أزمة دول المنبع ودول المصب هي أزمة ينبغي أن تكون طارئة وينبغي أن تستغل كفرصة لصالح الجميع من خلال تدشين وإدارة منظومة متكاملة من التفاوض الإيجابي المركب الذي يتم من خلاله التعامل مع زوايا متعددة علي مستوي دبلوماسية المسار الرسمي ودبلوماسية المسار الثاني التي ينبغي أن تتضمن إثراء وتشجيع التفاعلات الأكاديمية والإعلامية والمجتمع المدني ومجتمع رجال الأعمال بكل الأساليب الإيجابية بمنهجية إدارة الأزمات ومنعها واستباقها. وأهم جزئية أساسية هي توفير قاعدة بيانات ورصد لكل التحليلات المنشورة التي تخص التفاعلات حول كل ما يتعلق بدول المصب ودول المنبع، فوجود خلفية معلوماتية وتحليلية واضحة ودقيقة هي أهم قواعد إدارة هذه الأزمة المتميزة بعيداً عن الوقوع في فخاخ المعلومات الخاطئة والملغومة.. من هنا نرصد في هذا المقال وفي سلسلة من المقالات القادمة بإذن الله سؤالاً محورياً ومركباً وهو كيف يتم تصوير كل من العقل العربي وما قد يتعلق به والعقل الإسرائيلي فيما يتعلق بالعلاقات مع أثيوبيا من خلال قراءة مجموعة من التقارير والتحليلات المتعلقة بهذا الأمر والتي قمت بتجميعها للإجابة عن هذا السؤال الذي رصدته أعلاه. وبداية نرصد سؤالاً ذا علاقة وهو إلي أي مدي يتجسد الدور الاسرائيلي في التدخل في ملف مياه النيل؟ وما طبيعته وأشكاله؟ وإلي أي مدي يحاول العقل الاسرائيلي تصوير العقل العربي في التفاعلات التي يتدخل فيها وإلي أي مدي يدرك العقل العربي هذه التحركات وإلي أي مدي يقف علي مربعاتها وإلي أي مدي يقاومها وإلي أي مدي يؤسس لمربعات تحركاته؟.. والإجابة الأولية سأقدمها من خلال وقائع مؤتمر دولي شابهه عدة مؤتمرات دولية أخري متعلقة بالعقل الاسرائيلي فيما يتعلق بموضوع المياه، وهو مؤتمر عقدته جامعة تل أبيب في خريف 7991 ومولته تلك الجامعة ومعها معهد القدس فان لير وأرمات للصناعات ووزارة البحث العلمي الاسرائيلية ومعها جامعة بن جوريون وكان بعنوان »النيل أبو الأنهار« وحضره 04 باحثاً من عشر دول ويذكر موقع الجامعة أن الهدف من المؤتمر هو دراسة تاريخ حضارة وادي النيل والكشف عن الفرق بين الحقائق والأوهام بخصوص هذا التاريخ الذي يعالج كذلك طموحات دوله خاصة مصر وأثيوبيا والسودان، ويذكر الموقع أن 08٪ من مياه النيل التي تأتي إلي بحيرة ناصر تجيء من النهر الأزرق والأنهار الأخري من أثيوبيا، ويضيف الموقع قائلاً إنه وعندما لم تصل المياه من أثيوبيا إلي مصر في عام 7891، كانت النتيجة هي القلق العميق والقحط والمجاعة التي أصابت افريقيا خاصة أثيوبيا وبالتالي اعتمدت مصر علي مخزون بحيرة ناصر وكادت الأمور أن تصل إلي كارثة لولا هطول الأمطار مرة أخري وعودة الأمور لطبيعتها. ثم يضيف الموقع قائلاً.. »إن أثيوبيا تتمتع اليوم بنمو اقتصادي سريع ومتنام منذ عام 1991 وهي في حاجة ماسة وشديدة لمزيد من مشروعات التنمية وهو الأمر الذي يتطلب تحويل مياه النيل لكي تتمكن أثيوبيا من استخدامه في تلك المشروعات.. وهذا يمثل علي حسب مفردات الموقع نوعاً من التهديد للحياة في مصر«.. ويضيف »وهذا قد يحول الأمور إلي أزمة اقليمية.. لأن اعتماد مصر علي حصتها التي تأتي من أثيوبيا هو أمر في غاية الحساسية بالنسبة للسياسات المحلية والخارجية لمصر«.. ويضيف الموقع قائلاً: »إن الصحف المصرية مليئة بالاتهامات بأن هناك مؤامرة إسرائيلية أثيوبية لعمل سد علي نهر النيل الأزرق لتحويل مياهه«.. لقد نظم هذا المؤتمر أستاذ التاريخ بجامعة تل أبيب ايرليخ والذي سألته صحيفة هاارتز الاسرائيلية: »إنكم وبتنظيمكم لمثل هذا المؤتمر قد تعبرون وتثيرون مخاوف المصريين من وجود مثل هذه المؤتمرات؟! فأجاب ايرليخ قائلاً: إن الهدف من هذا المؤتمر هو إيجاد حوار إيجابي بين الطرفين المصري والاثيوبي لتقليل التوتر والاحتقان بخصوص مسألة مياه النهر بين الطرفين. لكن من يطلع علي عينة من كتب وأعمال ايرليخ سيعي حقيقة هذه الإجابات خاصة كتابه بعنوان »الصليب والنهر« الذي يتطرق فيه لأحداث انتقائية من تاريخ العلاقات الأثيوبية المصرية منذ عهد المماليك إلي الحقبة الناصرية وما بعدها.. وسيجد كما من التحيزات التي تخفي الأجندة الحقيقية.. كما أن من يطلع علي حقيقة وجود المهندسين وخبراء المياه في اثيوبيا منذ الثمانينيات كما تكشف عن ذلك الوثائق والتحقيقات سيعي دور هذه الأبحاث والمؤتمرات الحقيقي. كما أن ما حدث اليوم وبينما كنت أختتم هذا المقال من هجوم بربري اسرائيلي عل قافلة الحرية والاعتداء علي الإرادة الدولية لرفع الحصار الجائر علي غزة ومحاولة خنق شعبها سيعي مدي الكذب والتلفيق في إدارة اسرائيل للملفات علي اختلافها.. ويظل للحديث بقية.. والله ولي التوفيق وهو وحده المستعان.