جاءت العناوين منفلتة زاعقة " البرادعي سقط سياسياً قبل أن يسقط أبوعلاء، حمدين صباحي راقص سياسي بدرجة فاشل، علاء الأسواني سليط اللسان في ميدان الثورة، مظهر شاهين بهلوان بعمة وقفطان، ممدوح حمزة مسئول السندوتشات والبطاطين في صفوف الثوار" وغامت في عيني وذهني الحروف والكلمات ولم استطع متابعة باقي العناوين والمانشيتات في ملف " وجوه في الميدان" علي مساحة ثلاث صفحات في جريدة "الميدان" الأربعاء الماضي. وكمن يشعر بالذنب نحيت الجريدة جانباً وتمنيت لو باستطاعتي أن أنزع عنها صفحتها الأخيرة حيث مقالي "الانبثاق من العلم والشعر إلي السياسة والثورة"، فأي سياسة تلك التي تشوه طلائع الثورة وأي قيمة لشعر لايحتفي برموز الوطن وأشرف أبنائه؟ وأي " ميدان" هذا الذي يتجاسر علي النيل من قامات وطنية هي القيمة المضافة الباقية لوطن استباحت حرماته جحافل مغول الظلام والتخلف وانتهازيي عصر الرداءة وتصحر الفكر والوعي وتآمر حكومات الخيبة والعار ومغامرات جنرالات راهنوا بكل مايملكه الوطن من مقدرات علي حصان خاسر جامح حسبوه حائزاً قصب السبق وآت بما لم يستطعه الأوائل، ويالها من مغامرة محفوفة بالمخاطر عالية الكلفة علي مستقبل وطن تلاعب به الهواة والمغامرون. وهنا شعرت بالأزمة، أزمة أن تكون في غير مايناسبك من موقع وموضع، وأزمة أن تكتب في جريدة تحترمها فإذا بها تغتال بدم بارد رموز الثورة، أزمة أن تكون شاهد زور في ساحة النضال الوطني فإذا بك تؤثر السلامة وتهرب من الاشتباك مع واقع ملتبس ورؤي غائمة وشباب يأخذهم حماسهم وربما قلقهم علي مآلات الثورة ومساراتها إلي حيث اتهام الكل وإدانة الجميع، فلم تفرق أفكارهم وأقلامهم مابين ثائر ودعي ومابين راقص وسياسي ومابين مناضل وانتهازي، ولهم العذر فقد تشابه علينا البقر في سيرك التصريحات والتهويمات والعنتريات والإدعاءات، فصور لنا البعض ممن عادوا الثورة أو حذروا منها أو تشككوا فيها أو ترددوا عن المشاركة حال قيامها أو كفروا خروجها علي الحاكم أنهم الدعاة والملهمون والأبطال وقاموا بخصخصة الثورة لحسابهم وتخرصاتهم بأموال وفرص أغدقها عليهم تحالف الرجعية العربية والترصد الإسرائيلي الأمريكي وغفلة الجنرالات ليجعلوا من الثورة برامج ومسلسلات حصرية قاموا فيها بامتهان ثوابت النضال وآفاق المقاومة وطموحات الشبان الحالمين بالحق والعدل والحرية. ولم يكفهم ذلك بل غالوا في تشييء دماء الشهداء وتضحيات الثوار وحولوا حتي نور عيونهم أسهماً وسندات في بورصة انتخابات فيها من الانتهازية والتزييف والهدم أكثر مما فيها من الديمقراطية ومطالب الجماهير ومحاولات البناء. هل أسكت علي كل هذا لمجرد قناعتي أن أحمد صقر رئيس تحرير الميدان شاب مؤدب متطلع وصحفي موهوب يحاول تقديم تجربة جيدة لصحافة جادة؟، هل لأنه أعطانا بكرم صفحة كاملة ننشر فيها إبداعات شباب الجمعية الوطنية للثقافة والتنوير نسكت علي هذا؟ هل نغض الطرف لأن الذين حرروا ملف "وجوه في الميدان" شبان مخلصون لم تلوثهم الأيام ولم يتعلموا بعد كيف ينافقون السلطة فيغتالون الأبطال والمناضلين لمجرد أنهم يقفون في خندق يعادي عسكرة الثورة وإجهاضها؟. هل نمضغ ألسنتنا ونبتلع آراءنا ونخفي مواقفنا ونؤثر السلامة؟ لا والله مافعلناها من قبل ولن نفعلها أبداً، وسنظل قابضين علي جمر الحق والوطن ما حيينا، ولن نخون دماء شهدائنا وتضحيات شبابنا في ميادين التحرير ولن نخذل أبطال جيلنا عاطف جلال واحمد عبدالله رزة ومحمد عباس وغيرهم ممن قصفت معارك الوطنية وهمومها أعمارهم الشابة، ولن نخذل أبناء جيلنا حمدين الصباحي وعلاء الأسواني وعبدالحليم قنديل ومن جايلونا وزاملونا في النضال الوطني عبر عصور التفريط والتبعية والانتهازية وجميعهم دفعوا الثمن ولازالوا يدفعون، أنا لن أخذل جمال فهمي وإبراهيم عيسي ومحمد حماد ووائل الإبراشي وعماد الدين حسين وطارق النبراوي ووائل عبد الفتاح وصولا إلي جيل مجدي الجلاد وبلال فضل وعمر طاهر ومجدي عيسي وأحمد حلمي ومعتز أبوعبدالله وأحمد قدري وأحمد سعيد وفرح خالد وأمل جابر وكل أجيال الجمعية الوطنية والهم العام. يا أستاذ أحمد صقر كان الأولي بالميدان وصحفييه من الشبان المخلصين ألا تطيش سهامهم ونيرانهم الصديقة لتصيب البرادعي والصباحي والأسواني وغيرهم من شرفاء الوطن بينما كان ينبغي محاكمة الانتهازيين والمتربحين من الثورة الذين تجاسوا علي سرقة جهد الثوار ووقفوا يسدون عنهم نور الشمس وينافسونهم في دوائرهم، أولئك الذين لم تهتز لهم قصبة وهم يعملون في الشارع ضد حفنة من أنبل شباب الثورة من أمثال زياد العليمي وعبد الرحمن الجوهري وخالد تليمة وخالد السيد ومصطفي النجار وأحمد شكري وأسماء محفوظ وغيرهم من شباب الغضب والثورة. ياحمدين يابن جيلي أنت وعلاء الأسواني لاتجزعا إنها ضريبة الوطن ولقد تحملناها جميعا مدي سنوات عمرنا ومنذ بواكير الصبا، ياحمدين لازلت أذكرك ومعنا عاطف جلال ومحمد عباس وعبدالرحمن عبادي ونحن ننشد مع العم أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام رجعوا التلامذة ياعم حمزة للجد تاني، يامصر إنت اللي باقية وانت قصد الأغاني، لازلت أذكرك ونحن ننشد كلمات زين العابدين فؤاد: اتجمعوا العشاق في سجن القلعة، اتجمعوا العشاق في باب الخلق والشمس غنوة من الزنازن طالعة ومصر غنوة مفرعة في الحلق، ياحمدين لازلت أذكرك ونحن نهتف في مظاهرات 18 و19 يناير 77: آدي مصر ياللي شككتم في مصر، ياللي أفتيتوا الفتاوي في حقها مالهمش حصر، طالعة تعلن علي الملأ كلمتها مصر، لا العساكر أو قنابل يمنعوا أو أي قصر، آدي مصر. يا حمدين يا أسواني يابرادعي وياكل الثوار أهديكم كلمات العم عبد الرحمن الأبنودي ففيها اختزال للحظة وتشخيص للمحنة وتنبؤ بالقادم من الثورة: عدّي النهار والمغربية جايّة تتخفّي ورا ضهر الشجر، وعشان نتوه في السكة شالِت من ليالينا القمر، وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها، جانا نهار مقدرش يدفع مهرها، يا هل تري الليل الحزين أبو النجوم الدبلانين أبو الغناوي المجروحين يقدر ينسّيها الصباح أبو شمس بترش الحنين؟ أبداً بلدنا ليل نهار بتحب موّال النهار لما يعدّي في الدروب و يغنّي قدّام كل دار. دكتور محمد السعدني