التعاون الاقتصادي، ودفع عملية التنمية في القارة الإفريقية، والعمل علي تغيير الواقع الاجتماعي إلي الافضل، وتحسين مستوي معيشة الشعوب بإقامة المشروعات الانتاجية والخدمية، وزيادة معدل الاستثمار في دول القارة السمراء، هو الموضوع الرئيسي علي جدول اعمال الدورة الخامسة والعشرين لقمة افريقيا فرنسا التي تبدأ أعمالها في مدينة نيس الفرنسية اليوم بمشاركة الرئيس حسني مبارك، وقادة ورؤساء الدول الإفريقية. ومشاركة مصر في القمة تأتي انطلاقاً من دورها الفاعل علي الساحة الإفريقية ومكانتها الاقليمية والدولية، وحرصها علي السعي الدائم للنهوض بالتنمية، وزيادة التعاون المشترك بين دول القارة،..، كما تأتي أيضاً في اطار العلاقة المتميزة والمتينة التي تربط مصر وفرنسا، وما بينهما من تعاون شامل، وتنسيق مشترك،..، وما يربط الرئيسين مبارك وساركوزي من صداقة وطيدة، وتقدير متبادل. وإذا ما أردنا قراءة واقعية لهذه القمة التي تبدأ أعمالها اليوم توضح الأسباب والدوافع، وتلقي الضوء علي الأهداف والنتائج المتوقعة، فيجب أن نشير إلي أن قمة افريقيا فرنسا تعكس في حقيقتها ومجملها الاهتمام الفرنسي القديم والمتجدد بالقارة الإفريقية، والحرص الفرنسي علي علاقات قوية، وحضور مؤثر بالقارة، وهو اهتمام له أبعاد تاريخية كما نعرف ويرجع إلي التواجد الفرنسي القديم بعديد من الدول الإفريقية منذ ما يزيد علي قرن من الزمان، ورغبة فرنسا في استمرار العلاقة والتأثير بصورة متجددة مبنية علي التعاون المشترك، في ظل ظروف عالمية متغيرة، وفي ضوء اهتمام متزايد من القوي الكبري، وايضاً البازغة علي الساحة الدولية بالقارة الإفريقية، والذي ظهر في ابرز صورة من خلال الانتشار والمد الصيني بالقارة، فضلاً عن الاهتمام الامريكي المتزايد، والوجود البريطاني التقليدي، وايضاً الاهتمام الروسي المحسوس. ولعلي أعبر عن واقع الحال، اذا ما قلت، ان الاهتمام الدولي القديم والمتجدد والدائم بافريقيا، له ابعاد اقتصادية معلومة للجميع، بوصف افريقيا قارة لا تزال مليئة بالفرص المتاحة للاستغلال والتنمية، سواء بما تحتويه من أراض قابلة للزراعة او ثروات طبيعية عديدة، ومواد خام هائلة، فضلاً عن كونها سوقاً ضخمة لترويج واستهلاك المنتجات والسلع والبضائع، في ظل الزيادة المستمرة والهائلة للسكان بها، وفي ظل تطلع دولها للتنمية، وحاجتها للاستعانة بالخبرة الاجنبية، ونقل التكنولوجيا، وهو ما يفتح الباب واسعاً امام الدول والشركات الكبري للتواجد والاستثمار في جميع المجالات.
ولا تقتصر أهمية القارة السمراء، بالنسبة للدول والقوي الكبري، والبازغة في العالم، علي البعد الاقتصادي، وما تحتويه من فرص واعدة للاستثمار والتنمية، وكونها سوقاً جاهزة وعطشي للاستهلاك فقط، بل هناك بعد سياسي هام ومؤثر آخر، وهو كونها كتلة كبيرة وضخمة من الدول، تضم ما يزيد علي الخمسين دولة، لها تأثيرها المرجح في جميع المحافل الدولية، وهو ما يجعل لها وزنا يصعب انكاره او التغافل عنه، وتسعي القوي الدولية لجذبه إلي صفها. ليس هذا فقط، بل ان للقارة السمراء بعدا آخر تضعه الدول والقوي الكبري في العالم، وفي أوروبا، وفرنسا بالذات، في حسابها، وهو ان تلك القارة حافلة بالقضايا الملتهبة والصراعات المتفجرة بين دولها، بما يهدد السلام والامن الدوليين، وهو ما يجعلها دائماً مصدراً للقلق والهجرة غير الشرعية للعالم الغربي، ودول شمال البحر المتوسط، وهو ما يجعل القوي الكبري في العالم، وأوروبا، وفرنسا بالذات، حريصة علي تهدئة تلك الصراعات، وحل تلك المشاكل، والسعي لايجاد تنمية حقيقية في هذه الدول، تمتص التوترات، وتقلل من النزاعات والصراعات، وتحد من المخاطر والتهديدات. ولعلي لا أذيع سراً إذا ما قلت ان هذه الامور مجتمعة، هي التي جعلت النصيحة الدائمة المقدمة من مصر إلي فرنسا في إطار الصداقة والعلاقة المتميزة والخاصة التي تربط بين الرئيسين مبارك وساركوزي، هي ضرورة الاهتمام بالجانب الاقتصادي، وإقامة المشروعات الاقتصادية والاستثمار في الدول الإفريقية، إذا ما أرادت ان يكون لها وجود وروابط قوية مع افريقيا وشعوبها،..، وبالمناسبة هذا ما تنبهت إليه الصين خلال السنوات القليلة الماضية، وبدأت في التركيز عليه منذ بداية الألفية الثالثة، ولهذا أصبح لها وجود محسوس بالقارة.
وانطلاقاً من ذلك، يمكننا القول بأن القمة التي تبدأ أعمالها في نيس اليوم، تأتي في إطار الحرص الفرنسي الإفريقي المشترك علي زيادة أواصر التعاون والتفاهم، في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية بينهما. وقد وجهت فرنسا الدعوة إلي الدول الإفريقية لحضور القمة وفي مقدمتها مصر التي تربطها بها علاقة متميزة ومتينة، وتعاون شامل، وتنسيق مشترك في كل المجالات. وتبدأ القمة اليوم بجلسة افتتاحية يلقي فيها الرئيس الفرنسي ساركوزي كلمة الافتتاح، ويلقي الرئيس مبارك كلمته باعتبار مصر هي الدولة المضيفة للقمة القادمة السادسة والعشرين، وكلمة الرئيس مبارك هي الكلمة الوحيدة لرئيس إفريقي في الجلسة الافتتاحية، وتبدأ بعدها أعمال الجلسات المغلقة للقادة، والتي تشمل ثلاث جلسات، يتم خلالها بحث ومناقشة التحديات والقضايا الهامة والرئيسة التي تواجه الدول المجتمعة. ومن المقرر أن يتم التركيز خلال الجلسات المغلقة للقادة علي بحث ثلاثة موضوعات رئيسية تشمل: أولاً: موقع ومكانة افريقيا بين دول العالم، ودورها في اتخاذ القرار الدولي، وتمثيلها في الهيئات والمنظمات الدولية المؤثرة في صنع القرار. ثانياً: تعزيز السلام والأمن العالمي، وتتناول الدعم الذي يمكن تقديمه إلي نظام الأمن الجماعي الإفريقي، وما يمكن القيام به لاستتباب السلام في القارة الإفريقية، وبحث وسائل حل وتسوية الأزمات والنزاعات بالقارة، والمساهمة في مكافحة التهديدات التي تجتاح العالم من مخاطر الإرهاب والاتجار بالمخدرات، والقرصنة وغيرها. ثالثاً: بحث تغيرات المناخ، وأثرها علي التنمية بالقارة، وتحديد الاسلوب الأمثل للعمل الإفريقي الفرنسي في هذا الشأن وسبل مكافحة تأثيرها علي الأمن الغذائي، والحد من أثرها في زيادة الفقر بالدول الإفريقية.
ومن المقرر أن يعقد بالتوازي مع جلسات القمة، عدة اجتماعات للوزراء المعنيين بالشئون الاقتصادية والتجارية والاستثمار، في الجانبين الإفريقي والفرنسي، ومعهم الشركات وممثلون عن قطاع الأعمال ونقابات العمال، تضم خمس ورش عمل لمناقشة وبحث القضايا الاقتصادية والتجارية، وتمويل الشركات في إفريقيا، والتدريب المهني، ومصادر الطاقة المستقبلية، وموضوعات البيئة، كما تعقد اجتماعات لرؤساء الشركات، وممثلي القطاع الخاص، لبحث جميع ما يتصل بهم من مشروعات.
بقي أن نقول إن مشاركة مصر، واهتمام الرئيس بحضور القمة هو تأكيد لموقف مصر الداعم للعمل علي تحقيق المصالح الإفريقية، وزيادة دور القارة علي الساحة الدولية وهو استمرار لسعي مصر الدائم لزيادة حجم التعاون بين دول القارة، ودفع عجلة التنمية بها، واقامة المشروعات المشتركة بين دولها، والتحرك بجدية للتطور والتحديث ونقل التكنولوجيا، بما يحقق المصالح الحيوية لدول القارة، ويقوي العلاقات بينها، ويزيل جميع الخلافات ويؤدي لاستقرار دولها واستتباب الأمن والسلام بها.