مصطفى عبدالله صداقة تعود إلي أكثر من ثلاثين عاماً تربطني بالشاعر التونسي الكبير نور الدين صمود هي التي خففت من وطأة هذه الرسالة الغاضبة التي وصلتني منه هذا الأسبوع وقررت أن أنشرها لأنها تدخل في الحيز الذي ينبغي أن يطلع عليه كل مثقف منشغل بفن العربية الأول. يقول صمود: "ما دور مصر في عبقرية أبي القاسم الشابي؟ لم ينفك الأدباء المصريون ينسبون لأنفسهم الفضل في عبقرية مشاهير الأدباء التونسيين ولم يريدوا أن يقتنعوا بعدم صحة هذا الرأي رغم الحجج والبراهين التي قدمها لهم التونسيون بحضور الكثير منهم في بلادنا أو بلادهم، وأضرب، لإصرار بعضهم علي ذلك أنه عندما استَشهَد الرئيس المصري السابق بمطلع قصيدة "إرادة الحياة" لأبي القاسم الشابي: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر كتب الناقد المصري المعروف رجاء النقاش مقالا بعنوان (قصة الشاعر الذي استشهد الرئيس به في يوم السلام) نشره في مجلة المصور"المصرية"عدد 3131 بتاريخ ذي الحجة 1414ه / 13 مايو 1994 ص 8 ولما رأي أن ذلك البيت لشاعر تونسي اسمه أبو القاسم الشابي، وليس لشاعر مصري، راح يتحدث عنه بأنه كان مغمورا في بلاده، وأخذ ينسب الفضل لمصر في تكوينه وصقل مواهبه وخلْقِه علي يد الدكتور أحمد زكي أبو شادي رئيس تحرير مجلة أبولو التي توالي صدورها خلال سنتي 1932/1934 اللتين نشر خلالهما بعضا من قصائده علي صفحاتها، وغفل أو تغافل ذلك الكاتب عن شهرته التي نالها في تونس قبل ذلك الشيء الذي دفع أبا شادي إلي مراسلته طالبا منه أن يمد مجلته بشعره ونثره، فقد كتب الرسالة التالية إلي أبي القاسم الشابي: (41/21/2391 : سيدي المِفضال الأستاذ أبو القاسم الشابي المحترم. لجهلي بعنوانكم الخاص بعثت إلي حضرتكم بعنوان (مطبعة العرب بتونس) بمجلة "أبولّو" فأرجو أن تكون قد وصلتكم. ونظرا لأنني بين مَن يقدرون مواهبكم الممتازة فأرجو أن لا تُحرمَ "أبولّو" نظراتكم الدراسية في الشعر العربي وقصائدكم الفنية. وتقبّلوا أحسن تمنياتي وولائي، المخلص أحمد زكي أبو شادي سكرتير (جمعية أبولّو). إذن فقد قرأ سكرتير تحرير مجلة أبولّو أبو شادي آثار الشابي شعرا ونثرا في مجلة (العالم الأدبي) لزين العابدين السنوسي صاحب مطبعة العرب فراسله علي عنوانها، وبما أن هذه المطبعة هي التي طبعت كتاب (الأدب التونسي في القرن الرابع عشر) سنة 1346 ه 1927م وبعد سنة طبع الجزء الثاني وقد ضم كل مجلد تراجم ومختارات من أشعار ثلاثة عشر شاعرا تونسيا من بينهم أبو القاسم الشابي (المجلد 1 من ص 202 إلي ص 254)، وفي السنة الموالية طبع الجزء الثاني منه، ثم طبع أبو القاسم الشابي في نفس المطبعة كتابه (الخيال الشعري عند العرب) 1348ه 1929م وقد نالت قصائد الشابي إعجاب أسرة تحرير المجلة وتجاوز هذا الإعجاب القراء المصريين إلي كافة بلاد المشرق والمغرب العربيين، وهذا ما جعل أبا شادي يرسل إلي الشابي رسالة أخري بخطه مؤرخة في 31/01/2391 يرجوه فيها أن يكتب مقدمة أحد أهم دواوينه وقد جاء فيها حرفيا عن هذه المقدمة: (... ولكني أُسَرُّ بدراسة من قلمك تصلح تصديرًا لديوان "الينبوع" الذي تقوم بطبعه الآن مطبعة التعاون. وإني مرسل إليك مع هذا الكتاب الكراسة الأولي من هذا الديوان الجديد...) فإذا طاب لك التفضل بكتابة تصدير لديوان (الينبوع) فيسرني موافاتك بالكراسات التي نطبع منها تباعا تاركا لك حرية التحليل والنقد، ولك أن تُسهب كما تشاء وأن تضمِّن هذا التصدير زبدة مطالعاتك في الشعر العربي وغيره وما تراه من تطور فيه وما انتهي إليها الآن من منزلة محمودة، بحيث تكون هذه الدراسة بمثابة كتاب عن الشعر عامة وتحليل للديوان خاصة، فنعتز به. وتقبّل يا صديقي النابغة أزكي تحياتي وإعجابي. المخلص دائما أبو شادي). فهل يجوز أن نقول عن شاعر بهذه الشهرة في تونس قبل ظهور شعره في بلاد النيل: إن مصر هي التي بوّأته هذه المكانة في عالم الشعر وأن أبا شادي كتب وثيقة ميلاده لأنه نشر في مجلة أبولو - بطلب مُلِحٍّ من رئيس تحريرها - مجموعة من قصائده؟"