شيء غريب أن يتراجع الإخوان في موقفهم ويفاجئونا مساء السبت الماضي بترشيح خيرت الشاطر القيادي بجماعة الإخوان لمنصب رئيس الجمهورية !. وغريب أنني صدقتهم كما فعل ملايين من المصريين وأعتقدت أن كلمتهم واحدة لأن الصدق من المفترض أن يكون دستورهم والالتزام لابد أن يكون موقفهم. وكنت أكذب من يقول لي إنهم سيتراجعون في اللحظة الأخيرة ويدخلون سباق الرئاسة ، لكن يبدو أن هناك من يعرفهم أكثر ويتوقع ما لم أتوقعه !. خيرت الشاطر أصبح المرشح الرسمي للجماعة وبذلك يدخل السباق إلي منعطف مختلف وجديد.فهناك مرشح إسلامي هو الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل ومرشح آخر ذو خلفية إسلامية هو عبد المنعم أبو الفتوح ، ومرشح رابع محسوب علي التيار الإسلامي هو محمد سليم العوا. إذاً أمامنا الآن أربعة مرشحين إسلاميين بارزين يتنافسون علي المنصب فهل هذا سيصب في صالح الوطن ؟ وهل سيفتت كثرة المرشحين المعروفين من تيار واحد له شعبية الأصوات المؤيدة لهذا التيار ويجعل من وصول أي منهم إلي النسبة القانونية للفوز مستحيلا؟. أعود إلي موقف الإخوان وأتساءل هل ما فعلوه في صالحهم ؟ ألم يفكروا في مصداقيتهم أمام الجماهير العريضة التي أعطتهم أصواتها وجعلتهم أغلبية في مجلس الشعب ؟ ألم يحسبوا الموقف بمنطلق المواءمات السياسية ويكتفوا بسيطرتهم شبه الكاملة علي البرلمان واللجنة التأسيسية لكتابة الدستور ؟!. للأسف لم يفعلوا ذلك وأعتقد أنهم خسروا بهذا القرار كثيراً من تأييد الشعب ، وجعلوا صورتهم مهتزة وقراراتهم مترددة ومواقفهم متراجعة وهو أسوأ وضع أصبحوا فيه الآن. لقد وصف دكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع هذا القرار وما سوف يسفر عنه بأنه أشبه ب"الكوميديا السوداء" ، وأنا أوافقه في هذا التشبيه . فاستيلاء الإخوان علي كل مؤسسات الدولة التي نحن بصدد بنائها أمر غير مقبول ولا مطلوب وإلا تحولنا إلي ديكتاتورية أخري اسمها "ديكتاتورية الإخوان" !. لقد كان الأنسب ان يكتفي الإخوان بأغلبية البرلمان وأن يساندوا مرشحاً من خارج التيار الإسلامي يتمتع بمواصفات تجعل منه رئيساً قوياً صاحب رؤية ، يؤمن بالتعددية السياسية والديمقراطية وحقوق الإنسان. والغريب أن يعلن د.محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة أن جماعة الإخوان لم تتراجع في موقفها فإذا لم يكن هذا تراجعاً ، ماذا نسميه إذاً؟! ، وفي تصريحاته عقب إعلان قرار ترشيح خيرت الشاطر برر موقف الجماعة بأنهم عرضوا مساندتهم علي أكثر من شخصية سياسية لخوض السباق لكنهم جميعاً اعتذروا لظروف خاصة ، ولأن الظروف السياسية الآن قد تغيرت عن وقت تصريحهم الأول بعدم خوض سباق الرئاسة!. أنا شخصياً غير مقتنعة بتلك التبريرات لأنها تفتقد إلي المنطق وتبتعد كثيراً عن الواقع الذي نعيشه ونتابع أحداثه بترقب واهتمام. وأري أن المبرر الوحيد لقرارهم المفاجئ هو الرغبة في التمسك بكل الخيوط والسيطرة الكاملة علي القرار السياسي في مصر. الرهان الحقيقي الآن هو إرادة الشعب ووعيه وقدرته علي الفرز بين المرشحين وإصراره علي ألا تفلت اللحظة التاريخية العظيمة التي صنعها من بين يديه لصالح أي تيار من التيارات . وأعتقد أن الأيام والشهور الباقية علي موعد انتخابات الرئاسة هي فترة مفصلية حاكمة إما أن ننتصر فيها جميعاً لصالح مصر وإما - لا قدر الله- أن نفقد كل شيء. وثقتي كبيرة أن إرادة الشعب المصري سوف تنتصر وأن ثورته الرائعة لن تذهب أدراج الرياح.