ودىع سعادة ليست هذه هي المرة الأولي التي يزور فيها الشاعر اللبناني الكبير وديع سعادة القاهرة، ولكن ربما كانت هذه المرة هي الأكثر إثارة للجدل إذ تأتي مشاركة وتكريم سعادة في الملتقي العربي لقصيدة النثر، وذلك بعد إنتهاء الملتقي الأول الذي تواردت أنباء عن مشاركة الشاعر اللبناني الكبير فيه، ولكنه لم يأت. وديع كان يتمني المشاركة في المؤتمرين من أجل محاولة رأب الصدع بين أبناء القصيدة الواحدة. لكن بعيدا عن خلافات الملتقيات. تأتي زيارة وديع سعادة كحدث يستحق الإحتفاء فوديع المقل في كتابته أحد أهم شعراء قصيدة النثر العربية، الذين صنعوا مكانتهم بهدوء وبعيدا عن الصخب وأعلن لفترة توقفه عن الكتابة حين لم يعد لديه ما يقوله وعاد مرة أخري للكتابة حين لم يستطع مواصلة التوقف. وعن الكتابة والشعر والإقامة والهجرة دار معه حوارنا. أعلنت من قبل التوقف عن كتابة الشعر ثم أعلنت عودتك للكتابة.. لماذا كان التوقف ولماذا كانت العودة ؟ - أظن أن الشاعر يصنع أوهاما كثيرة ويصدق هذه الأوهام وفي طليعتها وهم التغيير.. وهم خلق عالم جميل عالم خاص، ولكن حين لا يعود يصدقها يتوقف عن الكتابة. في تلك الفترة وصلت إلي مرحلة عدم تصديق الوهم، وكذلك من لا جدوي مواصلة صناعة الأوهام فتوقفت لمدة عن الكتابة. لكن طوال الفترة التي توقفت فيها عن الكتابة شعرت أن الوقت ثقيل جدا وقلت لعلي بالكتابة أبدد قليلا من ثقل الوقت علي الأقل في اللحظة التي أكتب فيها. فعدت إلي الكتابة معاودا إستدعاء الأوهام. وأنا بالاساس مقل في كتابتي فلا أكتب يوميا ولا أعتبر أن الكتابة وظيفة وعلي أن أؤدي هذه الوظيفة.قد تمضي خمس سنوات بدون أن أكتب كلمة واحدة، وقد أكتب كتابا كاملا في سنة واحدة. والآن علي سبيل المثال أعتبر تلك الفترة ضمن فترات التوقف. الكتابة بالنسبة إلي هي تقرر نفسها، عندما تمتلئ بها، تندلق بذاتها علي الورق. والصمت بالنسبة لي هو نصف الكتابة. عندما تلخّص الآن أوهام الفترة الأولي كيف ستكون؟ - أوهام الفترة الأولي هي نفسها أوهام الفترة الأخيرة هي أوهام الشعر بشكل عام. وهم تغيير العالم واستدعاء الجمال والسعادة والسلام. وأظن أن الشعر يغير فقط في الشاعر لحظة كتابة الشاعر أنه تغيير لحظوي وعند القاريء كذلك فقط لحظة القراءة. وبعد ذلك يعود العالم كما هو ونعود نحن أيضا للعالم كما نحن. لماذا تراها كأوهام؟؟ - لأنها أحلام لا تتحقق، حلم السعادة لا يتحقق. حلم أن يكون العالم جميلا - كما تتصوره - لا يتحقق. في كتابي الأخير "تركيب آخر لحياة وديع سعادة" هو رؤية لكيف ينبغي أن يكون العالم، وهذا كله وهم، وعلينا أن نحافظ علي هذه الأوهام، فلك أن تتصور كيف سيكون العالم بدون هذه الأوهام الجميلة. إذا كان الشعر محاولة للحفاظ علي "وهم العالم الجميل" كيف تري علاقة الشعر ب" الفرح" هل يمكن أن يكون الشعر منتجا للفرح ...وأنت شعرك أحيانا ما يوصف بالعدمية؟ - لا أعرف شاعرا أنتج فرحا، أو كان منتجا للفرح. لا في الآداب الأجنبية ولا في العربية. أظن أن الفرح حين يتحقق لا نعود بحاجة إلي كتابة الشعر. لماذا نستدعي ما هو موجود إذا كان متحققا بالفعل. ونحن بالشعر نستدعي الفرح غير الموجود. أنت مقيم بأستراليا منذ أكثر من عشرين عاما كيف كانت الحياة بعيدا علي الأقل من محيطك اللغوي؟ - في هذا العصر لم يعد هناك مكان. نحن نعيش عصر إنتفاء المكان، بمعني أن أحدا لا يمكنه القول إن هذا المكان هو مكاني. وأظن أن الانسان يأخذ مكانه معه أينما ذهب. أنا مقيم في غياب الأمكنة، أستراليا ليست مكاني -وانا أقيم فيها- وأعتقد أن مكاني الأول هو الذي لست أقيم فيه. وقد قررت بشكل نهائي الإقامة هناك من أجل عائلتي، كنت في قبرص أعمل بالصحافة العربية التي هاجرت إليها خلال الحرب الأهلية بلبنان. وكان عندي ولدان وزوجة وعرض علي عمل بالصحافة بمعاش مغر، فسألت ماذا أورث أولادي؟؟ وكنت أريد أن أورثهم وطنا يحترمهم، فكنت في أواخر 1988 في مطار سيدني أنا وعائلتي. ألم يكن خيارا صعبا؟ -أختيار صعب. لانه بداية اللغة وطن ولا سيما بالنسبة للشاعر، فأنا أكتب باللغة العربية وقررت العيش في بلد أنجلوساكسوني، وهذا أمر صعب. ولكني شعرت براحة ذاتية بسبب أن أولادي الان في وطن يحترمهم. وهذا كان هدفي من الهجرة. تأمين وطن أم تأمين مكان ؟ - وطن.. أستراليا الآن بالنسبة لأولادي وطن حقيقي. لأنه ليس وطن شعارات كالدول العربية، في بلادنا الديموقراطية هي مجرد شعار، حقوق الانسان هي كلام فارغ، المساواة كذلك. أما هناك فحقوق الإنسان هي فعل موجود متحقق والديموقراطية والعدالة كذلك هي أفعال متحققة في التفاصيل اليومية. لذلك أستراليا هي وطن حقيقي لأولادي، وبالنسبة لي كأنسان عادي أيضا، لكن كشاعر باللغة العربية مسألة أخري. ختاما كيف تري قيام مؤتمرين لقصيدة النثر في القاهرة والنزاعات بينهما؟ - حاولت من سيدني عبر الإيميل أن أجمع شمل الملتقيين فكتبت للملتقي الاول وتمنيت أن يجمعوا شملهم في مؤتمر واحد وكتبت للمؤتمر الثاني وتمنيت الأمنية ذاتها. لكن حين لم أنجح في لم الشمل كتبت للملتقي الأول عبر الإيميل للشاعر فارس خضر وأبديت رغبتي في المشاركة في الملتقي كما سأشارك في الملتقي الثاني. وعدني خيرا وبنية طيبة ولكن لسبب أو لآخر - وهو أيضا صادر عن نية طيبة- لم يدرج أسمي في الملتقي الأول. ودعاني الملتقي الثاني وكرمني فأتيت. وأنا حريص عبر محاولتي الاشترك في الملتقيين ألا يعتبرني أحد طرف في هذا الانقسام. وكل الشعراء من الملتقي الأول أو الثاني أصدقائي وأحترمهم ولا أفرق بين شاعر وآخر. جئت فقط من أجل الشعر. وأتمني من كل قلبي أن يكون في القاهرة ملتقي واحد لقصيدة النثر يجمع كل شعرائها لان هذا الانقسام يسيء للشعر وللشعراء.