تصوروا لغبائهم ودفين حقدهم أنها وقد تعثرت مسيرة الثورة في المرحلة الانتقالية بفعل أكثر من فاعل تكاد تلفظ أنفاسها، ومنهم من تأهب لتشييع جثمانها ومن ثم انتهاء أزمتهم ومحنتهم التي فجرتها في 52 يناير 1102 لقد كانوا مطمئنين تماما إلي ما تصوروه، وساعدهم في ذلك استجابة بعض الذين أضيروا من الاعتصامات، والمليونيات، وكانوا مطمئنين لأن ذيول وفلول النظام السابق البائد مازالوا في مواقعهم التنفيذية المؤثرة ويتحركون كما يشاءون لتوجيه الضربة بعد الضربة للثورة والثوار بأمل أن تكون الضربة القاضية، وكانوا مطمئنين لأن البلطجية والمجرمين الذين يستأجرونهم ينجحون أحيانا في اثارة الفوضي والرعب، وكانوا مطمئنين إلي مساندة قوي اقليمية ودولية ترفض ثورة مصر ونهضتها. لكن المفاجأة صدمتهم وكشفت زيف وخيبة اطمئنانهم عندما حان موعد ذكري مرور أول عام علي انطلاقها، وبدلا من أن يشهد الاربعاء الخامس والعشرون من يناير 2102 انفجار الفوضي والدمار الشامل اعلانا عن نهايتها، تدفق الملايين من شباب وشيوخ ونساء واطفال علي ميدان التحرير وبقية ميادين الثورة ليعلنوا بأعلي صوت أن الثورة لم تمت كما تصوروا، بل انها جددت دماءها، وأكدت حتمية استكمال أهدافها التي تستأصل جذور النظام البائد حتي تنطلق مصر علي طريق الحرية والبناء والتنمية والتقدم. هكذا صدمتهم المفاجأة، وبدلا من أن يواجهوا الواقع تشبثوا بآخر بصيص من الأمل في نجاح مخططاتهم، وتحركوا بأقصي سرعة لاثارة أكبر قدر من الفوضي، فدفعوا العصابات المسلحة لارتكاب جرائم متلاحقة، وشجعوا البعض علي قطع الطرق وضرب السياحة باغلاق هويس قنا، ثم كانت المذبحة الرهيبة التي شهدها »استاد بورسعيد«، ليسقط الشهداء والمصابون بصورة مأساوية هزت المجتمع كله، وبالمناسبة حدث ذلك في نفس اليوم الذي حدثت فيه »موقعة الجمل«، في العام الماضي، ويخطيء من لا يربط بين التاريخين اللذين لعب فيهما »الطرف الثالث« لعبته الخطيرة الحقيرة! حين ينقلب السحر علي الساحر!! المؤكد أن ردود الفعل الجماهيرية الغاضبة لما حدث في استاد بورسعيد وما سبقه من أحداث اجرامية خطط لها أعداء الثورة في الداخل والخارج، قد أكدت الأهمية القصوي لتحقيق بقية أهداف الثورة، وفي المقدمة منها المحاكمة العادلة والناجزة والحقيقية لاركان النظام السابق، واستبعاد ذيولهم من المواقع التي مازالو يشغلونها ويستخدمونها ضد الثورة وضد الوطن، ولعل ما جري في الجلسة الطارئة لمجلس الشعب يجسد هذا التطور المهم في مسيرة الثورة حيث أجمع كل النواب علي محاسبة من قصروا أو تقاعسوا، كما أجمعوا علي حتمية انهاء مهزلة المحاكمات التي استهلكت وقتا غاليا من عمر الثورة، واتجهت التهم فيها نحو قضايا تافهة لا عقوبة فيها إلا بالنزر اليسير، ولو انهم حوكموا، بجرائمهم في حق الشعب والوطن، وبالسرعة الواجبة لما تعثرت المسيرة ولما سقط المئات من الشهداء والآلاف من المصابين. اطمئني يا مصر فسوف ينقلب السحر علي الساحر وتنعمين بثورتك النبيلة.