ما أبعد الفارق.. في حرب 65 تحولت أرض »ستاد بورسعيد« الي مقبرة جماعية لآلاف الشهداء الذين سقطوا في معركة الشرف وهم يدافعون ببسالة ويهزمون في النهاية العدوان الثلاثي علي مصر، ويكتبون نهاية اكبر امبراطوريتين استعماريتين في ذلك الوقت، ويفتحون أبواب الاستقلال لكل الشعوب المقصورة. بالأمس.. كان الشهداء يتساقطون بأيدينا، وكأن الوطن يدفع ثمن الجريمة التي ارتكبها بعض أبنائه، وكانت الثورة تطعن في آخر مكان تتوقع منه الطعنات.. في ملعب للرياضة، وفي مدينة تعشق الكرة وتعرف جيدا معني التضحية من أجل الوطن. هذه جريمة مدبرة بلا أدني شك.. فجمهور الكرة في بورسعيد يعرف قيمة الفوز الذي حققه فريقه في المباراة، والمفروض ان يبدأ مع صفارة النهاية في الاحتفال بهذا الفوز.. فمن هؤلاء الذين انطلقوا فجأة وفي ثوان معدودة، ليملأوا ساحة الملعب ويطاردوا لاعبي الاهلي الذين أفلتوا بأعجوبة ليتحولوا بعد ذلك الي مدرجات المشجعين ويبدأون المذبحة؟ انها جريمة مدبرة. ولايمكن التعامل معها بعيدا عن مناخ يبدو الاخلال بالامن فيه هدفا تسعي اليه القوي المعادية للثورة والمتآمرة علي الوطن. وليست مصادفة أن تتوالي حوادث السطو المسلح علي البنوك والمنشآت الاقتصادية، وأن تتوقف حركة القطارات والبواخر، وان يتم التهديد يحرق مؤسسات واقتحام أخري. التقصير الأمني واضح في تأمين المباراة وحماية الجمهور. لكن التقصير الاكبر في مذبحة بورسعيد وفي كل الجرائم الاخري التي ذكرناها هو في اجهزة جمع المعلومات التي تمنع الجريمة قبل وقوعها والمشكلة الابعد اثرا هي في اداء حكومي علي مدي عام أدي الي استمرار الانفلات الأمني، ولم يعرف كيف يفرق بين ماهو من فعل الثورة، وماهو من فعل الفوضي! هذه جريمة مدبرة بلاشك، لكن الجريمة الأكبر هي ان نتعامل معها بنفس التراخي الذي تعاملنا به مع جرائم كبري وقعت في الشهور الماضية، أو ان نتوه في بحر من الاتهامات المتبادلة، أو ان يبقي »اللهو الخفي« هو سيد الموقف! بالأمس وقبل المذبحة كتبت اطالب كل اجهزة الدولة بالتحرك السريع لمواجهة الانفلات والفوضي قبل ان تؤدي بنا الي الكارثة. لم أكن أدري أن الكارثة ستداهمنا بعد ساعات علي ستاد بورسعيد وسيسقط العشرات من شبابنا ضحية المؤامرة من جانب والتقصير من جانب آخر، لم تعد القضية الآن ايقاف الدوري او الغاءه. فليذهب الدوري في ستين داهية، ولتذهب الكرة الي الجحيم.. اننا أمام ثورة يتم اغتيالها، ووطن يتم ادخاله بتدبير محكم في دائرة العنف الجهنمي! التصدي الحاسم للعنف الاجرامي، وفرض القانون واستعادة هيبة الدولة، وكلها مهام لم يعد ممكنا التهاون فيها، والا فإن مذبحة بورسعيد لن تكون الا البداية علي طريق تغمره الدماء وتملؤه الضحايا. رحم الله شهداءنا وحمي مصر مما يدبر لها.