أجمل ما في انتخابات المرحلة الأولي، بالإضافة إلي هذا الإقبال الرائع من كل الأعمار والمستويات علي صناديق الانتخاب، الذي وصل إلي أكثر من 62٪ لأول مرة، هو أن الشعب المصري عبر عن نفسه بكل حرية ونزاهة وإصرار، وشعر كل مواطن لأول مرة بحريته وكرامته ومسئوليته، وحقه في أن يشارك مع الجميع في بناء وطنه وصنع مستقبله. فهنيئا لكل من شارك في صنع وحراسة هذا العرس الوطني الجميل، ودعم هذه الروح المتوقدة، وبناء هذا الأمل في المستقبل، سواء من أعضاء المجلس العسكري ورجال الجيش، أو من رجال الشرطة المخلصين الأوفياء، أو من السادة المستشارين وأعضاء الهيئات القضائية، أو من السادة الموظفين والمعاونين، أو من رجال الأحزاب والقوي السياسية، أو من جمهور الناخبين في هذه المحافظات التسع، فمصر في النهاية هي التي انتصرت، وبدأنا في بناء مؤسساتنا الوطنية. وهنيئا للإخوان المسلمين وحزبهم السياسي "الحرية والعدالة" علي ثقة الشعب المصري، هذه الثقة التي جعلتهم يتصدرون المشهد السياسي العام بلا منازع، ويحصدون نحو 40٪ من أصوات الناخبين الأحرار، بعد سنوات من المعاناة والقهر والظلم والإقصاء والتهميش والحرب القذرة، وأعتقد أن هذه النسبة الكبيرة من أصوات المصريين، والتي أتوقع زيادتها في المرحلتين الثانية والثالثة، هي رد اعتبار وتقدير من الشعب الحر، الذي قدر معاناتهم وما تحملوه في سبيل الوطن. وهنيئا أيضا للتيارات السلفية وحزبهم "النور"، الذي نافس بقوة للفوز بالمرتبة الثانية، وحصل علي نحو 25٪ من أصوات هذه المرحلة، رغم حداثة مشاركتهم في العملية السياسية، وقلة خبرتهم في آلية الانتخابات، لكنهم انحازوا إلي الشعب وتواجدوا بين أفراده في المدن والقري والنجوع، فانحاز لهم الشعب وأعطاهم ثقته، وأتمني أن تتوافق الأحزاب والتيارات التي تنتمي إلي الرؤية الإسلامية علي أهداف واضحة للمرحلة، لأن هناك الكثير من المتربصين في الداخل والخارج. أما التيارات العلمانية واليسارية والماركسية، فقد منيت بخسارة هائلة في المرحلة الأولي، ربما هي الأكبر والأخطر منذ مائة عام، وانكشفت قوتها الحقيقية علي الأرض، وظهر واضحا حجم قبولها الجماهيري، ولا أتوقع أن تعوض هذه الخسارة في المرحلة الثانية أو الثالثة، ولعلها أدركت أنها لم تجن من تعايشها مع الاستبداد السابق واستقوائها به سوي فقد الشرعية الشعبية، وتضاؤل فرص بقائها واستمرارها في المستقبل، بعدما اعتمدت علي شرعية الصالونات والميكروفونات. وحصد حزب الوفد الجديد نتائج سياساته وما جناه قادته في الفترة الأخيرة، فلم يفز بأكثر من 11٪ من أصوات الناخبين، وهذه النتيجة لا تليق بحزب كبير، وهي الأسوأ علي مدي تاريخه العريق، وسبق أن قلت في هذا المكان إن مواقف وتصريحات قادة الوفد سوف يدفع الحزب ثمنها في الانتخابات المقبلة، وعلي رأسها مطالبة رئيس الحزب باستمرار الحكم العسكري، وكانت وثيقة السلمي هي قاصمة الظهر، وأدرك الكثيرون من شعب مصر أن الوفد الآن يسير بلا مبادئ. لقد كان خروج كافة أطياف الشعب المصري، نساء ورجالا وشيوخا وشبابا ومرضي وأصحاء، بهذه الحماسة والإصرار والكثافة والانضباط، في ظل ظروف المطر والبرد القارس والأوضاع المعيشية الصعبة، ووقوف الجميع ساعات طويلة بلا ضجر أمام اللجان الانتخابية، أبلغ رد علي تلك المزاعم التي شككت في جدوي إجراء الانتخابات في الوقت الحالي أو أن الشعب غير جاهز الآن للديمقراطية، وهي المزاعم صدعوا رؤوسنا بها، وبأنه لا يمكن حماية الانتخابات وتأمينها. لقد انتصرت مصر الثورة، وبدأنا نجني أولي ثمار هذه التضحيات الغالية، التي أبدا لن تذهب سدي.