هل انحسر دور الأزهر عما كان عليه من قبل عبر مئات من السنين تخلل فيها العالم روحياً وفكرياً وترك آثاره العظيمة تعمل بقوة تأثير ناعمة آسرة أحب فيها الناس بجميع طوائفهم ومعتقداتهم روحه السمحاء، ووسطية أفكاره التي تقبل الآخرين وتحميهم وتحفظ عليهم آدميتهم وما يعتقدون دون ماسس بكرامتهم وحقوقهم في الحياة، أليس الأزهر هو روح الإسلام المعبرة عن حقيقته وجوهره وتأكيد انتماء البشر جميعاً لخالق واحد، خلقهم من نفس واحدة وأراد لهم التنوع فبث منها رجالاً كثيراً ونساء، وجعلهم شعوباً وقبائل ليتعارفوا، وجعل التقوي هي مقياس الاقتراب أو الابتعاد عن حضرته العلية وسنته الخالدة في هذا الكون، فلقد أثار هذا السؤال شجوني ومهد في نفسي سبيلاً إلي منازعة الأمر الجلل الذي تتعرض إليه مصر بلد الأزهر إلي هذه المؤامرة الخطيرة من جهة معادية لا شك، فيها شبهات متكررة من مثل هذه المؤامرات للعبث بأمن مصر وضرب استقرارها وتهديد مصالحها العليا بشكل مستمر حتي لا يهدأ لهذا الشعب بال. أما اليد التي تتحرك بهذه الأفاعيل وإن تعددت فهي اليد التي طالما كانت مصر عبر الأزمان آخذة بها ومؤازرة لها، ودافعة بها إلي الأمام، حباً وواجباً ودفئاً لأشجان وشائج تصل إلي أعماق القلوب فتؤلفها وتزكيها، نعم تشابكت المصالح والقربي إلي حد لا يدع مجالاً لأي دخيل مهما كان أن يعبث بالعقل والوجدان في آن واحد، ثم امتد الأزهر إلي هذه الأماكن القصية ليدنيها ويثبت أرجاءها بمشاعر الأخوة وفكر السماحة المتصل الذي يجذب الآلاف من أعماق أفريقيا الحبيبة إلي صحنه في قلب القاهرة حيث مدينة البعوث، التي تموج بالمبعوثين من طلبة العلم، الباحثين عن الحقيقة في تراث الإسلام بين ربوع الأزهر وبلده الطيب، فهل وسط هذه الأمواج العاتية التي تضرب العالم منذ اندلاع العولمة، واستعداء الغرب كل شعوب الأرض علي الإسلام، وإقرانه بالتطرف والإرهاب، هل كان ذلك سبباً مباشراً في تراجع الأزهر وتحول دوره إلي مجرد مفرخة لأعداد دون أن يصبح لها تأثير حقيقي في أوطانهم أو بين أهليهم علي أقل تقدير حين يعودون، ويحملون من الأزهر علمه وعبقه وأنسامه الفياضة في أجواء خانقة يلبدها الدخان الملوث من أفكار خبيثة، لا أدري لماذا تقف هاتان الفكرتان الآن محل شك في نفسي وأنا أري أن دور الأزهر، لو كان في أثره الحقيقي ومفعوله المنطقي منذ سنين طوال لأغنانا اليوم عن كثير من تقلبات السياسة ومناورات الأعداء، والإحباط المفاجئ عن تقصير الدبلوماسية في بعض المواقف الحرجة، دعوني أجزم أننا جميعاً، كان لدينا فكرة مسبقة منذ وقت ليس بقصير عن أن الأعداء يدبرون لنا شيئاً يأتينا من تحت أرجلنا ومن خلفنا وأن أي اتفاق سلام لا يمنعهم أبداً من الاجتراء المستمر لتقييد مصر وإضعاف قوتها وإزهاق هيبتها، هي محاولات ولكن عندما تصبح بهذا الشكل الفاضح فليس من مجال إلي المواجهة وعدم التهاون، المواجهة بنفس الأسلحة التي تستخدم من وراء ستار وتحت ليل داج، إني أتساءل وأطمع في ذات الوقت، لماذا نتأخر في إعادة هذا التيار الناعم إلي الإنسان الافريقي، حيثما يكون، وأن نمد له من روحنا وجزالة استثماراتنا البشرية والمادية لنجذبه إلي أحضان أمه ها هنا في أرض الكنانة وثراها الطاهر بأقدس القيم، وأعظم الشيم، وخلاصة الدين والدنيا، وأطمع أن يعاود الأزهر نظرته التي هي قرينة هذا المد المنتظر بعد أن تولي أمره شيخ منفتح يعرف لهذه الأمانة ثقلها، وينزل الوطن في نفسه منزلة الحصن الباقي لحفظ الأزهر وعلومه الأصيلة، آن لنا أن نكثف اليد الحريرية للأزهر لفتح طريق جديد إلي هناك حيث منابع النيل، ومنابع الأمل في أن تبتر ذراع المؤامرة، ونبث هذه الشعوب شيئاً مما أفاض الله به علي الكنانة بأزهرها الشامخ العظيم.