لقد أثبت التاريخ ان " الكذب " صناعة ازلية تحولت مع الزمن لأهم تجارة عالمية في مجال السياسة والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية ، ولهذا ركزت الديانات السماوية وغير السماوية علي نبذ "الكذب " واعتباره خطيئة تستوجب التطهير والتطهر ، لكن يظل الكذب سمة انسانية تجعل البعض يغيب ضميره عند استخدام خام الكذب في انتاج منفعة أو قضاء مصلحة أو ممارسة هواية الوشاية والوقيعة ، نبرر " خيبتنا " بما يقولون عليه " كذبة بيضاء " ، ونحن ندرك ان الكذب كذب ، لا يوجد فيه كذبة بيضاء واخري سوداء . كذبت اجهزة المخابرات علي الرئيس جورج دبليو بوش عندما قدمت له تقارير كاذبة بامتلاك العراق لاسلحة دمار الشامل ، وكذب الرئيس علي العالم عندما اتخذ من تلك الفرية ذريعة لخوض حربه علي العراق ، وكذب الرئيس صدام علي شعبه والعالم عندما توعد بصلب الامريكان علي اسوار بغداد وكان اول الفارين وبقية القصة معروفة ! كذب بوش عندما اعلن انه مبعوث العناية الألهية لإنقاذ العالم من الاشرار ، وكذب بن لادن ايضا عندما أعلن ان جهاد القاعدة في سبيل الله ضد امريكا والغرب الكافر ، وهو الذي وضع يده في يد امريكا الكافرة التي استخدمته ليحارب نيابة عنها لاخراج القوات السوفيتية من افغانستان ، بعدها انقلب السحر علي الساحر لأن كلا منهما كان يكذب علي الآخر . كذبت منظمة الصحة العالمية علي العالم كله عندما صورت انفلونزا الخنازير علي انها وحش كاسر ووباء سوف يحصد الملايين من البشر ، لتستفيد شركات انتاج المصل والادوية من تلك الفرية ويكتشف العالم انه كالصعيدي الذي اشتري الترام ، تذكرني تلك الفرية بالكذبة الصغيرة التي كان يمارسها عم محمود زمان عندما كان يبيع للناس زجاجات مياه صغيرة يدعي انها " شربة عم محمود التي تقضي علي الدود " ، نفس الكذب الذي حقق من ورائه احد المعارف ثروة كبيرة من تجارة عسل النحل المغشوش ، عندما نجح في اختيار طاقم من الكذابين الذين روجوا لعسله الذي تم إنتاجه بلا نحل أو خلايا، أنتجه في منزله، باستخدام نكهة العسل المركزة وصبغات الألوان ، كذب في شكل غش تجاري لا يختلف كثيرا عن كذب وعود المرشحين بعد فوزهم في الانتخابات ، أو كذب التصريحات الوردية التي يطلقها المسئولون والتي تبدأ دائما ب " سا سوف " ولا يتحقق منها شيء في ارض الواقع ، وما اروع الكذب الذي لا تستطيع ان تمسك به عندما تصل لمسامعك ميزانيات المنجز بالارقام . يكفي ان تجلس ساعة واحدة امام التلفاز لتكتشف بنفسك الكذب الفاضح الذي تروجه الاعلانات ، أو ما تسمعه من اراء وتصريحات مناقضة لتصريحات اخري لنفس المسؤول الذي يدرك ان الناس لا تتذكر ما قيل أو مافات . يا عزيزي كلنا كذابون ، وانا منكم ، لأني امارس الكذب عندما اضطر لمجاملة البعض قائلا " انت تأمر.. من العين دي والعين دي " ، وسامعي لا يعرف اني محتاج لعملية ازالة مياه بيضاء في كل عين منهما !