استطاع الناقد التونسي بوراوي عجينة أن يعيد اكتشاف نصوص نثرية وقصصية لرواد تونسيين غير مشهورين بهذا الفن منهم شاعر العامية المصرية محمود بيرم التونسي والشاعر أبي القاسم الشابي اللذان شملتهما (موسوعة القصص العربية في تونس في القرن العشرين). ولبيرم في الموسوعة أربعة نصوص تتراوح بين المقامة والقصة ونشرت بين عامي 1934 و1937 في صحف تونسية. وتتميز تلك النصوص مثل شعره بالرهافة وخفة الظل والدعابة الساخرة ورغم أحداثها التي تدور في تونس فإنها تتضمن كلمات "مصرية" أو اشتقاقات بالعامية المصرية. وبيرم ،الذي حمل لقب التونسي، مولود في مدينة الإسكندرية المصرية عام 1893 وكان جده مصطفى بيرم عائدا من الحجاز إلى تونس وطاب له المقام في الإسكندرية وتزوج مصرية وأنجب منها والد بيرم. وعرف الشاعر اليتم مبكرا وذهب إلى القاهرة وتردد على الشعراء الشعبيين وأصدر نشرة (المسلة) التي صادرتها الحكومة فأصدر (الخازوق) منتقدا فؤاد حاكم البلاد وهجاه وشهر بزوجته نازلي في قصيدة جاء فيها "الوزة من قبل الفرح مذبوحة والعطفة من قبل النظام مفتوحة ولما جت تتجوز المفضوحة قلت اسكتوا خلوا البنات تتستر" فتم نفيه عام 1919 لكنه عاد متخفيا عام 1922 وتزوج مصرية ثم اكتشف أمره عام 1924 فنفي من جديد إلى أن عاد عام 1937. ويعد بيرم من أبرز شعراء العامية المصرية وكتب كثيرا من القصائد والازجال والأغاني لمطربين بارزين منهم أم كلثوم التي غنت له (شمس الأصيل) و(الهوى غلاب) و(يا صباح الخير يا للي معانا) . وقد أصدر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر قرارا بمنح بيرم وسام الفنون من الدرجة الأولى. وتوفي بيرم عام 1961 . أبو القاسم الشابي أما أبو القاسم الشابي (1909-1934) فهو من أسرة متدينة إذ درس أبوه في جامع الزيتونة بتونس كما درس بالأزهر حوالي سبع سنوات. ويقول عجينة إن الشابي درس الحقوق ولم يعمل في أي وظيفة "واقتحم الحياة متحررا من القيود الاجتماعية المتحجرة.. وتعرف على التراث الأدبي العربي.. والأدب العربي المعاصر (المصريان إبراهيم عبد القادر) المازني و(عباس محمود) العقاد وكتابات جماعة أبوللو في مصر والرابطة القلمية بالمهجر الأمريكي وحركات التجديد بسوريا والعراق وعلى الأدبين الفرنسي والإنجليزي" رغم عدم اتقانه أي لغة غير العربية مضيفا أن الشاعر المصري أحمد زكي أبو شادي (1892-1955) طلب الى الشابي أن يصدر له ديوانه (الينبوع) "ففعل". ويضيف أن الشابي كان صديقا لمعاصريه من أدباء تونس وكذلك رجال السياسة والفكر ومنهم " المصلح الاجتماعي والمناضل النقابي الطاهر الحداد (1899-1935) الذي وقف الشاعر إلى جانبه وآزره في محنته ضد خصومه المحافظين إثر صدور كتابه (امرأتنا في الشريعة والمجتمع) 1930" وأنه كتب الشعر والقصص والدراسات النقدية ونصوصا نثرية "يصعب تصنيفها وهي قريبة من الخاطرة القصصية واللوحة القصصية.." وتضم الموسوعة نصوصا لكاتبتين فقط هما ناجية ثامر (1926-1988) وهند عزوز التي ولدت عام 1926. ومن أشهر من شملتهم الموسوعة الكاتب محمود المسعدي (1911-2004) صاحب الرواية الشهيرة (حدث أبو هريرة قال..). ومن الذين ضمتهم الموسوعة صالح سويسي القيرواني (1871-1941) الذي تصدر الموسوعة وله نصان من كتابه (منجم التبر في النثر والشعر.. مقامات ومقالات وأشعار وخواطر) الذي طبع في مصر عام 1906. والموسوعة التي تقع في ستة أجزاء سوف تصدر تباعا حيث يضم الجزء الثاني وهو تحت الطبع نصوصا كتبها 23 تونسيا ولدوا بين عامي 1930 و1938 وهم "جماعة المخضرمين المؤصلين" ويضم الجزء الثالث نصوصا كتبها 32 كاتبا ولدوا خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945) ويطلق عليهم المؤلف "جماعة الاستقلال" ويشمل الجزء الرابع أعمال "جماعة الحداثة" الذين ولدوا بين عامي 1946 و1950 وعددهم 29 كما يضم الجزء الخامس نماذج من قصص 25 كاتبا ولدوا بين عامي 1951 و1955 وهم "جماعة التجريب" أما الجزء السادس والأخير فيضم مختارات كتبها 42 قاصا ولدوا بين عامي 1956 و1973. وقال عجينة في مقدمة الجزء الأول إنه أنجز الموسوعة بمفرده بعد الاطلاع على النصوص القصصية المنشورة في الكتب أو المجلات أو الصحف والتي تجاوز عددها ثلاثة آلاف نص سردي. وأضاف أن جهوده أثمرت "موسوعة قصصية تونسية شاملة" تتضمن 374 نصا قصصيا ألفها 181 كاتبا وأنه انتقى من الموسوعة "عيونا من الأقاصيص" في كتاب تحت الطبع بعنوان (ألوان من القصة العربية في تونس). (رويترز)