كشفت الانتخابات البرلمانية الاخيرة عن رغبة جارفة لدي عموم أطياف الشعب المصري في المشاركة الفاعلة في رسم معالم خريطة مصر السياسية وارساء مبدأ التعددية الحزبية من خلال ذلك الاقبال الكثيف علي عملية الاقتراع. وهو ما يعكس بدوره وعيا كاملا بخطورة المرحلة المقبلة وادراكا عميقا لاهمية الصوت الانتخابي في احداث عملية التحول من عالم الديمقراطية الافتراضية عبر المواقع الالكترونية الي الديمقراطية الواقعية عبر العملية الانتخابية. بعد عقود عدة عاني خلالها من احتراقية ممنهجة لتزييف ارادته أسفرت عن برلمانات غير شرعية لا تمثل جموع الناخبين. انحسر دورها في اصدار القوانين سيئة السمعة والتي أفسدت الحياة السياسية ودمرت الاقتصاد القومي وتخلت عن دورها الرقابي في مواجهة السلطة التنفيذية من وزراء ورؤساء هيئات، بل واتخذت موقفا مساندا للنظام الديكتاتوري البائد في تثبيت دعائم حكمه المستبد. وازداد الامر تعقيدا من خلال تلك الديمقراطية الشكلية التي كانت تمارسها بعض احزاب المعارضة الكارتونية والتي اقتصر دورها الرئيسي علي اسباغ الشرعية الصورية للنظام السابق من خلال معارضة هزلية كانت تصل في بعض الاحيان الي حد التأييد والمناصرة له في بعض قضاياه واستمرت في اداء ذلك الدور حتي فترة ما قبل التنحي. كان ذلك في مقابل بعض مقاعد البرلمان التي تمنح اليهم وتمثيلهم في حضور بعض الاجتماعات والاحتفالات الرسمية. ورغم الاشادة المحلية والدولية بنزاهة تلك الانتخابات الاخيرة الا ان بعضا من مدعي النخبة ورموز الاحزاب الساقطة والتي عجزت عن لعب اي دور ابان حكم النظام السابق قد فشلت في تحقيق اية مكاسب سياسية أو اجتماعية بعد الثورة فلم تجد سبيلا لتعويض ذلك الفشل سوي توجيه سهام النقد اللاذعة الي القوي الناجحة لقدرتها علي الحشد وتواجدها في الشارع المصري متفاعلة وفاعلة مع قضاياها. وهو قول باطل لا يصدر الا عن اشخاص بعيدين كل البعد عن المواطن وما يعانيه من مشكلات وماهية كيفية التفاعل معها لاسيما وقد عجزوا عن تجميع خمسة الاف شخص لتأسيس احزاب رسمية تمارس العمل السياسي من خلال كيان قانوني معترف بما له من حقوق وما عليه من التزامات. وأحزاب أخري فشلت في نيل شرف التمثيل الشعبي داخل البرلمان حتي يتسني معرفة الوزن النسبي لها في الشارع المصري وتفرغوا لامتطاء الفضائيات التي تتخللها اعلانات الزيوت والصابون تاركين لشباب الثورة مهمة استكمال مسيرتها والتعرض للنقد والاعتداءات بميدان الثورة وعندما ارادوا النزول اليه مرة اخري لاحتساء جرعات ثورية وتدعيم تواجدهم علي الساحة الاعلامية كان نصيبهم القدر الوافر من الضرب والطرد فخسروا الشارع والميدان. أولئك الذين نسوا أو تناسوا ما قدمته التيارات الدينية من تضحيات باهظة لعقود عدة بالانفس والمال في مواجهة طغيان واستبداد النظام البائد فمنهم من أمضي زهرة شبابه في سجونه وآخرون قضي نخبة خلف أسوارها فبدلا من مدحهم تفرغ أولئك لقدحهم وكأن تواصلهم مع المواطن وارتباطه بهم وثقة الشارع فيهم ذنب يتعين الاستغفار منه أو جريمة يلزم التبرؤ منها. إن الديمقراطية الحقيقية هي الاقرار بأن الشعب هو مصدر السلطات والنزول علي ارادته واحترامها باعتباره صاحب القول الفصل ولا يحق لاحد التشكيك في خياراته او محاولة النيل منها. علي تلك القوي الرافضةان ترضخ لارادة جموع الناخبين وتضع مصالح مصر العليا وأمنها القومي واستقرارها السياسي فوق المصالح الشخصية وتتوقف عن عمليات التشكيك واثارة الفتن واشاعة الفوضي في الشارع السياسي. وتتفرغ للبحث عن اسباب خسارتها دون انزواء وتدعم تواجدها مع المواطن تستشعر معاناته وكيفية علاجها. تتنازل عن خطاب الاستعلاء والادعاء بان الله قد اختصهم دون غيرهم بنعمة العقل وحب الوطن لان مصر ملك الجميع وشعبها قادر علي تحديد مصيره وفق ما يمليه عليه عقله وضميره. علي تلك القوي الرافضة ان تقف الي جانب ارادة الناخبين تدعهما وتنتقدها من اجل ارساء دعائم الديمقراطية وتهيئة المناخ المناسب حتي يتحقق الاستقرار السياسي وتدور عجلة التنمية قدما لأن مصر فوق الجميع.