نفس المشهد..نفس الرتابة والملل.. نفس البيان.. نفس طريقة الإلقاء الخطابية.. ونفس الصياغة والكلمات البلاغية الرنانة التي لا تقدم ولاتؤخر وحتي وقت قريب.. نفس الوجوه.. ونفس الفشل في كل القمم العربية..! أي متابع للجلسات ثم للبيان الختامي لن يخطئ في الحكم عليها بأنها قمة البؤس ! .. مثلها مثل كل شقيقاتها من القمم السابقة .. إنتظرنا أن تحمل قمة بغداد الجديد .. أولا لمكانها في عاصمة الرافدين هذه المدينة التاريخية التي إكتوت بنار الحرب والدمار والتي تستضيف القمة بعد طول غياب .. وثانيا لكونها أول قمة عربية تعقد في ظل ثورات الربيع العربي وما شهدته المنطقة من متغيرات جذرية علي مدار العام الماضي.. إنتظرنا أن يختلف إيقاع القمة هذه المرة ليحمل عبق تلك اللحظات التاريخية التي عشناها ونعيشها .. ولكنها للأسف .. أحبطت كل التوقعات وجاءت صورة كربونية وربما أقل من مثيلتها .. فلم نر إقبالا عربيا مكثفا من القادة والزعماء .. وإنما جاء التمثيل في الغالبية لسفراء "تحت العادة ".. مجرد ديكور لشغل المقعد الفارغ في القاعة البيضاوية الضخمة .. ورأينا من يمثلون دولهم بخطب ضعيفة .. مجرد إسهاب وسرد لكلمات .. كان بعضها للأسف يؤذي الآذان من كثرة الأخطاء اللغوية .. فهناك من نصب المبتدأ ورفع المفعول به!.. ونقول أننا عرب في قمة عربية !.. القمم العربية من المفترض أنها جاءت لتوحد سياسات دول مستقلة وحرة.. وشعوبها مستقرة.. دول ذات إقتصادات ناهضة وتشريعات عادلة وأن مصلحة الدولة هي العليا.. والشعب مصدر السلطات.. لكن كل دولة كانت تأتي الي مؤتمرات القمة وهي فاقدة معظم مواصفات الدولة وفي الحد الأدني أن تمثل أغلبية طبقات الشعب وليس طبقة واحدة سميت القطط السمان أو الحيتان والآن.. الشبيحة! لهذا السبب فشلت القمم العربية في توحيد الأمة علي مبادئ.. هي بالفعل صحيحة وموجودة ومترسخة أكثر مما هو موجود لدي دول أوروبا التي توحدت بعد طول إنقسام وخلاف وحروب.. وأكثر من الولاياتالمتحدة التي إتحدت بعد حروب بين أناس جاؤوا من شتي بقاع الأرض.. قمة المأساة أن ثمة من يصر علي إبقاء الميت حيا علي السرير.. فلا موت رحيما ولا تمرد شرسا تمارسه الدول علي منظومة القمة.. وأمها الجامعة العربية التي يمارس أمينها العام دور شاهد الزور الذي يلقي البيان الختامي كمن يؤبن المرحوم الحي! قمة بغداد.. ليست إستثناء وإنما هي تكرار ممل بشأن فلسطين وعملية السلام والتضامن ومواجهة التحديات.. إلخ.. وهروب إلي الأمام من إستحقاقات المرحلة الحالية التي تعيشها الأمة العربية التي يفترض أن الجالسين في القمة يمثلونها.. لقد كتبت الأسبوع الماضي عن قمة بديلة .. لأنني لم أتوقع نجاحا لقمة بغداد ..وقد كان.. ودعوت لقمة تعقد في مدينة سيدي بوزيد مسقط رأس محمد البوعزيزي .. واليوم أدعو أيضا لقمة في ميدان التحرير يعلن القادة فيها إجراءات تحمل تنازلات للشعوب عن الكثير الكثير الذي يمتلكه هؤلاء بوضع اليد لأولئك الذين قطعت أيديهم عن حقهم في الحياة بكرامة في أوطانهم.. لكأن أهل القمة لا يدرون بما يجري في بلدانهم.. لكأنهم لم يتحسسوا جلد الشعوب التي إغتسلت بمطر الربيع وخلعت عنها ثوب الخوف الموشي بالذل.. لم تعد الشعوب تطالب بتعبيد الشوارع وإنارتها وبطرق أسهل للوصول إلي رزقها وخبزها.. لقد خرجت إلي الشوارع وأصبحت هي النور وهي الخبز والماء وعشب الحياة الحرة.. ليتهم فهموا وعرفوا وعملوا .. ليتهم يرحلون !..