من المعلوم أن الضبط الاداري فكرة مرنة ومتغيرة المعني والمحتوي وفقاً لظروف المكان والزمان وأدي ذلك إلي تباين في المفهوم والتعريف ولكن المتفق عليه أن الاساس في الضبط الاداري هو المصلحة العامة التي تختلف من مجتمع إلي آخر، وأيضاً يعتبر في أي دولة من الركائز الاساسية في نظامها القانوني الذي ينظم حياة الأفراد ومصالحهم ويصبح وظيفة لا غني عنها لأسباب مباشرة وغير مباشرة فمن الناحية المباشرة فهو يؤدي إلي ضبط ارادة الفرد التي ترغب دائماً في إطلاق كافة الحقوق والحريات دون أدني قيد ينظمها ويحميها في حين يري الفرد أن في ذلك التنظيم اعتداء علي الحقوق والحريات الشخصية التي يجب أن يتمتع بها ، أما من الناحية غير المباشرة فتقوم علي كونها نافذة تتيح للافراد الإطلال علي الساحة القانونية بقيمها وأفكارها التي تتفاعل مع المجتمع وتطالبه بالتغيير والمزيد من الحقوق ويهدف الضبط الاداري الي حماية المجتمع والحفاظ عليه اذ بدونه تعم الفوضي ويسود الاضطراب ويختل التوازن المجتمعي ولا يتصور أن تستقيم الحياة من غير نظام يضبط سلوك الافراد ، ولوائح تحيط بالنشاط الفردي وتدفعه إلي غاياته المحددة وهنا يتوجب أن نقارن أولاً بين ما اذا كانت سلطات الدولة المنوط بها الحفاظ علي النظام العام ويقصد بها أن سلطات الضبط الاداري غير قادرة علي اداء وظيفتها وهذا معناه الفوضي والخلل الاجتماعي وزيادة الجرائم بمختلف انواعها وهو ما ينتج عنه تهديد لكيان الدولة ذاتها وثانياً قدرة سلطات الضبط الاداري علي حفظ الامن العام والسكينة والاداب العامة وبالتالي حماية الشأن الداخلي والأمن والاستقرار، وفي سبيل ذلك تصبح سلطات الضبط الاداري أمام معادلة غاية في الصعوبة مفادها أن القانون هو الذي حدد تلك المهام والواجبات ويدرك المشرع أن تلك الاهداف لا تتحقق في الواقع الا بمنع أي فرد أو جماعة من الاخلال بالنظام العام واتخاذ وسائل القوة المشروعة اذا لزم الامر ، وهذا يمثل قيداً علي حرية الافراد في المجتمع التي هي اساس النظام العام فيه ولكي تصان الحرية لابد ان يتحقق الشعور بالامن والاطمئنان وهذا لا يكون الا بأمرين الأول التمتع بالحرية بما تعنيه من ضمان لحق الفرد في الاختيار والثاني حماية النظام العام بما يعنيه منع كل إنسان يريد أن يمارس تصرفات يري حقه في حرية ممارستها في حين أن تلك الممارسة تؤدي إلي الاضرار بالنظام العام . فكيف يتم تحقيق التوازن بين ممارسة الحرية والمحافظة علي النظام العام فالأمران وعلي الرغم من تناقضهما في كيفية الممارسة كما يري الكثيرون إلا أنهما في جوهر التحليل والتأني يتضح أن تمتع الفرد بحريته لا يتم الا في أجواء آمنة ومطمئنة تدفعه إلي الفكر والابداع وبالتالي تصبح المحافظة علي النظام العام هي الاساس في ممارسة الحرية وضرورة اجتماعية لا غني عنها في أي تقدم اجتماعي وأيضا سياسي واقتصادي ، ولكن يجب أن ندرك أن هذا لا ياتي بين يوم وليلة ولا تسأل عنه السلطة المختصة بمفردها بل أن الأمر اعمق وأبعد من ذلك ويتطلب جهودا كبيرة من مؤسسات المجتمع المدني من خلال ادوات كثيرة علي رأسها وسائل الاعلام المختلفة في تغير المفاهيم الخاطئة لدي البعض ونشر الوعي والثقافة الحقوقية التي تتواءم مع واقعنا وقيمنا ويفهمها الكثيرون علي غير حقيقتها ، ويتعلم المواطن أن تلك الضوابط الامنية لا هدف لها غير المصلحة العامة، وأن ما يحدث من فئة معينة تسعي بكل قوتها إلي احداث بلبلة في العقول والافكار واستغلال المواقف والاحداث لبث الفتن والضغائن بين المواطنين لا هدف لها إلا الاضرار بالنظام العام في الدولة وزعزعة الامن والاستقرار ، ولكن هذا لن يحدث لأن أجهزتنا الأمنية قادرة علي رأب كل خروج علي الشرعية والقانون من أجل حماية حقوق الانسان وحرياته0