحي والتنظيم والادارات الهندسية، وهذا أمر يحتاج مراجعة ودراسة من السيد المحافظ والحي واتخاذ إجراء رادع حيال تحويل الجراجات إلي محلات، وينبغي أن يوقف إصدار تراخيص لمحال جديدة في هذه المنطقة، ناهيك عن ارتفاع أسعار الوحدات السكنية في هذه المنطقة، الأمر الذي أغري كثيرا من الملاك للتأجير المفروش باليوم والأسبوع، ومايستدعيه ذلك من مرح الشباب وإحراج الأسر والعائلات مع غياب الرقابة من مباحث الآداب وتسجيل الأجانب والتهرب الضريبي، وأصبحت الأمور لا تطاق. نعود لكافيتيريا بير مسعود ومكبرات الصوت الزاعقة ليل نهار دون مراعاة لامتحانات الشهادات والثانوية العامة والجامعات والمرضي ومن لا يستطيعون النوم ولا الراحة في منازلهم ليلاً أو نهاراً. أليس هناك ساعات تشغيل معتمدة لهذه المنشآت؟، العالم كله يحدد ساعات العمل وساعات الإغلاق، وأنت في فيينا أو برشلونة أو نيس أو كارلوفيفاري لن تجد محلا تشتري منه احتياجاتك بعد الثامنة، والمطاعم الموجودة ومرخص لها بالسهر حتي العاشرة أو الثانية عشرة ممنوع عليها إصدار أي صوت مزعج وليس موجودا فيها من الأصل مكبرات صوت ولامسموح بها علي الإطلاق، لكن عندنا مكبرات الصوت من كافيتيريا بير مسعود علي الشاطيء مباشرة يشاركها الزعيق والصراخ ميكروفونات المساجد والزوايا في دائرة لايتجاوز قطرها مائة وعشرين قدما يتبارون بأعلي الأصوات الزاعقة بالآذان حتي أصبح الآذان مدعاة للانقباض والانزعاج من الأصوات الخشنة وكأنها خارجة لفورها إلي الحرب وملاقاة جيوش الكفار والمارقين، "يغلوش" كل منهم علي الآخر، حتي قتلنا الشوق إلي آذان يرفع بصوت الشيخ محمد رفعت أوالشيخ عبد الباسط عبد الصمد أوالشيخ النقشبندي رحم الله الجميع. لماذا لايرفع الآذان بالصوت المجرد الجميل ودون ميكروفون، وهل كان مولانا بلال بن رباح يؤذن في ميكروفون، ياسادة "درء المفسدة مقدم علي جلب المنفعة"، فاتقوا الله فينا. زاد الطين بلة أن تفتق ذهن دعي أخرق فأستجلب عدداً من عربات الأطفال الكهربية يؤجرها للأطفال، تبدأ من الساعة العاشرة مساء وحتي صباح اليوم التالي في لعب وضجيج وهي مزودة بسارينات الإسعاف والمطافيء والنجدة، أي والله هكذا دفعة واحدة، الغريب أن ذلك يحدث وسيارات الشرطة تعبر المكان جيئة وذهابا، وعلي مقربة منهم نقطة سيدي بشر وشرطة النجدة التي إستعان السكان بها عشرات المرات بما يعرضهم لعقاب بعض البلطجية من رواد هذا المصيف والشماشرجية والأرزقية حوله، ومنذ أسبوعين تفتق ذهن واحد من شياطين الإنس عن سباق للموتوسيكلات بأصواتها المزعجة، تبدأ المباراة علي الكورنيش ثم تجوب الشوارع بما فيها الشارع الذي ينتصفه مركز نقطة سيدي بشر، ونظل ليل نهار في هذه المسخرة وإحساس شديد بالضياع وسط هذا السيرك وعشوائيات السلوك التي لا يستطيع أحد أن يدير بشأنها قانونا أو نظاما، اللهم إلا إذا تدخل اللواء عادل لبيب نفسه ووضع حدا لكل هذه الفوضي القاتلة. ولأن المصائب لا تأتي فرادي، ولأن الضجيج يجلب رواده وعشاقه ومحترفيه، فإذا بكل كلاب الأراضين يأتون من كل حدب وصوب، وكأنهم في رحلة ترفيه وتريض يومية، يتواعدون من الثانية صباحا ويتنادون إلي حفل مفتوح للعواء والنباح في عرض مستمر وحتي صباح اليوم التالي، يتجمعون في قطعة أرض بمساحة عدة أفدنة هي موضع نزاع بين هيئة الأوقاف وبعض الورثة، تحولت إلي "خرابة" واحتلها بعض "السريحة" بعربات الترمس والسوداني والبطاطا المشوية وصارت مرتعا لبعض الخارجين علي القانون وملاذا لتعاطي الشيشة وسماع الكاسيت والأغاني الهابطة والنكات الرديئة والبذيئة التي تخرق آذان السكان المحترمين الذين دفع بعضهم تحويشة عمره وكل ميراثه في وحدته السكنية في المنطقة التي كانت هادئة وتحولت بفعل كل هذا الإهمال إلي مقاطعة خاصة للخروج علي القانون في واحد من أرقي أحياء الكورنيش الذي قارب علي الإنتحار مالم يتدخل السيد المحافظ وأجهزته التنفيذية والرقابية جميعا لإنقاذ سكان هذه المنطقة وأبنائهم. وإذا كانت الإسكندرية تستعد لتكون مدينة خالية من التدخين، فجدير بها أيضاً أن تكون مدينة بلا ملوثات سمعية وبلا مكبرات صوت وبلا ضجيج، والأهم أن تكون مدينة في إطار القانون الذي بات في حاجة ماسة لفرضه واحترامه، خصوصاً ونحن نحتفل باعتبارها عاصمة السياحة العربية، ولانريد أن يلحق بجمالها ونظامها مالحق بير مسعود من جنون، فتظل ساهرة لاتنام.