مرَّ أكثر من عام علي نجاح ثورة 52 يناير ونحن ننظر تحت أقدامنا نداوي جراحنا ونحاول حل مشاكلنا اليومية ونخرج من مشكلة لندخل في مشكلة أخري. وآن الأوان لنحزم الأمر ونتجه إلي المستقبل من الآن وليس بعد وعلي الحكومة الحالية بالرغم من الظروف الصعبة والمعقدة التي تجابهها فإنني أري لزاما عليها تشكيل لجنة عليا من المتخصصين لوضع منظومة للتنمية الشاملة لعملية التحديث والتطوير خلال العشرين عاما القادمة فوجود مصر بموقعها الفريد في ملتقي القارات الثلاث آسيا وأوروبا وأفريقيا ومرور قناة السويس بها كأحد الشرايين الرئيسية للتجارة العالمية كما اننا نعيش الآن عصر العولمة عصر المعلومات والتقدم التكنولوجي المذهل فإنه يجب ويتحتم علينا وضع تصور علمي للمستقبل في شكل منظومة للتنمية الشاملة ضمن عملية التخطيط بعيد المدي للتحديث والتطوير تكون جاهزة لتنفيذها في السنوات القادمة تلتزم بها الحكومات القادمة.. وأتصور ان تشمل هذه المنظومة اتجاهات عديدة أركز هنا علي ثلاثة اتجاهات رئيسية. الاتجاه الأول ويشمل المحيط الاجتماعي حيث تعتبر الموارد البشرية هي حجر الزاوية والأساس لعمليات التنمية. وان تنمية الموارد والثروات الطبيعية ترتكز علي العنصر البشري لذلك لابد من العمل علي الاستغلال الأمثل للموارد البشرية بحسن اعدادها وكما هو معلوم فإن عائد التنمية سيعود بالنفع في المقام الأول علي العنصر البشري ذاته والذي يعتبر الأساس لتحقيق مجتمع الرفاهية المنشود وفي هذا الإطار يجب البحث والمزيد من الدراسات ووضع الخطط للعديد من الموضوعات وعلي رأسها تطوير التعليم من حيث الكيف قبل الكم ورفع مستوي العمالة الفنية والمتخصصة وخلق العمالة الماهرة مع زيادة الأجور والحوافز وتوفير المسكن الملائم والكافي لتزايد العنصر البشري وتطوير الخدمات وأجهزة إدارتها في جميع المجالات الصحية والاجتماعية والثقافية والإعلامية...إلخ. علي أنه من الضروري التركيز علي استخدام أساليب الإدارة الحديثة وجودة أداء الخدمة المقدمة للمواطن وفي نفس الوقت العمل علي القضاء علي السلبيات الموجودة كالأمية والبطالة والتطرف مع ربط التنمية الاقتصادية بالتنمية الاجتماعية ربطا وثيقا، أما الاتجاه الثاني وهو المحيط الحيوي الذي يشمل جميع الموارد الأولية والطبيعية المتوافرة في جمهورية مصر العربية والتي تتشكل أساسا في مناخ متوازن علي امتداد العام ومقومات معدنية وبترولية وزراعية وثروة سمكية ومقومات سياحية متعددة، يشكل جميعها المحيط الحيوي وهو الذي من خلاله يمكن للعنصر البشري »المحيط الاجتماعي« استغلاله لتحقيق التنمية الاقتصادية وذلك يقتضي زيادة حجم الاستثمارات واتباع الأساليب العلمية الحديثة في استغلال الموارد الأولية مع مراعاة التقييم البيني بما لا يخل بالتوازن البيئي - كما يقتضي البحث والتنقيب عن موارد جديدة والبحث عن أسواق عالمية- بالاضافة إلي استغلال المقومات السياحية الاستغلال الأمثل ورفع مستوي الخدمة بالمناطق السياحية وإبرازها في أجمل وأبهج صورة ممكنة - أما الاتجاه الثالث فهو المحيط الصناعي والتكنولوجي ولكي تكتمل المنظومة ولتكون شاملة ومتواصلة لابد من تحويل الموارد الطبيعية »المحيط الحيوي« إلي موارد مصنعة واتباع الأساليب التكنولوجية الحديثة سواء المنقولة أو المستحدثة محليا مع التركيز علي استمرارية التطوير حتي نواكب الركب العالمي في هذا المجال.. ومن خلال هذه المنظومة ذات الاتجاهات الرئيسية الثلاثة يمكن وضع الاستراتيجيات والأهداف العامة لعملية التحديث والتطوير كما تساهم في وضع التخطيط المناسب بشكل متوازن وعلمي مع مراعاة عدد من الملاحظات المهمة منها الحسم والجدية والوضوح مع الابتعاد عن المظهرية وعدم المبالغة بوضع أهداف نظرية يصعب تحقيقها عمليا.. كذلك ربط التخطيط بعناصره المختلفة من حيث الموضوع والتوقيت والتمويل والمسئولية والاشراف والمتابعة مع مرونة التخطيط لمجابهة المتغيرات المنتظرة والمحتملة مع المحافظة علي البيئة بالاضافة إلي أهمية المشاركة الشعبية منذ بداية التخطيط لعملية التحديث والتطوير.