أكرم السعدنى .. لا أدري ما السر الذي جعل الولد الشقي السعدني الكبير طيب الله ثراه يعشق مدينة بورسعيد فجعل منها المكان المحبب إلي قلبه لقضاء الإجازة الصيفية. ولأن شخصية السعدني مبهرة ساحرة فقد نقل إلينا عشق هذه المدينة فأحببناها بدورنا ولكن دون أسباب فقط لمجرد أن السعدني الكبير أحبها ولكن عندما كبرنا في العمر اكتشفنا أن السعدني لا يعشق الأمكنة بقدر ما يتذوق البشر ففي بورسعيد خبيئة بشرية متنوعة متلونة شديدة التميز يمتاز أهلها بخفة ظل لا مثيل لها وبقدرة علي الحكي وتزويق الكلام ليخرج في أروع صوره. ولأن السعدني ينتشر وسط البسطاء يسعي إليهم فيضم المميزين منهم إلي ذلك الكنز البشري الذي يختزنه في قلبه وعقله ويستدعيه وقت الضرورة في عمل أدبي أو فني أو مقال ومن بين أصدقاء السعدني من الذين تفتحت أعيننا عليهم رجل اسمه الغزل كان صاحب فندق شهير في بورسعيد قبل عدوان 76 وعم شاهين بتاع الفطير والحاج اللمعي في الميناء والخشاب صاحب محلات الصرافة وعم شعانينو وكان رجلاً سريحاً يركب البسكلته وهو يحمل بضائع وارد غزة يقوم ببيعها.. ولم يكن السعدني راغباً في شراء ما في جعبة هذا الرجل من بضائع ولكنه كان يستمتع بحديثه وكانت عملية الشراء عبارة عن مكافأة للرجل لأنه أدخل السرور والحبور علي قلب السعدني.. ويبقي العم أموح أو الريس أموح كما كان يحلو لأهل بورسعيد أن ينادونه هذا الرجل كان عبارة عن نتوء خرج من أرض بورسعيد عشقها لحد الجنون ومثله مثل أهل بورسعيد كان التعبير الوحيد عن عشق هذه البقعة من أرض مصر يتمثل ويتجلي فقط في مباريات الكورة التي يمثل بورسعيد فيها النادي المصري وهذا يعني أن هذا الفريق هو الفرصة الوحيدة المتاحة للمدينة وفاكهتها المفضلة ومثار بهجتها الأمثل وعندما نحرم مدينة من فريقها الكروي فإننا نحرمها من التنفس ومن الطعام ومن الحياة نفسها ونحكم عليها بالإعدام.. أفهم أن نقدم المسئولين عن مأساة بورسعيد إلي محكمة عسكرية ونعدمهم جميعاً رمياً بالرصاص في نفس المكان الذي شهد الجريمة البشعة النكراء وأن تعلن جهات التحقيق ما توصلت إليه من معلومات، ويعقب ذلك اجتماع مشترك لمجلس إدارة النادي الأهلي والنادي المصري ونخرج ببيان مشترك يعلي مصلحةالوطن فوق أي مصلحة أخري. وأنا أعلم أن النادي الأهلي هو أعظم أندية مصر والعرب وأكثرها شعبية، متعه المولي عز وجل بقيادات حكيمة علي مدي تاريخه، ضمنت لهذه القلعة العريقة مكاناً مرموقاً في قلب كل مصري وعربي ولعلني لا أحيد عن الحقيقة لو قلت إن الأهلي كان ومازال وسيظل مثاراً لفخر كل مصري بإنجازاته غير المسبوقة في عالم الكرة وبقيمه وأخلاقه وتراثه العظيم ولأن الأهلي كذلك فإننا ننتظر منه الشيء الكثير لحل هذه المأساة التي حلت بالوطن والعفو هو دائماً شيمة الكبار.. أعلم مرارة المأساة التي هي لم تحل بالنادي الأهلي وحده ولكنها حلت بالوطن كله ولاتزال تدمي القلوب علي هذه الأرواح التي ذهبت غدراً وعدواناً ولايزال هذا الفتي البريء الجميل الوديع الطيب الملامح أنس يحدث شرخاً في قلوبنا جميعاً كلما تذكرناه أو رأينا صوره. إن العزاء في هؤلاء الشهداء هو عزاء لأهل مصر جميعاً.. نسأل الله أن يسكنهم فسيح جناته وأن يلهمنا الصبر وبعد الصبر الحكمة لكي نعبر بالبلاد هذه الوكسة التي ليس لها مثيل وعشمنا عظيم في الرجل الفاضل الذي يرأس مجلس إدارة النادي العظيم الشأن والتاريخ والإمكانيات والجماهير.. النادي الأهلي الذي به نعتز ونباهي الأمم!!