وهكذا تم اجتثاث الخطوط الجوية العراقية ودفنها الي جانب رفات الجيش العراقي السابق والمخابرات والامن والحرس الجمهوري ووزارة الاعلام ووكالة الانباء العراقية وجريدة الجمهورية. وبذلك تم الاجهاز علي رمز آخر من رموز الدولة العراقية منذ انشائها حتي اليوم. فهذه الشركة لم يؤسسها النظام العراقي السابق بل أسسها النظام الملكي في سنة 4591 واستمرت في العمل جسراً بين العراق والخارج في أسوأ الظروف خلال سنوات الحروب والحصار وحظر الطيران في أجواء العراق. لقد كتبت عشرات المقالات عن سوء خدمات الخطوط الجوية العراقية منذ الثمانينات من القرن الماضي والي ما قبل الاعلان عن حلها وتصفيتها وافلاسها في الاسبوع الماضي. ورغم ذلك فان هذه الخطوط رمز من رموز البلد الوطنية التي لا تعود ملكيتها لا لحزب البعث ولا لحزب الدعوة ولا للحزب الديمقراطي الكردستاني. ان اعلان افلاسها وتصفيتها يوم للحداد الوطني في العراق ليس حزناً علي شركة عاكستها الظروف السياسية وانما لانها رمز وطني مثل كل شركة خطوط جوية لأي بلد. أما المبررات التي ساقتها حكومة المنطقة الخضراء الطائفية لحل شركة الخطوط الجوية وهي قطع الطريق علي المطالبات الكويتية بتعويضات تبلغ أكثر من مليار دولار فهي غير مقنعة. وهي اعتراف ضمني صريح بان للكويت ديوناً علي الخطوط الجوية وان العراق يتهرب من دفعها كما يتهرب الناس من ديون الجزار واقساط السيارة أو الثلاجة أو الاثاث. لقد كانت كل تعويضات الكويت والدول الأخري والشركات والافراد وضمنها تعويضات الخطوط الجوية الكويتية مثبتة في قرارات لجان شكلها مجلس الامن ووحدها وبوبها واستمر العراق في تسديدها من عائداته النفطية سواء في ظل برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء السابق أو في ظل برنامج النفط مقابل الرشاوي والفسادالحالي. لقد مرت الخطوط الجوية العراقية في مراحل صعبة في تاريخها الطويل واضطرت في سنوات الحصار الي صنع "الهامبرجر والستيك والكبة" وبيعها في الاسواق العراقية لتسديد رواتب منتسبيها بعد منع طائراتها من التحليق داخل وخارج العراق. وصدأت اكثر من عشر طائرات ظلت جاثمة في مطارات الاردن وتونس بينما قام النظام الايراني بمصادرة ما لديه من طائرات عراقية وتشغيلها في الرحلات الداخلية الايرانية بعد صبغها بالوان الخطوط الجوية الايرانية مثلما يفعل قراصنة الصومال. وكان النظام العراقي السابق قد خطرت له فكرة في غاية الغباء والبلاهة وسوء التقدير حين قرر عشية حرب الكويت ايداع عشر طائرات تابعة للخطوط الجوية العراقية ومعها اربع طائرات تابعة للخطوط الجوية الكويتية وعشرات الطائرات العسكرية لدي حكومة ملالي ايران لحمايتها من القصف الجوي الامريكي. وقد أعادت ايران الطائرات الكويتية الي أهلها وصادرت الطائرات العراقية المدنية والعسكرية واعتبرتها جزءاً مما تزعمه تعويضات الحرب العراقية الايرانية! أما دولة ملالي العراق فليس غريباً ان تقوم بحل الخطوط الجوية العراقية. فقد تم في ظل الاحتلال الامريكي حل الجيش والاجهزة الامنية والاعلامية وتبديل العملة الوطنية للتخلص من صورة رئيس النظام السابق وتغيير السلام الجمهوري والعلم العراقي والدستور وتغيير جوازات السفر ثلاث مرات. حتي الوان اوتوبيسات النقل العام تم تغييرها من اللون الاحمر الي اللون الازرق. والغريب ان المسئولين في الخطوط الجوية العراقية لم يكونوا يعرفون شيئاً عن قرار حل شركتهم وفوجئوا بالقرار مثل كل الشعب العراقي. ولذلك فمن حق الناس ان تتساءل: لمصلحة من تم حل الشركة واعلان افلاسها؟ ومن هو ابن المسئول العراقي الكبير الذي سينشئ شركة طيران خاصة بديلة؟ وهل يعني حلها نهاية للتعويضات التي تطالب بها الكويت؟ والسؤال الجديد: متي يتم اعلان افلاس البنك المركزي العراقي وبنك الرافدين ومدينة الطب وجامعة بغداد؟ ومتي يتم بيع نصب الحرية وشارع الرشيد وما تبقي من المتحف العراقي؟ لقد تم بيع الانسان العراقي ولذلك فلا حاجة لبقاء تلك المؤسسات! كاتب المقال: كاتب عراقي