واشنطن اختلفت مع صديقها الكبير السادات، الذى عرض عليها قاعدة رأس بناس على البحر الأحمر، فقد رفض طلبها بتوغل المخابرات الأمريكية داخل الجيش المصرى، أو التنصت على المكالمات الهاتفية لكبار ضباطه. والآن يتصدر "الجيش" وعلاقته بواشنطن قائمة الأسئلة والاهتمامات، وهو أيضًا بؤرة الأزمة الحالية فى علاقة البلدين وإن كانت تبرز إلى الواجهة قضية التمويل الأجنبى لبعض منظمات المجتمع المدنى وثيقة الصلة بأمريكا. تحاول واشنطن استبدال حليفها الإستراتيجى السابق مبارك بحليف جديد عبر توليفة مدنية منتخبة ومؤسسة عسكرية بصلاحيات مستقلة على النمط الباكستانى. ما هو الوضع حاليًا بالنسبة لقاعدة رأس بناس التى عرضها السادات على وزير الدفاع الأمريكى هيرالد براون عام 1979، ومنحها لهم مبارك بعد سنتين من حكمه، فانفقوا عليها وعلى مينائها البحرى 750 مليون دولار لاستقبال الطائرات الاستراتيجية بعيدة المدى، وحاملات الطائرات؟ وما الوضع بالنسبة لقاعدة قنا الجوية، التى عرضها السادات أيضًا، وأتاحها مبارك فى عهده ليقوم سلاح الجو الأمريكى بدوريات استطلاع فى الشرق الأوسط والوصول إلى أجواء إيران وأفغانستان وباكستان ودول الخليج والقرن الإفريقي، والعودة إلى القاعدة دون التزود بالوقود؟ السادات فى آخر زيارة لواشنطن عام 1981 وقع للرئيس الأمريكى الأسبق رونالد ريجان على رسالة تسمح باستخدام قاعدة رأس بناس، لكنها صارت واقعًا عام 1983 وفضح أمرها حينئذ القائد العسكرى الأمريكى ريتشارد سكند نائب مساعد وزير الدفاع لشئون الشرق الأدنى وشمال آسيا. فى اجتماع لمجلس الأمن القومى قال سكند "إن القوة الجوية الأمريكية أكملت بناء قاعدة سرية يتمركز فيها ما يقارب 100 عسكري، وتم تخزين معدات وأجهزة تنصت ومراقبة مهمة جدًا فى هذه القاعدة، ذات الأهمية الكبيرة للعمليات الاستخباراتية والعسكرية السرية جدًا، إضافة لكونها تستعمل للسيطرة ومتابعة عمل الأواكس فى الشرق الأوسط.. لقد حافظنا على سرية القاعدة بطلب من الرئيس مبارك". عندما تثار قضية المعونة الأمريكية حاليًا، يبسط البعض الأمر على أنه مجرد مساعدات اقتصادية وعسكرية قدرها مليار و300 ألف دولار.. ويزيد البعض الآخر بأنها جزء من اتفاقية كامب ديفيد. والواقع أنها أعقد بكثير، فواشنطن لن ترضى بخسارة مصالحها الاستراتيجية، ويتعلق ذلك بالمؤسسة العسكرية التى تربتط معها بعلاقة وثيقة للغاية. فما لأمريكا فى مصر لا يمكن أن تضحى به مقابل 19 شخصًا من مواطنيها تحاكمهم القاهرة فى قضية التمويل الأجنبى. تبقى الأسئلة التى أثيرت فى أول عهد مبارك هى أسئلة الآن، والأسئلة نفسها التى ستوجه للنظام القادم فى مصر بشأن علاقة القاهرةبواشنطن وهى الأهم للعاصمتين فى الشرق الأوسط. هل تخسر أمريكا ما ورثته طوال عهدى السادات ومبارك، وهل تستسلم لذلك؟! جزء من مقال لى هذا الأسبوع فى مجلة "المجلة" اللندنية، أعيد نشره فى "المصريون" مع بعض التصرف بمناسبة بدء محاكمة المتهمين فى قضية التمويل الأجنبى وبينهم 19 أمريكيًا. وأضيف إليه.. لا تخشوا على المعونة، فما لأمريكا فى مصر أهم بكثير ومن المستبعد أن تضحى به، ولهذا انطلق جهازها الإعلامى السرى فى القاهرة المتمثل فى كتاب وشباب وسياسيين مصريين من منتحلى الثورة لمهاجمة الدكتورة فايزة أبو النجا والشيخ محمد حسان. [email protected]