هناك حكايات ووقائع تشهدها مجتمعاتنا العربية والاسلامية من وقت لآخر تتسم بالتأثير القوي علي مشاعرنا ووجداننا خاصة عندما تتعلق بالقيم والمباديء .. والتي اصبحت نادرة. يزداد التأثير علي المشاعر عندما يكون ابطال هذه الحكايات من ذوي الحال المتوسط الذين يأبون أن تمتد ايديهم للمال الحرام حتي لو كانوا في أشد الحاجة إلي أقل القليل منه.. لا جدال أن مثل هذه القصص ذات الطابع الانساني الاخلاقي لابد أن تثير اهتمام الذين يقرأون أو يسمعون عنها.. حيث تجد جانبا منهم تتملكهم الدهشة لما تتضمنه وقائعها والجانب الآخر يرحب بما تكشف عنه السلوكيات المحيطة بها. تتركز معظم هذه الحكايات والقصص في الالتزام بالأمانة والتعفف وعدم القبول بفرصة الثراء التي تتيحها الظروف في مثل هذه الحالات. كثيرا ما نسمع عن بعض الأشخاص الذين تتاح لهم ثروات غير متوقعة اما بالعثور عليها في الطريق أو في مكان ما أو في سيارة تاكسي أو في حساباتهم المتواضعة في البنوك بطريق الخطأ. انهم وبوازع من ضميرهم يسارعون الي اعادتها الي أصحابها أو ابلاغ السلطات المسئولة عنها لاتخاذ الاجراءات اللازمة. الشيء المثير أن بعض هؤلاء والذين قد يكونوا متعطشين إلي جنيه واحد أو دولار أو درهم أو دينار يرفضون عن طيب خاطر تقاضي أي مكافأة حتي ولو كانت شرعية. من بين هذه القصص التي اثارتني ما نشرته صحيفة الاتحاد الاماراتية منذ فترة عن موظف سوداني في إمارة عجمان اسمه هاشم عباس فوجيء بوجود 5 ملايين درهم (5،7 مليون جنيه) في حسابه بالبنك الذي يتعامل معه لاستقبال مرتبه الذي يتقاضاه شهريا وينفقه علي أسرته. اكتشف هذه المفاجأة عندما توجه الي الصراف الآلي في البنك لصرف بعض المال للانفاق علي احتياجاته المعيشية.. قال هاشم انه رجل يخاف الله وهو الأمر الذي دفعه إلي ابلاغ ادارة البنك بما حدث للتحرك من أجل اصلاح هذا الخطأ.. وعندما سئل عن الأسباب التي دعته للإفصاح عما حدث قال انه استهدف أن تكون قصته مثالا للأمانة وقدوة للشباب. ان ما يزيد من قيمة هذا السلوك من جانب هذا الموظف السوداني تلك الظروف الصعبة التي تحيط بحياته الأسرية حيث انه والد لشابين كان احدهما يدرس طب الاسنان في جامعة عجمان ولكنه توقف عن الدراسة لعدم قدرته علي دفع المصاريف ، اما الثاني كان يدرس الطب في الخرطوم ولكنه لم يتمكن من مواصلة الدراسة لنفس السبب. ليس من تعليق علي حكاية هذا الموظف السوداني البسيط سوي التأكيد بأن الدنيا مازال فيها أشخاص أمناء يخافون الله ولديهم ضمير.