جمال الغىطانى أسباب الحزن في بلدنا الآن عديدة، لكن أجلّها شأناً خلال الأيام الأخيرة هجوم بعض أبناء بورسعيد علي مبني الهيئة، وتهديد آخرين بإغلاق مجري قناة السويس مما دعا بعض السفن إلي تجنب المجري العالمي، وتغيير القوافل لمساراتها، وبالأمس كاد زميلنا النقيب السابق جلال عارف يصرخ من خلال ما كتب »كله إلا القناة« وهو البورسعيدي الصميم. مبني القناة أحد المباني الرمزية في مصر، وربما لم يرتبط مبني بتاريخ مصر وكفاحها مثل هذا المبني، هل نحن في حاجة إلي تأكيد البديهيات لبعض أهالينا الآن؟ للأسف نعم. هل يدفع التعصب الكروي الأعمي إلي الانتحار الوطني؟، يبدو أننا نشهد أنواعاً لم تعرف من الجنون في تاريخ الإنسانية، حوالي مائة شاب تسفك دماؤهم في دقائق بسبب الكرة، وحتي الآن غير معروف من ارتكب المجزرة؟، أما التداعيات فلا تقل عنفاً، الغضب والتعصب يعمي عيون البعض فيغلقون مداخل المدينة ويعلنون الاستقلال ويقفون في نفس المواقع التي اتخذها الانجليز والفرنسيون والاسرائيليون، فلم يحدث أن هوجم مبني الهيئة إلا من هؤلاء!. من يصدق هذا؟، هل تغير البشر إلي هذا الحد؟ منذ أسبوعين كتبت في يوميات الأخبار عن كفاح بورسعيد وأبنائها، ومنذ أيام وصلني الجزء الثالث من موسوعة »تاريخ بورسعيد« للمؤرخ محمد حسين القاضي وهو كتاب فريد يحوي من الوثائق ما يدهش، لقد عشت أمجد فترات شبابي وعملي المهني في المدينة الباسلة التي عُرف أهلها بالشجاعة والجرأة والوطنية والقدرة علي التضحية، وعشت معاناتهم وتضحياتهم في المهجر، كانت بورسعيد قلعة للصمود الحقيقي، فماذا أقول وأنا أقرأ تصريحات لبعض من كنا نظن أنهم عقلاؤها يهددون بإغلاق القناة، ويخطط آخرون للهجوم علي مبني الهيئة الذي كان هدفاً لكل من يريد إذلال مصر وتركيعها، فهل يصدر ذلك عن بعض أبنائها الآن بسبب تشجيع النادي المصري بعد المجزرة التي راح ضحيتها مائة من زهرة شبابنا، لا أصدق ما جري وأحاول الاعتصام بشيء من العقل، وأناشد العقلاء من أهالي بورسعيد أن يتحركوا ليوقفوا ذلك الجنون الأسود الذي لم نعرف له مثيلاً في تاريخنا القديم أو الحديث.