إسماعىل النقىب توقف الكلام في حنجرتي واستعصي عليّ الفهم أريد أن أفهم وأن يشرح لي أحد ماذا يحدث ومن المستفيد!! الصباح يوشك أن يشرف، ولكن الليل مايزال بداخلي بكل أسراره.. سألت الليل أن يبوح.. قال لي الليل: الليل له أسرار لا يبوح بها إذا جاء الصباح، وصمت.. ومللت من الصمت وأنا من أهل الكلام.. ولكن ماذا أقول وقد إمتلأ الرأس بالألغاز والعبث.. وشعرت بأنني في سرادق كوني كبير.. سرادق عالمي ليس له مثيل!! وقد إمتلأ بالمنشدين والدراويش والهلافيت وكلهم ينشدون في وقت واحد وأصبحت لا أعرف شيئا.. وعندما جاء النهار امتلأت الدنيا بالأخبار.. هذه أساطيل تشق البحار، وهذه طائرات وهذه بوارج ومدمرات وغواصات وهذه راجمات صواريخ النار، وازداد صمتي.. واتسعت حيرتي.. ولا أجد من اسأله عما يحدث لنا الآن من العالم وفي مصر خلافات ومهاترات وائتلافات والكل يتحدث والكل تحول إلي خبير في فلسفة الأمور ونسينا مصر.. مصر وتوقف الكلام في حنجرتي واستعصي عليّ الفهم.. أريد أن أفهم وأن يشرح لي أحد ماذا يحدث ومن المستفيد!! أردت ان أهرب من واقع أرفضه ولا أفهمه وذهبت إلي نافذتي.. أبحث عن نهار جديد.. نهار سعيد قادم من الزمن البكر إلي زمن بلا تذكرة رجوع، ولا إذن بالرحيل أو الوصول.. وفرحت بوصول النهار القادم من السفر ويستعد للسفر إلي عالم لا يسأل عن هوية أو جنسية، حتي يتجنب العذاب في السؤال والتزوير في الجواب بسبب الخوف، النهار يريد ان يختفي في الليل حتي يهدأ، حتي لا يري النظرات التي ترشق جسده بالسهام وأصبح النهار يخاف الكلام حتي لا يقال للنهار القادم من الشرق إنك ارهابي ولم يستطع الليل ان يخفي جنسيتي.. أنا المصري.. أنا العربي الذي يريد ان يفتح شبابيك العمر علي نهار جديد موصول بزمن الحضارة.. بزمن الاستقرار والازدهار والمجد، ولكن يبدو أنني فتحت نافذة بليدة.. كسولة لا تعرف معني ان يدخل فيها ضوء الصدق القادم من السفر البعيد، وكرهت لحظاتي هذه وأريد الهروب منها والاحتماء بالحب والوصال.. وذهبت إلي بيت محبوبتي ورحت أطرق باب المحبوب بطرقات كأنها عزف المغني.. وتخيلت الباب والجدار كأنهما العود والوتر، وفكرت ماذا أقول.. والقول في هذا الزمان محظور، وما يحدث حولي يجعلني أعيش الحدث بالعبث، وفشلت أن أهدي حبيبتي الكلمة الصادقة أو الكلمة الزنبقة أو اختار لها الكلمة اللائقة ولكن كيف أختار وقد يأتي النهار بالصاعقة، وأصابني اليأس عندما جاء النهار.. ورأيت زحام الناس كالرمال »تدهس« بعضها بعضا.. نعم تدهس بعضها بعضاً!! معذرة إذا جاءت كلماتي إليكم شاحبة وغامضة وباكية.. فهذا حال الوطن الآن!! إلا.. مصر!! الاثنين: مثل كل مصري أوجعه قلبه ودمعت عيناه.. كانت آمال شحاتة الشاعرة الغنائية الكبيرة تعتصم بقلمها وتلجأ إليه عله يطفئ نار الخوف علي مصر التي تعشقها وتخاف عليها ربما أكثر من أولادها وكانت النتيجة هذه الكلمات التي تستجدي فيها أبناء مصر بألا يؤذوها أو يلحقوا بها ضررا قائلة لهم: »إلا مصر« تقول: كتبت قبل الثورة كتير /وكتبت بعد الثورة كتير دلوقتي مش عارفالي دليل /ولا عارفة حتي نهار من ليل مش لاقية فارس اكتبله / ولا حتي غدار وأهاجمه كل اللي شايفاه ليل كادح / مش عارفة بكرة من امبارح دوامة وخدانا وسارحه / في بحر غويط مايته مالحة لا يروي عطشان من ظمأه / ولا ينجي سباح من غرقه دوامة شرسة وقوية / لا ليها شكل ولا هوية الثورة علي عنينا وراسنا / وحماسكوا كان هو حماسنا علشان كده رب القدرة / رفع رايتنا ونصرنا وهدفنا كان واضح وصريح / لا كان فيه ظلم ولا تجريح لكن اللي جدّ علينا جديد / مليان وعود مليان تمديد وحرق في بلادي وتخريب / لا يرضي عدو.. ولا يرضي حبيب واللي احنا حققناه من نصر / بايدين شبابك انتي يا مصر ارحموا مصر الحزينة / ارحموا القمرة الجميلة ارحموها.. وارحمونا . ده اللي حاصل مش بطولة مش بطولة تجرح حبيبتك / مش بطولة تدبح في أمك مش بطولة تخلي دمك / يجري بايدين حد منك مش يهودي.. مش عدوك / لأ ده واحد.. دمه دمك ياما شلت كتير في همه / وهو ياما شال في همك استعيذوا من الشيطان / رجعوا لمصر.. الأمان خلوا إيديكو.. كتلة واحدة قبل ما يفوت الأوان إلا مصر يا مصريين.. إلا مصر دي نور العين حديث مع »النواية« التي رفضت أن تسند الزير! الأحد: فجأة.. بلا مقدمات.. أو سابق انذار.. أعلنت »النواية« التمرد علي الظلم التاريخي الذي وقع عليها عبر العصور المختلفة.. ورفضت أن تسند الزير!!.. وأعلنت في أسباب تمردها وثورتها أن الزير كبير.. ودمه تقيل.. ومن الأنسب للزير أن تسنده »زلعة«.. وإذا احتاج إليها يلاقيها.. وكل فولة ولها »كيال« فالزير مبعجر.. وتناسبه زلعة مبعجرة زيه! .. أما أنا »النواية« الجميلة المحندقة.. والحلوة بكل المقاييس يكون مكتوب علي جبيني أن أسند الزير!!.. ليه؟!.. ليه الظلم؟!.. والزير في زماننا هذا اصبح قليل القيمة.. و»دهل«.. ويادوبك يسندوه بحمالات في الأرياف.. ويحطوا تحت منه »قلة« يشربوا منها!.. والناس لا تعرف أنها تشرب من دموع الزير.. ويتصورون أن هذا الرشح الذي ينزل منه نقطة.. نقطة.. هو ماء الزير الصافي.. ولكن الناس لم يعرفوا بعد ان الزير حزين.. ولا يكف عن البكاء بسبب شكله.. الذي يجعل كل الزلع.. وكل القلل ترفض الاقتران به.. لا في الحلال ولا في الحرام، لانه بخيل!.. وهايف.. وبياخدوا الميه منه من فوق دماغه غصب عنه، ولا يجود من مائة إلا بتلك الدموع التي تملأ »الابريق« الذي يرقد أسفله! وفي بعض الأحيان يكون »فوار«.. حتي مش قلة ولا ابريق كمان!! وتتساءل »النواية« في استنكار: لماذا كتبوا عليّ ان أظل طول عمري أسند الزير.. لما حيلي اتهد.. وأصبح لم يعد لي دور بارز في الحياة.. وخصوصا ونحن في عصر الانفتاح والحرية والتعبير عن النفس!!.. ولماذا لا أرفع صوتي وأطالب بحقوقي وأمارس حريتي في العمل المناسب لي.. فأنا مثلا أصلح لرقص الباليه.. والرقص في الملاهي الليلية.. والعمل المناسب لي أيضا ان اسند قزازة كازوزة!!.. لانها علي قدي.. ويمكن اسند ابريق.. لو قلبي مال للإبريق.. وأرفض الخدمة في البيوت.. ومساندة »القلل«!.. ولكن أقبل بذلك فقط في رمضان حيث تكون القلل القناوي في الأرياف شكلها يشرح القلب.. وعليها غطيان من النحاس اللامع.. وفي حلقها يوضع ماء الورد! كما أنني أقضي الوقت في حديث جميل مع الليمون الذي يجاورني في صينية القلل!! وبعد العيد أعود للعمل في الملاهي بعيدا عن المنازل! واختتمت »النواية« حديثها قائلة: أنا يابيه اتبهدلت واتلطمت.. ويقطع الزير.. وسنين الزير اللي انتو عاوزيني دائما أسنده.. أنا نفسي ألاقي »عدلي« بعيدا عن الزير.. وأنا نشأت في العالي ودايما تكون نهايتي في الواطي تحت الأقدام.. أنا كنت في العالي لما كنت بذرة في قلب الثمرة علي الشجرة. وأصبحت في الواطي لما تأكلوا الثمرة.. وترموا »النواية« تحت الأقدام.. نفسي أطلع من الدنيا علي خير.. وأموت داخل الأرض لأعيش من جديد.. عندما أصبح شجرة من جديد.. شجرة.. لها ثمرة.. وربنا يتوب علينا من الزير الكبير اللي هد حيلي.. أنا الصغيرة.. ووظيفتي مساندته.. وأنا مش لاقيه اللي يسندني.. وينوبه الثواب. بعيدا عن ذلك الزير.. حتي ولو كان الزير سالم. أو علي سالم!!