الأستاذ هو الأستاذ.. فهيكل منذ تعرفت عليه من خلال »بصراحة« يمسك بمشرط الجراح الدقيق الذي ينقب عن أسباب المرض بدقة متناهية ويعرف كيف يستأصل الورم الخبيث.. يحلل المشهد السياسي وكأنك تدور في فلك معه لا تستطيع الخروج منه فتتعرف معه وبه علي مواطن الضعف والقوة وكيفية الخروج من المأزق أو الأزمة. في حواره مع جريدتي التي أعتز بها ذكر هيكل ان مصر أمام لحظة حقيقة وأن لحظات الحقيقة في التاريخ ومع كل أثقالها اختبار لمقدرة الشعوب إما أن تتخبط فيها بلا إرادة وإما أن تقف وأن تمسك بأقدارها ثم تفكر وتتصرف، وأن هناك أطرافا ثلاثة هي الطلائع من الشباب والمجلس الأعلي للقوات المسلحة والأحزاب والقوي السياسية وقعوا في مأزق ربما لم يكن من صنع أحد منهم لأنهم جميعا ارتطموا بالقدر وواجهوا مأزق الدوران في حلقة مفرغة والارتطام بالقدر معناه ليس مجرد ان يواجه أحد الأطراف عقبات لم تكن من صنعه ولكن أيضا ان يواجه ما لا يقدر علي التصرف فيه ولا يقدر علي تجاهله في نفس الوقت. ليسمح لي الأستاذ ان اختلف معه في المسألة القدرية وأن أعود إلي الوراء ليس إلي الثورة الفرنسية والروسية وما شابههما ولكن أعود إلي بداية ظهور الإسلام فكلمة »لا إله إلا الله« كانت بمثابة ثورة علي عبادة الأصنام التي لم تكن من صنع من يعبدونها ولكنها كانت ميراث الآباء والأجداد ورغم ما لاقاه من امنوا بدعوة سيدنا محمد »صلي الله عليه وسلم« من عذاب وقهر وتشريد وسلب أموالهم إلا انهم لم يهربوا من مواجهة القدر فهم طيلة حياتهم يرفضون الظلم وعندما جاءت دعوة الحق لتحرير العبيد وتحقيق العدل والمساواة وجدت في نفوسهم ما يصبون إليه فدفعوا الثمن غاليا من عذاب وقتل وتشريد وهجرة فالإيمان بالقدر الذي يتمناه الإنسان لابد له من عمل وإيمان به فيكون للإنسان من خلال ذلك نصيب من قدره وليس ارتطاما يفاجأ به. سيدنا محمد »صلي الله عليه وسلم« في بداية دعوته آمن نفر قليل به ولكنهم في نفس الوقت كانوا يصنعون قدرهم الذي يتمنون ان يصلوا إليه من خلال ما أنزل عليهم من آيات الله المحكمات فكانت هناك جملة تربط حال الأرض بتعاليم السماء لهذا لم يفاجأوا بقدرهم ولم يرتطموا به بل تيقنوا أن وعد الله حق وفتح الله عليهم بما كانوا يحلمون به وأكثر. كما ان سيدنا محمد »[« وهو في مكة، كان يري الاصنام وهي تحيط بالكعبة وكان ذلك يؤذي مشاعره ولكنه يعلم ان كما للبناء أوان فإن لهدم الظلم والأوثان أوانا فلم يتجاهل ما يراه ولكنه صبر، وقد تحقق له ما يصبو في فتح مكة من تعاظم قدر المسلمين وتحطيم للأوثان. القدر كما أعرفه ان يأخذ الإنسان بالأسباب كما فعل ذو القرنين، وكما أمرنا الله فالعمل يجب ن يكون صالحا لا عملا فقط فإذا جاء القدر علي غير ما يريد الإنسان فهو هنا عمل ما أمره الله به ولدينا معني جميل نردده بعد الأخذ بالأسباب الصحيحة »قدر الله وما شاء فعل«، ولنا في رسولنا الكريم أسوة حسنة فعندما ذهب إلي الطائف قبل الهجرة قذفه الرعاع والصبية بالحجارة حتي أدموا وجهه وقدميه الشريفتين، ورغم ذلك وصف حاله لربه في دعاء جليل ختمه بأنه »ان لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي ولكن عافيتك أقرب لي من غضبك« سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم أخذ بالأسباب في دعوته للناس للإيمان بالله الواحد القهار وتعامل مع قدره وسار في منهجه إلي أن يأذن الله بأمره. إننا قمنا بثورة جليلة لسحق نظام فاسد ولكننا للأسف لم نقم ببناء خطوات قدرنا في الداخل بل اكتفينا بالعنوان »الشعب يريد اسقاط النظام«، حتي إذا وصلنا إلي تحقيق ما نصبو إليه اصطدمنا ببعضنا البعض ولم نصطدم بقدرنا لأننا حلمنا فقط ولم نبن خطواتنا نحو تحقيق أهدافنا من حرية وعدالة وتقدم.