كان النظام الفاسد البائد يكره أن يفرح المصريون، فإذا استبشر الناس خيرا بأمر ما، سارع رأس النظام وإعلامه إلي إظلام الدنيا والمستقبل، قائلا بلسان الحال "متفرحوش .. سنينكوا اللي جاية سودة"، والآن مازال هناك من تربي في هذه المدرسة الكئيبة، يتألم عندما يجد الناس سعداء، ويبحث عن كل ما ينغص عليهم حياتهم، فالثورة كما يري لم تحقق شيئا، فلماذا نفرح!. لماذا يحاول البعض قتل الأمل في نفوس الشعب، وزرع اليأس والإحباط بين الناس، والنظر إلي كل إنجاز علي أنه لا يستحق، بالتأكيد هناك قضايا تأخر الإنجاز فيها، وأخري تسير في طريق الإنجاز، لكن هناك أهدافا مهمة تحققت، وأصبحنا نسير في طريق واضح المعالم، تنتهي فيه انتخابات الشوري في فبراير الجاري، وتتشكل لجنة الدستور في مارس، ويبدأ قبول أوراق الترشيح لرئاسة الدولة في أبريل المقبل، وتنتهي الفترة الانتقالية قبل نهاية يونيو القادم بمشيئة الله. هناك أيضا من يحاول التشويش وإثارة الغبار علي هذه اللحظة التاريخية الجميلة، التي رأينا فيها أولي جلسات برلمان الثورة، وتابعنا بفرحة وشوق وأمل هذا الصنف الجديد من نواب الشعب، الذين خرجوا من رحم "ثورة التحرير" العظيمة، وتجمعوا من أعماق المجتمع المصري، في أول انتخابات حرة ونزيهة في تاريخنا كله، حظيت بأكبر مشاركة مجتمعية شهدتها البلاد منذ أكثر من ستين عاما، والهدف كما قلت هو قتل الأمل في نفوسنا، وزرع اليأس في قلوبنا من المستقبل. لقد شهد الأسبوع الماضي، في أثناء احتفالات العيد الأول لثورة 25 يناير، محاولات خبيثة لزرع الفتنة وإشاعة الفوضي وزيادة الاحتقان وإرباك الدولة، تقودها حركات وتيارات وشخصيات ورموز مصنوعة، وفضائيات وأجهزة إعلام فاجرة، يتلقي معظمها تمويلا أجنبيا مكشوفا ومدانا لتخريب الوطن، عبر مؤسسات وأجهزة تضخ الأموال والدعم الإعلامي لإفساد المشهد السياسي الحالي، والعمل علي إهدار مؤسسات الدولة، لإدخال الوطن من جديد في دوامة الفوضي واليأس. هذه الحركات والتيارات والشخصيات المصنوعة والمزيفة، التي أعتقد أنها فقدت مستقبلها السياسي إلي الأبد، فشلت في إقناع الناس بشعاراتها وأهدافها ورؤاها، واكتشفت صعوبة بل استحالة بقائها في الميدان السياسي الحقيقي، وكيف أن المناخ الديمقراطي والحرية، التي بدأ الشعب ينعم بها في الانتخابات الأخيرة، سوف تقضي علي طموحاتهم، فحاولت النيل من الوطنيين الشرفاء، وتجريح المخلصين الأبرياء، وتشويه الجنود الأوفياء، لكن الشعب المصري الواعي يدرك الحقيقة. بكل وضوح أسأل: ما هو هدف حركة "6 أبريل" الآن؟ وما هو هدف حركة "كفاية" كذلك؟ وما هو هدف تلك التيارات والحركات والمنظمات الأخري، التي تتحرك في الساحة السياسية حاليا؟ أنا لا أتحدث عن الماضي، فهذا له قدره وقيمته لمن تحرك لمصلحة الوطن، لكني أتحدث عن الحاضر والمستقبل .. إن كانت هذه حركات سياسية، فالباب مفتوح أمامها لإنشاء أحزاب سياسية تخضع للقانون وتقدم للناس برامجها وتخوض الانتخابات أما أن تترك هكذا دون محاسبة فهذا مرفوض. مطلوب من حكومة الدكتور كمال الجنزوري وبسرعة أن تواجه حالة الفوضي التي نعيش فيها الآن، من خلال تفعيل القانون وحفظ الأمن، وعدم سماح أجهزة الشرطة بأي تجاوز للقانون، حتي يشعر الناس بأن مصر دولة لها كيان يجب احترامه. ومطلوب من المجلس العسكري، الذي اجتاز بنا أهم مرحلة حتي الآن، أن يدعم تنفيذ القانون، وألا يرضخ للضغوط الخارجية التي تتضامن مع حالات الفوضي تحت ذرائع واهية، ومطلوب من الشعب أن يكون أكثر يقظة في مواجهة ما يحاك لنا من مؤامرات.