مازالت كلمات خليفة رسول الله صلي الله عليه وسلم، أبي بكر الصديق تعمل في نفسي وتؤرقني حين أوصي خليفته عمر بن الخطاب أن »احذر هؤلاء النفر من أصحاب رسول الله الذين انتفخت أجوافهم وطمحت أبصارهم وأحب كل امرئ منه لنفسه«. وقد أيدتها الأحداث الجسام، حتي يومنا هذا، فهؤلاء هم خيار الأمة، ولم يأمن قائد الأمة جانبهم وشر فتنة المال والدنيا فيهم، فأخذ يحذر وهو يغادر الدنيا، لأن قلبه كان معلقاً بالحق، وإني لأراها الآن، بذات الملامح فتنة المنتفخين بالثروة والطامعين دوماً في السلطة حتي يرهنوها لمصالحهم وأولادهم من بعدهم. ولو راجعنا التاريخ سطراً سطراً لرأيناه يعرض لنا حقائق الثورات لماذا تقوم ولماذا يطول بالحكام الأمل حتي في اللحظات الأخيرة وقد أوشك حكمهم علي الانهيار، فلنجدن العهد الذي بينهم وبين الشعوب أوله العدالة الاجتماعية الغائبة والحرية مهما كانت فليس أدني من أن تكون كاملة تمنح الإنسان كرامته وإنسانيته وتشعره بقيمة رأيه في ظل قانون يقوم علي تحقيق العدل والمساواة. وكلاهما غائب، العدالة واشلحرية، في نظر الشعب اليقظ الذي لا يموت ضميره مهما تعرض لبغي أو ظلم أو مهانة، ومهما أمعن الحكام وحواشيهم في مداراة هذا الأمر وتصوير كل شيء حسناً وتزيين الباطل وما يطويه علي أنه الحق، فأي إعلام يقوم بهذه المهمة المشينة مصيره الفشل والفضيحة علي رءوس الأشهاد، وإن ما نشهده من مجريات تثير في النفس حزناً كبيراً كالذي كان يثور في نفس الخليفة أبي بكر الصديق الذي ضحي بماله في سبيل قضيته الأولي في الوجود، وكان يخشي أن يذهب بها المترفون في زحام طلاب الدنيا، وهم اليوم جاءونا بكثرة وقعدوا لهذه الثورة كل مرصد حتي تنتهي إلي مجرد هيكل مجوف من معانيه العظيمة. إن العيش الكريم والعدالة تأخرا كثيراً وتكاد الصفحات تطوي ليبحث الشعب عن شيء بعيد المنال، فالكل يقف عند نقطة البداية التي لم تبدأ بعد، الناس غير آمنين علي حياتهم، وقد أملوا خيراً في مجيء مجلس نيابي، فإذا بهم أمام دوامات أكبر يسمعون ولا يصدقون، تأخذهم إلي قضايا أشبه بالعبث فمن أحداث بورسعيد التي لم يعرف لها أحد مبرراً إلي الوقيعة بين أبناء الوطن علي غرار الفتن الطائفية بطريقة جديدة، إلي هذه النكتة المسيئة للمسلمين جميعاً المعروفة بعملية تجميل أنف، رغم كل من أساء لعتبات ديننا العظيم. أما الصورة المحزنة، فإنك لتلقاها كل يوم في طريقك، طوابير أبشع، لملايين من الشعب يجرجر كل منهم اسطوانة الغاز، في مشهد غير مسبوق، وكأن الذي يريده متصلاً بهذا العنف، يقول في سخرية منا، مازال المتخمون أصحاب البطون يحكمون، ومن قبل وقف الآلاف من الثوار، وهم يدركون خطورة الأمر، أن الحكومة التي جاءت لتنقذ الشعب وتحقق مطالب الثورة، أكثرها من هؤلاء الذين حذر منهم خليفة رسول الله، والدليل علي ذلك أن أسعار كل شيء قد ارتفعت في اليوم الثاني لهذه الحكومة، أضعاف ما كانت عليه أيام حكومة رجال الأعمال بقيادة جمال مبارك وسكرتيره أحمد نظيف. ولست أظن أن أية حكومة ستأتي من رحم الأحزاب القائمة، سوف تعيد النظر في عملية إدارة الحياة الاقتصادية والأسواق التي تنام في أحضان الجشع والمتخمين المترفين، لأنه بقراءة متأنية لبرامج الأحزاب الممثلة في المجلس النيابي »أغلبية وأقلية«، ستلمح الرأسمالية الموصومة تطل برأسها، وهي لا تسمع للطبقات الوسطي والدنيا بأن تتطور إلي أعلي ولو بقيد أنملة، نحن أمام برامج لا تختلف كثيراً عن تلك التي كانت تذاع علينا قبل سقوط بعض رءوس النظام السابق، وزاد عليها أن هذه البرامج خلت تماماً من العناوين الاجتماعية التي قال بها أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعمر بن عبدالعزيز والصحابة الذين تبنوا أفكار الثورة الاجتماعية مثل أبي ذر الغفاري، إنني أخشي أن أكون مشدوداً إلي أمل كسراب بقيعة، جئناه علي عجل فإذا بنا لانزال عند نقطة البداية، إننا نسير علي غير هدي من دستور عادل يأتي بقوانين حازمة تحقق مصالح أغلب الشعب الذي يعيش تحت خط الفقر منذ عشرات السنين وتم السطو علي ثورته حين ثار ليقتل هذا الفقر الذي أراد الإمام علي قتله فتمني أن يكون رجلاً. آراء آثار الحكيم من البرامج الحوارية، أعجبني كثيراً حديث الفنانة آثار الحكيم لإحدي الفضائيات، لأنها اقتربت متلامسة مع الواقع الذي يعيشه الشعب بعد أن تم الإحاطة بالثورة وأهدافها الكبري، فلم يثر المصريون من أجل فتات الحرية، إنما ثاروا يطلبون الحرية كاملة غير منقوصة بملامحها العظيمة، وثاروا لكي ينالوا العيش الكريم غير ملوث بالذل والعار، وثاروا من أجل العدالة الغائبة المدفونة في بطون المتخمين، أرجو أن يذاع هذا الحوار مرة أخري، وأن تجنبنا هذه القناة وجوهاً تقتحم علينا حياتنا ونحن لها كارهون.