محمد وجدى قنديل ليس من مصلحة مصر تصعيد الأزمة مع الولاياتالمتحدة إلي حد الرفض الشعبي للمعونات الأمريكية بدافع من الكبرياء الوطني.. وليس من مصلحة الولاياتالمتحدة زيادة الاحتقان في العلاقات المصرية - الأمريكية بسبب قضية التمويل الأجنبي للجمعيات الأهلية - منظمات المجتمع المدني- والتي تعمل بدون ترخيص في مصر. كذا ليس من مصلحة مصر رد الفعل الغاضب من القوي السياسية التي تندد بسفر المتهمين الأمريكيين والأجانب ومغادرتهم بطائرة عسكرية أمريكية إلي قبرص، وبدعوي التدخل في شئون القضاء المصري.. وكما أنه ليس من مصلحة الولاياتالمتحدة ممارسة ضغوط لإنهاء القضية وإيقاف محاكمة المتهمين العاملين في تلك المنظمات الأجنبية والأمريكية وإسقاط الاتهامات خصوصا ان وزارة الخارجية الأمريكية قالت: إن واشنطن لم تقدم رشاوي وأن القضاء المصري مستقل، وأن المنظمات المدنية هي التي دفعت الكفالة المطلوبة والمقررة علي ناشطيها للسماح لهم بمغادرة مصر - كما قالت فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية - وأن الحكومة الأمريكية تمول بالفعل منظمات العمل المدني! وأكدت أن الولاياتالمتحدة لاتزال ملتزمة بعلاقات قوية مع مصر علي الرغم من التوترات الأخيرة والخلافات حول بعض القضايا فإن أسس هذه العلاقة الاستراتيجية لاتزال قوية! وأن الولاياتالمتحدة ملتزمة بضمان الاستقرار الاقتصادي في مصر! والواقع أن القضية أخذت حجما زائدا عن الحد من الجانبين وكانت التهديدات التي صدرت عن أعضاء في الكونجرس بقطع المعونة الأمريكية - مليار و052 مليون دولار »العسكرية« و052 مليون دولار »الاقتصادية« كانت السبب في رد الفعل الغاضب من جانب القاهرة لأن القضية تمس السيادة المصرية.. وكان من الممكن احتواء الأزمة عند حد الحوار بين الطرفين حول نشاط هذه المنظمات الأمريكية - المعهد الجمهوري والمعهد الديمقراطي وفريدم هاوس - وقيامها بالتمويل الخارجي رغم عدم حصولها علي موافقة الجهات المختصة علي مدي سنوات.. ولا أفهم لماذا أثارت فايزة أبوالنجا وزيرة التعاون الدولي من جانبها قضية التمويل الأجنبي في هذا التوقيت، وبينما تم التصريح لتلك المنظمات المدنية بمراقبة انتخابات مجلس الشعب الأخيرة؟ وحسب ما اعتبر نجاد البرعي أن قرار منع المتهمين الأمريكيين في قضية التمويل الأجنبي من السفر كان مخالفا للقانون وتم تدارك ذلك بالسماح لهم بالمغادرة. ومن غير المفهوم الدور الذي قام به حزب الحرية والعدالة لإنهاء الأزمة بعد اشادة السناتور جون ماكين واعضاء مجلس الشيوخ بالدور البناء الذي قامت به جماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسي.. رغم أن الدكتور عصام العريان نفي أي علاقة للإخوان في قضية التمويل الأجنبي وان الحزب لم يتدخل في شئون القضاء المصري! وما يثير التساؤل هذا اللقاء السري الذي جري بين السناتور جون ماكين وخيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان في مكتبه في مدينة نصر ولم يتم الاعلان عنه، وقيل انه ناقش قضايا عامة ولم يتطرق إلي أمور أخري.. ولكن تصريحات ماكين تكشف الجانب الخفي وهو ما يتصل برفع الحظر عن المتهمين الأمريكيين في قضية التمويل الأجنبي..! وليست هذه هي المرة الأولي التي تحدث فيها أزمة في العلاقات بين مصر والولاياتالمتحدة.. فقد حدثت أزمات سابقة علي مدي ثلاثين عاما ولأسباب مختلفة ولكن كان يتم احتواؤها حرصا علي العلاقات الاستراتيجية. وأعود بالذاكرة إلي أزمة القاعدة العسكرية التي طلبت الولاياتالمتحدة إقامتها في رأس بناس علي البحر الأحمر - بعد اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل - ووافق الرئيس السادات علي ذلك بدافع اقامة علاقات جديدة مع أمريكا بعد فترة القطيعة..ولكن مبارك - نائب الرئيس وقتها - نبه السادات إلي خطورة ذلك الأمر وبدون ضمانات من الأمريكيين حتي لا تستخدم القاعدة في أغراض أخري، وكانت البعثة العسكرية الأمريكية قادمة للتوقيع ولكن الرئيس السادات تراجع عن موافقته.. وظلت الإدارة الأمريكية تثير مسألة قاعدة رأس بناس مراراً.. ولكن كان يتم عدم الموافقة من جانب مصر! ومن الطبيعي أن يحدث مثل هذا الشد والجذب بين مصر وأمريكا في قضايا داخلية وإقليمية - خاصة إذا كانت تمس السيادة، لأن مصر ليست تابعة لأمريكا وتحرص علي علاقات متكافئة معها.. ولذا فإن اختلاف المواقف لا يعني القطيعة. ولابد من وضع نقاط واضحة في العلاقات بين القاهرةوواشنطن:
أولا: لا يجب تحت أي ظرف ان نترك أمريكا لإسرائيل ونتخلي عن الصداقة القائمة معها علي مدي ثلاثين عاما. ثانيا: ان سوء الفهم وارد في العلاقات بين البلدين وذلك يتطلب التوضيح والحوار بعيدا عن الانفعال الزائد. ثالثا: أنه اذا كانت مصر في حاجة إلي المعونة العسكرية بحكم التسليح الأمريكي للقوات المسلحة المصرية، فإن الولاياتالمتحدة في حاجة إلي دور مصر وثقلها في المنطقة بما يفيد سياستها ومصالحها. لقد حذر الجنرال مارتن ديمبسي رئيس الأركان الأمريكي من عواقب قطع المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر.. في شهادة أمام اللجنة الفرعية حول الاعتمادات العسكرية بمجلس النواب قائلا: إن قطع المساعدات سيأتي بنتيجة عكسية منها ايجاد فجوة وفقدان علاقة وثيقة بين الأجيال المختلفة من ضباط الجيش المصري، وإمكان فقدان امتيازات مهمة بما في ذلك حق استخدام المجال الجوي المصري، لدينا علاقة مشاركة وثيقة جدا مع مصر تمنحنا حقوقا كبيرة وأولوية في عبور قناة السويس! وأتوقف امام تصريحات أعضاء مجلس الشيوخ - ماكين وجراهام وهوفن وبلوفتال »ان أحداث الشهرين الماضيين اختبرت العلاقات بين مصر والولاياتالمتحدة،و نجحت في الاختبار وأثبتت قوتها!«.