بئس أمة لا تستمع لما يقوله وينصح به علماؤها وفقهاؤها وخبراؤها لإضاءة الطريق الي ما يضمن لها السلامة والامان في مسيرتها نحو الحرية والديمقراطية. ان تجاهل أي أمة لهذا الطريق يعني انها اختارت الاتجاه غير الصحيح الذي يعطي فرصة لغير المؤهلين للعمل العام واصحاب المصالح الذين لا يبغون الصالح الوطني. سيادة هذه الفئة تعني تحويل حياة هذه الأمة الي فوضي وفساد وقلاقل كما تؤدي الي خلق ديكتاتورية جديدة. ليس من تفسير لنزعة الاصرار علي التحيز لهذا المنحي سوي الافتقاد لعدم الدراية والادراك بأمور القيادة السليمة أو الوقوع في شرك التواطؤ لصالح جهة ما. إن الوسيلة الوحيدة للخلاص من هذه السقطة مرهون بتوافر الشجاعة والامانة والولاء الوطني لاصلاح ما تم ارتكابه من اخطاء لا تحقق آمال الغالبية الشعبية . ومن مظاهر ومساويء السير في طريق الخطأ .. الانتصار للاستبداد بالسلطة وبالرأي والعدوان علي حقوق المواطنة ومناهضة القيم والمبادئ التي ظلت تحكمنا لدهور وقرون وهو ما أدي إلي سلوك هذا السبيل والي الارتفاع بمكانة مصر وقامتها مدعومة بتاريخها وتراثها ووسطيتها وبالسماحة التي اتسمت بها اخلاق ابنائها. في هذا المجال لا يمكن لأي فرد أو جهة أو دولة أن تنكر ريادة مصر في شئون الحكم علي مر التاريخ والتي تأتي في مقدمتها الأخذ بالديمقراطية حتي في احلك الظروف اسيرة للاستعمار. وليست الثورة التي قام المصريون بها في 52 يناير إلا واحدة من العديد من الثورات الوطنية التي استهدفت صلاح مصر واصلاحها وارساء دعائم سيادتها وحرية شعبها. بالطبع فقد ينجح الخداع والتضليل وعدم وضوح الرؤية لتبيان سلامة المسير.. ولكن الويل كل الويل عندما يتم اكتشاف حقائق الأمور وما يترتب عليه من تلاشي للثقة واشعال جذوة الغضب . في هذه الحالة لا يبقي الإ التوجس والشكوك وهو ما يمكن ان يؤدي الي ثورة اخري بلا حدود. وهنا اقول انه ليس هناك طريق للنجاة إلي بر الامان سوي توافر الوطنية والشفافية والمصداقية التي لا جدال انها تضمن التخليد والتكريم. في هذا الاطار كنت قد اشرت في مقال سابق الي الآراء التي ابداها الفقيه الدستوري الدكتور إبراهيم درويش وهو من رموز الفقه الدستوري حول الاسباب التي أدت إلي حالة عدم الاستقرار السائدة في وطننا.. مصر . ناهضت الآراء وانتقدت الخطوات التي تم اتخاذها علي طريق السير نحو الديمقراطية السليمة وعملية اعادة البناء. كان تركيزه علي ادانة لجنة اعداد الاستفتاء الدستوري التي رأسها المستشار طارق البشري والمعروف بأفكاره غير الوسطية المتسمة بشبهة الانحياز لتيار بعينه. وعلي هذا الطريق لفت نظري واهتمامي حديث في صحيفة »الدستور« للفقيه الدستوري المعروف نور فرحات العضو بالمجلس الاستشاري . وقال ان الاعلان الدستوري الذي تم الاستفتاء عليه كان وراء الارتباك الذي لم تشهده مصر من قبل كما انه جعل من المجلس العسكري الشرعية الدستورية الوحيدة في البلاد. دعا الي ضرورة وحتمية أن تتوافق كل القوي السياسية في البرلمان لتحقيق أهداف ثورة 52 يناير. طالب بضمان ان يعبر الدستور الجديد عن جميع اطياف المجتمع بعيدا عن أي تسلط أو هيمنة من جانب تيار سياسي بعينه او أغلبية مؤقتة تسعي للسيطرة علي الجمعية التأسيسية المنوط بها وضع الدستور. دعا الي الغاء مجلس الشوري المجرد من أي سلطات أو مهام واستبداله بمجلس للشيوخ اسوة بما جاء في دستور 3291. ولتحقيق التوازن الوطني المطلوب لضمان إعداد دستور يمثل كل اطياف الأمة المصرية اقترح الدكتور فرحات تشكيل اللجنة التأسيسية التي اشار إليها الاعلان الدستوري من 03 عضوا من مجلس الشعب و01 أعضاء من الشوري مع استبعاد مشاركة الاعضاء العشرة المعينين علي أن يمثل الحزب الذي له 03 عضوا في البرلمان بعضوين وألا يزيد تمثيل أي حزب مهما كان عدد اعضائه عن 01 أعضاء أما الحزب الذي له اقل من 03 عضوا فإنه يُمثل بعضو واحد علي أن يضاف إليهم 06 عضوا يمثلون جميع الاطياف . وعن أسباب الصدامات والاضطرابات التي تشهدها الساحة . قال ان هذه المرجعية الدستورية تعود الي اختزال المبادئ التي نادت بها الثورة في انتخابات مجلسي الشعب والشوري وهو مالا يتوافق مع اهدافها . انتقد ما شاب انتخاب البرلمان من شحن طائفي وديني وهو ما أدي الي التناقض بين شرعية هذا البرلمان وشرعية ثورة الميدان. قال أن ما يجري حاليا في البرلمان لا يعدو أن يكون توزيعا للادوار. وقال موجها كلامه إلي كل من حزبي الأغلبية ان الديمقراطية الحقيقية لا يمكن ان تتحقق إلا بقبول وتعايش كل المجموعات الحزبية داخل البرلمان دون استبعاد أو اقصاء. قال ان غير ذلك سوف يجعل المشهد صورة طبق الاصل مما كان عليه الحال ابان سيطرة الحزب الوطني. بعد ما قاله الفقيه الدستوري نور فرحات.. هل هناك من يسمع ويفهم ويعي ما يجب عمله من أجل انقاذ المسيرة؟