مىرفت شعىب عندما توضع العربة قبل الحصان لابد أن تسير في الاتجاه العكسي أو تتوقف تماما وتسبب الشلل للطريق كله.. وهذا ما حدث لنا بعد الثورة التي بشرت بحياة جديدة أرقي وأرحب.. حياة كريمة للشعب يتمتع فيها بالديموقراطية والحرية التي يستحقها والتي حرم منها لعقود من القهر الأمني والسيطرة السياسية للحزب الوطني المنحل وعمليات النهب والتجريف للثروة الوطنية علي يد حفنة من رجال الأعمال المستفيدين من النظام الحاكم والمشاركين معه في المغانم والجرائم ، عندما استطاع الشعب في ثورة يناير العظيمة أن يسقط رأس النظام بعد 18 يوما فقط من ملحمة الإصرار والتضحيات.. عندها طغت الفرحة بسقوط الرئيس المخلوع فعاد الثوار لبيوتهم وقد استراحوا لتسليم قيادة البلاد للجيش الذي طالما كان موضع ثقتنا، ولم يكن للثورة قائد لأنها كانت ثورة شعبية تلقائية قادها شباب واع وانضم اليها ملايين من البسطاء، ولم يتشكل مجلس لقيادة الثورة من شبابها فقفز الانتهازيون علي نجاحها وتكالبوا علي قطف ثمار الزرع الذي رواه الشباب بدمائهم. من المفروض بعد إلغاء دستور 1971 وحل مجلسي الشعب والشوري أن نبدأ فورا في وضع الدستور الذي سيحكم مصر لعقود قادمة.. ولكن أجري استفتاء 19 مارس 2011 الذي خدع فيه الناس باستخدام الدعاية الدينية في المساجد بشكل سافر وادعاء أن رفض التعديلات يعني إلغاء المادة الثانية من الدستور، وأن من يقول نعم ويختار الدائرة الخضراء سيدخل الجنة أما من يرفضها ويختار الدائرة السوداء فسيكون مصيره جهنم وبئس المصير، وكانت دلالات اختيارالألوان في تصميم استمارة الاستفتاء تهدف للتأثير علي جموع الناخبين ودفعهم للموافقة، وقد كان.. فوافق حوالي 77٪ من الناخبين علي التعديلات كمجموعة واحدة وأقبل الشعب إقبالا غير مسبوق علي ممارسة حقه الانتخابي الذي سلب منه بالتزوير في العهد الغابر. ثم صدر الإعلان الدستوري في 30 مارس ليشمل حوالي 50 مادة من الدستور الملغي والأخطر أن يتضمن المادة 28 التي تدور حولها الخلافات الآن لأنها غير دستورية وتمنع الطعن علي قرارات لجنة انتخابات الرئاسة، منذ ذلك الحين بحت أصوات عدد كبير من الكتاب والسياسيين الوطنيين مطالبين بالدستور أولا ولكن دون جدوي.. لم تجد تلك النداءات الصادقة أذنا مصغية من المجلس العسكري الذي يملك القرار وأصروا علي إجراء الانتخابات البرلمانية أولا وتوافقت فرصة الانتخابات مع رغبة الإخوان المسلمين في الاستحواذ علي البرلمان وبالفعل حصل التيار الاسلامي علي أكثر من 70٪ من مقاعد مجلسي الشعب والشوري، ومن لهفتهم علي الاستحواذ علي البرلمان بغرفتيه لم يحركوا ساكنا إزاء أحداث ماسبيرو وشارع محمد محمود ولم يتخذوا موقفا يحسب لهم. ومن عجائب الأمور أن يقسم أعضاء البرلمان الجدد علي احترام دستور غير موجود ولا يعرفون بنوده ! ثم تجري انتخابات مجلس الشعب علي ثلاث مراحل وانتخابات الشوري علي مرحلتين لتستغرق شهورا قيمة من عمر الفترة الانتقالية، وينفق حوالي مليار ونصف مليار جنيه علي انتخابات الشوري التي قاطعها معظم الناخبين بما يمثل رفضا لوجوده.. وها هي انتخابات رئاسة الجمهورية علي الأبواب دون أن يتم كتابة الدستور فالرئيس القادم مقبل علي نظام غامض لا يعرف هل سيكون رئاسيا أم برلمانيا؟ وما هي حدود سلطاته ؟ لقد ضاع الوقت الثمين في مناقشات سفوسطائية وكان تأجيل الدستور متعمدا ليستحوذ الاخوان المسلمون علي لجنة كتابة الدستور ليضمنوا وضعه كما أرادوا وهم بالتأكيد قد اختاروا شخص الرئيس القادم ليكملوا استحواذهم علي مصر ليحققوا مرحلة التمكين.. كل هذا التخبط الذي نعيشه كان يمكن تجنبه لو وضعنا الحصان قبل العربة وبدأنا بالدستور أولا!