د. جمال زهران - رئىس قسم العلوم السىاسىة - جامعة بورسعىد لا أدري سببا لعدم تطهير مؤسساتنا من رموز النظام السابق ومن الفاسدين رسميا، إلا أنه التواطؤ الواضح من الحكومات الثلاث التي أتت من بعد ثورة 52 يناير 1102 حتي الآن وهي حكومات (شفيق - شرف - الجنزوري). فهم من بقايا النظام البائد، وأول من يطبق عليهم التطهير، ولذلك يبدو صعباً عليهم أن يقوموا بالتطهير!! كما أن عصام شرف - رئيس الحكومة السابق - أتي علي أجندة الثورة وأشاع أنه سيقوم بالتطهير، وبعد مليونية يوليو اضطر إلي تغييرات وزارية واسعة بعض الشيئ بعضهم من رموز النظام السابق، واضطر لعقد جلسة عاجلة لمجلس الوزراء اتخذ فيها قرارات بالتطهير، الا أنها اصطدمت بإرادة المجلس العسكري الذي لا يميل إلي ذلك المسلك. ومن ثم فأنني أشهد الرأي العام علي وقائع محددة، أبرزها واقعتان مهمتان. الواقعة الأولي: تطهير أكاديمية الفنون والمطالبة الجماعية بعزل رئيسها: ماهي الحكاية في هذه الواقعة؟! هذه الأكاديمية العريقة كانت من نتائج النظام الناصري لخلق الفن المستنير ودراسته وتنمية البحث العلمي والدراسات الأكاديمية للارتقاء بكل أنواع الفنون، وأصبحت مصر منارة الوطن العربي منذ الستينيات في القرن الماضي في هذا المجال وكل أنواع الفنون. إلا أنه مع التدهور العام في كل شيئ منذ منتصف السبعينيات ابان حكم السادات وانتهاج خطي الانفتاح الاقتصادي وتحويل كل مفردات حياتنا إلي سلع وأرقام وماديات، تأثرت كل منظومة القيم المعنوية. وفي مقدمة ما تعرض للتدمير المنظم. الا ان هذا الخراب والفساد والتدمير المنظم ظهر في أكاديمية الفنون بشكل واضح، وبصورة أوضح في عهد المسمي بسامح مهران فقد أصبح هذا الرجل في غفلة من الزمان رئيساً لأعرق مؤسسة أكاديمية في مصر والعالم العربي بل والشرق الاوسط كله، وهو لم يحمل درجة »الاستاذية« بعد. حتي أنه تقدم للتعيين في درجة »مدرس« بأحد معاهد الأكاديمية فرفضوا تعيينه، فأتي لهم بالباراشوت - مثل كل المواقع في عهد مبارك المخلوع - رئيساً، وعين نفسه في أحد معاهد الأكاديمية »استاذاً«!! يا للعجب!! فنحن ندرس ونبحث ونسافر ليل نهار طوال عمرنا الأكاديمي منذ أن كنا معيدين، لكي ننال شرف الأستاذية عبر خمس مراحل اساسية (معيد - مدرس مساعد - مدرس - استاذ مساعد - استاذ). وفي المقابل نري من يعين رئيساً لمؤسسة أكاديمية لم يحصل بعد علي درجة مدرس!! ثم يعين فجأة استاذاً!! أليس مجرد معرفة هذه الواقعة كفيلا بعزل هذا الرجل وتطهير الاكاديمية من امثاله، واخضاع الأكاديمية باعتبارها مؤسسة تعليمية لما حدث في الجامعات بعزل رؤسائها ثم اجراء الانتخابات علي رئاسة الاقسام والعمداء ورؤساء الجامعة؟! فما بالكم بما يحدث في الأكاديمية من فساد في عهد »مهران« بالملايين نشرتها كل الصحف وأذاعتها كل وسائل الإعلام المسموعة والمرئية بالوقائع والمستندات بل وحاصر الاساتذة والطلاب مكتب رئيس الاكاديمية الذي خرج بعد ساعات وسط حراسة الشرطة والأمن، واعتصم هؤلاء في مكتب وزير الثقافة ومازال الاعتصام مستمرا علي مدار شهر كامل، واعتصم الطلاب والاساتذة في الأكاديمية وتوقفت الدراسة واضطربت العملية التعليمية!! ما هذا الذي يحدث يا سيد جنزوري؟! ألم تصلك المذكرات والشكاوي والاستغاثات وما ينشر في الصحف ووسائل الإعلام الأخري؟! هل تضحي بالغالبية العظمي مقابل استمرار رجل يصبح رمزاً لفساد مرحلة مبارك وحتي يتم تدمير العملية التعليمية؟! لمصلحة من الابقاء علي الرجل في موقعه وسط هذا الرفض الشامل له (الاساتذة/ اعضاء هيئة التدريس/ الطلاب/ معاونو هيئة التدريس)، حتي وزير الثقافة نفسه حرر مذكرة للدكتور رئيس الوزراء طالبا اقالة الرجل وتعيين آخر بدلاً منه حتي نهاية العام الجامعي ثم يتم اجراء انتخابات في الصيف لاستقرار العملية التعليمية؟! ماهو السبب يا جنزوري؟! ألا تعرف أنه يخرج لسانه للجميع ويقول أنه مسنود من المجلس العسكري ومن نافذين في الدولة؟! هل هذا هو منطق من يديروا شئون البلاد بعد ثورة الشعب المطالبة بالتطهير والتغيير؟! إيها الجنزوري، لقد تركت لك رسالة مع مديرة مكتبكم للتعجيل بإقالة رئيس الاكاديمية وتضامنت مع الاساتذة لتطهير هذا المؤسسة الاكاديمية باعتباري واحداً من ثوار يناير، ونائباً سابقاً، وقبل كل ذلك استاذاًجامعياً أقدر هذه المؤسسة، فهل تصر علي الابقاء علي هذا الرجل بعد كل ذلك؟! ألم تطلع علي تقرير التفتيش المالي والإداري الذي شكل وزير الثقافة لجنته، وتضمن جرائم بالملايين؟! الي متي تنتظر يا سيد جنزوري؟! حاول أن تكتسب بعضا من الثقة من بعض الفئات لعلها تكون لك سنداً في مواجهة الأخرين وقبل الرحيل. أتمني أن تكون رسالتي واضحة وهي إقالة هذا الرجل من الامس وليس اليوم لمن يريد أن يفهم قبل الطوفان القادم وهو قادم لا محالة. الواقعة الثانية: تطهير مكتبة الإسكندرية بعزل مديرها العام: كثرت الكتابات في الصحف وتداولت وسائل الإعلام الأخري وقائع فساد مكتبة الاسكندرية في ظل مديرها العام إسماعيل سراج الدين وتحت رعاية المخلوع حسني مبارك وحرمه سوزان ثابت، والحسابات السرية. وكتبت مقالاً بعنوان: من يوقف الفساد في مكتبة الاسكندرية، وعلمت من الصحف أن المدير العام ترك كل من اتهمه وقدم فيه بلاغات للنائب العام بفساده ووفقاً لوقائع ذكرت بعضها في مقالي، ورفع دعوي قضائية ضدي العبد الفقير إلي الله!! هذا الرجل جزء لا يتجزأ من نظام مبارك وحرمه الفاسدين، وكان شريكاً ومتستراً علي وقائع فساد المكتبة وارصدتها، وقلت بالحرف الواحد، إذا لم يكن الرجل يعلم بما يفعله حسني مبارك وزوجته في المكتبة فهو غير مؤهل لإدارتها، وإذا كان يعمل فهو شريك، وكلاهما يقودان إلي نتيجة واحدة وهي حتمية عزل الرجل ومحاكمته عما حدث في مكتبة الاسكندرية من فساد. أليس في كلامي سند وتتويج للشرعية الثورية؟! ألم يكن من الاجدي والأكثر احتراماً، ان يبادر هذا الرجل، بالاستقالة والاصرار عليها حتي نظن أنه رجل شريف؟! ولكن لأنه يصر علي الاستمرار وسط موجة الرفض الداخلي من غالبية العاملين بالمكتبة، ورغم إحالته الي النيابة العامة، واحالته إلي المحاكمة قريبا!، فهو متورط للنخاع وسيضطر الي الاعتراف الكامل بكل جرائمه وفساده بمشاركة ومباركة رئيسته سوزان ثابت حرم المخلوع حسني مبارك وشريكها في الفساد في المكتبة. فهذه نتيجة منطقية لمن يعرف أصول الاشياء وأهداف الثورة في التطهير والتغيير الجذري. ان الوجه الآخر من مشهد فساد مكتبة الاسكندرية، هو: أين رئيس الحكومة ووزير التعليم العالي السابق والحالي ومسئوليتهما عما جري ويجري؟! لا يستحق تطهير مكتبة الاسكندرية من مديرها العام بعزله وإحالته للمحاكمة، مساحة من وقت د. الجنزوري لاتخاذ القرار الحاسم في هذا الشأن، واظهار أن الحكومة التي تمتلك صلاحيات رئيس الجمهورية، تنحاز إلي أهداف الثورة في التطهير والتغيير؟! أم ماذا بالضبط؟! والسؤال الاهم: أليس في مصر من القيادات الشريفة من تحل محل هؤلاء الفاسدين في أكاديمية الفنون ومكتبة الاسكندرية وغيرها من المواقع؟! هل عقمت مصر من الشرفاء والكفاءات لإدارة عملية التغيير والانطلاق؟! هل أصبح قدراً أن يستمر نظام مبارك ورموزه وسياساته رغم قيام ثورة 52 يناير 1102، وإلي الآن؟! ولماذا؟! والسؤال الأخطر: هل مازالت هناك مراكزقوي ونفوذ في مصر بعد الثورة؟! ماهو مصدر شرعية من يحكمون إذن، إذا ما لم يتبنوا أهداف الثورة عملياً، وليس كلاما مرسلا؟! لقد ذكرت وقائع محددة، وسأواصل الكتابة النضالية لاقتلاع الفساد بعد كشفه وفضحه، فهي رسالة اعتز بها طوال عمري، فلا بناء ولا نظام جديد دون اقتلاع القديم، وإعداد الارض لاستقبال البذور ما الجديدة حتي تحصد مصر ثمار التغيير الحقيقي وأختتم بالقول لقد تطهرت أكاديمية السادات بإجراء الانتخابات، ولم يعد يتبقي سوي أكاديمية الفنون التي تحتاج الي التطهير مثل كل المؤسسات التعليمية، ومعها مكتبة الاسكندرية وهي صرح نتطلع الي الحفاظ عليه كمؤسسة داعمة للعلم والبحث والثقافة، فهل من مجيب؟! ومازال الحوار متصلاً.