عند فتح العرب لصقلية في القرن التاسع، جلبوا معهم تراثا واسعا من القصص والحكايات، وفي نفس الوقت واجهتهم تقاليد عريقة من الأساطير اليونانية واللاتينية علي تلك الجزيرة، بينما التراث السردي لحضارات البحر المتوسط القديمة لا يزال يمكن تمييزه في الفلكلور الصقلي حتي اليوم، فإن المواد الثقافية والسردية التي ساهم بها العرب خلال فترة حكمهم للجزيرة لا تزال أقل وضوحا. وكان جوسيبي بيتري مؤلف المجموعة الأقدم من الفولكلور الصقلي مهتما بتتبع الآثار العربية في حكايات صقلية، بينما حين نتحدث عن آثار"ألف ليلة وليلة" علي الفلكلور الصقلي، ربما يمكن للمرء أن يبدأ من خلال محاولة العثور علي نسخة أو عدد من نسخ ترجمة جالان المنقحة لها بالمكتبات الخاصة، علي أي حال انتشار حكايات الفلكلور الشرقي في جزيرة صقلية هو حقل غني للأبحاث، يمكننا من خلاله إكتشاف المزيد من آثار التراث العربي في الثقافة الصقلية، و فيما يلي أقدم دراسة استقصائية عامة، ولو أنها لا تنحصر في" ألف ليلة و ليلة"، طبقا لما صادف وجوده في المجموعات المنشورة من الأدب الفولكلوري الصقلي الأكثر شهرة، المتمثلة في أعمال جيوسيب بيتري، ولورافون جونزنباك، وسباستيانو لونيجرو، حيث توالت التقاليد الشرقية علي صقلية من خلال قناتين رئيسيتين: إما ترجمة الأعمال الكلاسيكية من الأدب الشرقي أو الإنتقال الشفهي بالتواتر، وأبرز مثال علي ذلك مجموعة شهيرة من الأساطير المعروفة باسم"كليلة و دمنة"، وهي نسخة فارسية عربية عن"بانكنترا" الهندي في رحلته نحو الغرب، وهذا العمل لم يفقد هويته الهندية الأصلية، وكانت الأساطير التي تحتويها لها تأثير هائل في الغرب، عبر مغزاها المتلاعب الذي يدنو من أكثر الجوانب خطورة في العلاقات الإنسانية، وقد انتشرت في صقلية خلال فترة الهيمنة العربية خلال حكم روجر الثاني1101-1154، وقيل أن الأدميرال يوجين قارن الترجمة اللاتينية من النسخة العربية مع الترجمة اليونانية السابقة، بالإضافة لوجود قصص طريفة منسوبة لشخصيات حمقي أحيانا يكشفون عن حكمة خافية منهم جيوفا، الذي يدل إسمه علي علاقة محتملة بشخصية جحا. بين القرنين الثاني عشر و الرابع عشر قدمت مدارس الترجمة في"توليدو" و"باليرمو" روائع الثقافة العربية للتقاليد الغربية، وتمت ترجمة الأعمال العلمية و الفلسفية بجانب الأدب الشفهي، حيث تلعب الأعراف الشفهية دورا هاما في الحفاظ علي جوهر التراث العربي في صقلية، حيث تم حفظ عدد قليل نسبيا من الوثائق الصادرة إبان السيادة العربية، وكان الحكاءون يتم الترحيب بهم بحفاوة من الإمبراطور فريدريك الثاني(1212-1250)، الذي عشق الحكايات القديمة والحديثة، ولوحظ أنه في كتب الحكايات يتم تقديم الحكاية بتعبير: جاء علي لسان أو روي فلان، مما يوضح التأثير العربي، بالإضافة لاحتواء الأدب الصقلي علي قصة السندباد البحري، والعديد من الحكايات المتعلقة بالسحر منها حكاية "الرفيق العنيد" وتدور حول شاب يمتلك حصانا سحريا يعتقد أنه سوف يساعده في العثور علي علاج لوالده فاقد البصر، وبناء عل نصيحة الحصان دخل حديقة لجمع الثمار التي من شأنها مساعدته في التغلب علي العقبات التي تعترض طريقه، وهناك التحق بعمل لدي البستاني، ثم وقعت ابنة الملك في غرامه، وتزوجا دون رغبة والدها "في جابريللي1967 و نيجرو"، وحكاية "الزوجة المفقودة" وتدور حول شاب يعمل لدي شخص غريب الأطوار وعده أن يصبح غنيا، ودفعه للإختباء داخل جلد حيوان وحمله طائر إلي قمة جبل، وهناك وجد ماساً ألقاه إلي صاحب الحديقة، ثم هجره الرجل الغريب، وقابل غول أمره بسرقة عباءة سحرية تساعد علي الطيران من العذراء حين تخلعها لتستحم في الربيع، وعندما فقدتها لم تجد مفرا من الزواج به، وفي النهاية تعيد أم الشاب العباءة للعذراء فتهرب، ويبدأ الشاب في رحلة للبحث عن زوجته المفقودة، باستخدام بعض السحر، ويجدها في النهاية (لونيجرو 1956 و جابريللي1967) وتلك الحكاية موجودة في "ألف ليلة وليلة" تحت عنوان"الحسن البصري"، وتيمة استعادة أحجار كريمة عن طريق الإرتفاع في الهواء محمولا بواسطة طائر ضخم نحو قمم شاهقة في جلد حيواني، موجودة أيضا في"السندباد البحري" (جابرييل1967)، في الجزء الثالث من تلك الحكاية ساعد الجن الشاب الفقير كي يصبح غنيا، وعلي نفس المنوال تروي الحكاية الأخيرة من "ألف ليلة و ليلة" عن اسكافي تغير حظه عن طريق الجن، وأحيانا يلعب الشيطان نفس الدور، وربما تكون أكثر حكايات الجن شهرة هي حكاية "الجني في القنينة" (نيجرو1956) التي تطابق قصة الجني والصياد في ألف ليلة "جابريللي1967" وتدور حول صياد فقير عثر علي زجاجة، فظهر له جني حكي له أن الملك سليمان حكم عليه بالسجن في زجاجة، وخلال انتظاره زمنا طويلا، إشتد غضبه، وأقسم أن يقتل من يفتح الزجاجة، وطلب من الصياد إختيار الطريقة التي يفضل أن يموت بها، لكن الصياد ادعي أنه لا يصدق أن ذلك العملاق يمكنه العيش في زجاجة صغيرة، وخدعه للعودة داخلها ثم أغلقها، فأقسم الجني أن يجعله غنيا إذا فتح الزجاجة... كذلك حكاية "علي بابا و الأربعين حرامي" أشهر حكايات ألف ليلة وليلة موجودة في مجموعة بيتري1978، وفي النسخة الصقلية تحور البطل إلي صبي صغير من أسرة فقيرة يرعي الغنم، عندما اكتشف المغارة.. ونجد علي الأقل قصتين من صقلية بنفس التيمة، لكن النسخة الأكثر إتقانا موجودة في نيجرو1956 وأكد فيها أن اثنتين من الحكايات الشعبية الصقلية بالإضافة إلي حكاية "علاء الدين والمصباح السحري" تم إدخالها إلي صقلية عبر الترجمة الإنجليزية لألف ليلة و ليلة في القرن الثامن عشر لأنطون جالان، بالإضافة إلي أن إيتالو كالفينو في مجموعته التي تضم الحكايات الشعبية يتجاوز حالة التخمين بتأكيده إقتناع بيتري أن الحكائين الفرنسيين ربما ساهموا في انتشار بعض الحكايات من نسخة جالان من"ألف ليلة و ليلة"، في شمال إيطاليا خلال القرن التاسع عشر. "كالفينو1967" كتب أن عددا قليلا من الحكايات الإيطالية التي جمعها خلال بحثه وتصنيفه، كانت في الحقيقة أقرب إلي النسخة الفرنسية المترجمة عن النص العربي الذي قدمه فرانسيسكو جابريللي سنة1967، ويجدر التنويه هنا أن نسخة جابريللي مأخوذة من طبعة بولاق الأولي التي تم نشرها سن1835، والعلاقة الوثيقة بين النص الشفهي والمكتوب أو الأدبي التقليدي مسئولة عن وجود عدد كبير من الحكايات المستقاة من "ألف ليلة و ليلة" في الفلكلور الشعب»ي بجميع أنحاء العالم. وبعض الحكايات المأخوذة عن"ألف ليلة و ليلة" نجدها أيضا في مجموعة كبيرة من الحكايات الشعبية الأسبانية (اسبينوزا1923-1926:مجلد3و2)، بما فيها علي سبيل المثال حكايات سيسينو وتيجنوزو (لونيجرو1956-وجابريللي1967)، وبعض الحكايات الموازية الأخري تم توثيقها في المجموعة الشهيرة لجيا مباتيستا باسيل1575-1632 تحت عنوان"قصة القصص-أو التسلية للصغار"، وبناء علي ذلك قد يكون رأي نيجرو يميل أن تلك الحكايات تعود في أغلب الظن إلي الإقتباس المباشر من اللغة العربية. علي أي حال البحوث التي أجريت مؤخرا، تحتوي إثبات أن حكايات علاء الدين وعلي بابا، نبعت من آداء الحكاء السوري حنا، وبالتأكيد انتشرت في أوروبا وعبر أنحاء العالم نتيجة لشعبية"ألف ليلة وليلة". هناك حكاية من ألف ليلة تم إقتباسها ربما يتم اعتبارها دليلا علي كل ما سبق، وهي حكاية "الخاتم السحري" والتي ظهرت في:Pentamero والحكايات الصقلية "جابريللي1967 المجلد الرابع، وباسيل1994_ ولونيجرو1956"، وتدور حول أب ترك كل ما يملك لأكبر إثنين من أبنائه، بينما ترك للإبن الثالث ميراثا يتمثل في مجرد وعاء، أثناء بيعه لحداد متجول، إهتز الوعاء وخرج منه خاتم سحري، استطاع بفضله شراء قصر مواجه لقصر الملك، وفي وقت لاحق تزوج إبنة الملك، لكن الحداد الغيور تخفي للحصول علي الخاتم من الأميرة، وعندما نجح في ذلك، جعل القصر يختفي، وحبس الأميرة في برج وسط البحر، وفي غمرة اليأس خاطر الإبن بدخول الغابة، وهناك صادف رجلا عجوزا، ساعده في العثور علي الخاتم، واستطاع تحرير زوجته، وفي ألف ليلة و ليلة" تماثل تلك الحكاية الجزء الثاني من حكاية "علاء الدين والمصباح السحري"، ووجود النسخة الأوروبية لتلك الحكاية توحي باحتمالين: إما أنها كانت معروفة للأوروبيين، أو علي الأقل كانت موجودة في الأعراف الإيطالية قبل جالاند، أو أن جالاند استفاد من الأفكار الرئيسية التي كانت سائدة في التقاليد الأوروبية في تنقيح نسخة رويت له من راويه، لا سيما وأنه دون نسخة مختصرة منها في مذكراته. التشابه بين الفلكلور العربي والصقلي اكتشف أيضا في حكايات الخداع وخيانة النساء، البعض نشأ من سلسلة حكايات السندباد والوزراء السبع، والتي ترجمت إلي الأسبانية خلال حكم فريدريك في القرن الثالث عشر تحت عنوان"سندباد أو كتاب الخدع"، تلك السلسلة تم تداولها فيما بعد تحت عنوان" كتاب الحكماء السبع"، وهي موجودة ضمن الف ليلة، كما تم العثور عل فكرة خداع وخيانة المرأة في "كليلة ودمنة"، والنمط السائد في الف ليلة كالتالي: الزوجة تخون الزوج فور خروجه من المنزل، وعند عودته فجأة تخفي حبيبها في صندوق كبير، وفي النسخة الصقلية (بيتري1978) يختبئ الزوج في صندوق تبعا لنصيحة صديقه، كي يثبت خيانة زوجته، وفي نسخة أدبية من رواية "ثلاث عشرة ليلة ممتعة" التي كتبها جيوفاني فرانسيسكو سترابارولا"1480-1558" إختبأ العاشق في صندوق، والجدير بالتنويه أن النسخة الصقلية هي الأقرب إلي ألف ليلة، وكما في ألف ليلة ينتمي الغريم إلي فئة أدني في المجتمع، إما يكون عبدا أو إمرأة سوداء كما في نسخة باسل، كما يمثل الغرماء الآخرين الخطر المجهول للحياة البرية في العالم، وبالتالي تدور تيمة الصراع الأبدي بين الحضارة ضد الهمجية، و تلك العناصر الأخري متشابهة في كلا المجموعتين، وتتمثل في الخداع وخيانة النساء، وهي أيضا موضوع بارز في عديد من الحكايات الشعبية، والنساء اللاتي نصادفهن في القصص الشعبية يختلفن عن اللواتي يقدمهن الشعر العربي الكلاسيكي، ففي الأولي تكون صورتهن أقرب إلي الظروف الفعلية في الحياة الإجتماعية، يستخدمن الخداع كاستراتيجية للفوز علي الرجال الأكثر قوة، ورواية تلك الحكايات تتم بقصد استعادة نظام تم انتهاكه، وقد أشير لانتهاك القانون في"ألف ليلة و ليلة" بالملك القاتل المتسلسل لزوجاته، والأكثر من ذلك، برفض أي حاكم مستقبلي لبلاده، والمرأة لشخص يمنح الحياة و يعيد دورة الحياة، ثم تقديمها في"ألف ليلة وليلة" في صورة الراوية الأساسية "شهر زاد"، ورواية الحكايات هنا نوع من علاج الرجل الفاقد الإحساس بالحياة، وفي حكايات أخري هناك حالات مختلفة من انتهاك القانون، عموما، تكمن القيمة الأخلاقية في حقيقة أن في النهاية هناك بطل يعيد العدالة، وأخيرا الحكمة المستقاة من"ألف ليلة وليلة"، وحكايات صقلية، وغيرها في أنها ليست مجرد وسيلة ترفيه، بل تحقيق للعدالة، كما يمكن القول ليس كل الحكايات موضوعة في إطار النهايات السعيدة، بل للقصة الأساسية رسالة إيجابية. وعندما أعاد باسيل كتابة الحكايات المستقاة من الفلكلور استخدم كل أنواع المصادر سواء الشفهية أو المكتوبة، وبذلك شهد علي حقيقة أن الأدب الإيطالي مستقي من اليوناني واللاتيني والتقاليد العربية، وأن الأدب الإيطالي تعلم من الحكايات الشرقية القدرة علي ابتكار توازن بين الغرض التعليمي والشامل من ناحية والترفيه والمتعة من ناحية أخري، كما أنه في التقاليد الصقلية الشفهية، والرواة سواء من الأسلاف أو المحترفين، تعودواعلي إنهاء رواية هامة بتقديم حكاية مضحكة، تتعلق في معظم الأحيان بجحا، لتخفيف الجو حين تبدأ الرواية في خلق جو قاتم. وبينما لا توجد نسخ من"ألف ليلة وليلة" لجالان في المكتبة العامة بصقلية، هناك ترجمة للطبعة الفرنسية نشرت في نابولي سنة1867 وطبعت في إف جيانيني، وهي موجودة في سيفيكا بتورينو، ومن المحتمل أن يكون لرواة قد ساهموا في نشر الحكايات الموجودة بها خلال مملكة الصقليتين، ومن المحتمل أن تكن النساء العجائز ممن روين لبيتري وفيما بعد لديفون جونز قد استمعن لتلك الحكايات من نفس الرواة، وإدعين أنها نقلت إليهن عبر الأجيال، وبالنسبة لطبعة جالان التي نشرت في فينيسيا1722 لا يوجد دليل علي وصول نسخة منها إلي صقلية.