ما إن أعلنت نتيجة المرحلة الأولي من الإنتخابات البرلمانية حتي أسرع المحللون السياسيون إلي صبغ البرلمان القادم بالصبغة الإسلامية رغم أن المرحلتين الثانية والثالثة ربما تغير موازين الأمور وفي حين طرحت من جديد المخاوف من فزاعة الجماعات الإسلامية حول القضايا الخلافية مثل ولاية المرأة والأقباط والسياحة وفوائد البنوك وقوانين الأحوال الشخصية، وبدأ الإخوان المسلمون والسلفيون في التهليل والتكبير إحتفالا بانتصارهم المدوي الذي فاق كل التوقعات .. وعدلت أبواق النفاق مواقفها فبدأت تعزف مقطوعاتها الفريدة دائمة التلون فذكرونا بالظلم والتعذيب الذي عاني منه أعضاء جماعة الاخوان منذ عقود وحجم التضحيات التي قدموها وحقهم في الفوز بأغلبية مقاعد المجلس لخبرتهم في العمل السياسي الميداني وهي حقائق لا يمكن إنكارها ولكن المثير للانتباه ما بين عشية وضحاها هو تغير اللهجة الإعلامية فجأة وحجم التعاطف الزائد والتفهم لأفكارهم وعقد الآمال العريضة علي المجلس الذي سيمثلون الأغلبية فيه.. أما حالة الغزل الصريح التي تدفق شلالها فجأة فأصابتنا بالصدمة للتغير المفاجيء في مواقف شخصيات كنا نتصور أنها أكثر حيادية ! إذا كان الحال هكذا عقب المرحلة الاولي للانتخابات فكيف ستكون إذا فازوا بالأغلبية في الجولتين القادمتين ؟ لم تتوقف لجنة الانتخابات طويلا أمام التجاوزات التي ارتكبها مرشحو الجماعة في الدعاية أمام اللجان ومكاتب حزب الحرية والعدالة التي وضعت أمام كل مقر وبها جهاز لاب توب لارشاد الناخبين الي لجانهم واقناعهم بانتخاب مرشحيهم مستغلين جهل الكثيرين بالاضافة الي المواد التموينية التي جري توزيعها قبل الانتخابات بفترة ونشرت صورها بالصحف وعلي الانترنت .هذه التجاوزات لماذا تم التغاضي عنها ولم يتم منعها أثناء الانتخابات ؟ وإذا نجحوا في إستغلال الفقر والأمية في المحافظات الكبيرة كالقاهرة والجيزة فكيف سيكون الحال في الريف والصعيد والقري الأكثر إحتياجا للمساعدة ؟ أتصور أن تقوم اللجنة العليا للانتخابات بعمل تقييم عاجل وشامل لأهم التجاوزات التي حدثت بالجولة الأولي في الدعاية والتصويت والفرز الذي شابه الكثير من الفوضي وتأخير وصول أوراق التصويت للجان..حتي يمكن تلافي تكرارها في المرحلتين القادمتين إذا كنا نسعي حقا نحو انتخابات حرة لا تشوبها شائبة . مع تقديرنا للجهد العظيم الذي قام به القضاة لإنجاح العملية الانتخابية علي مدار يومين. انتخاباتنا أدهشت العالم وأشعرت المصريين بالفخر للإقبال الكبير علي التصويت بشكل لم يحدث منذ أيام الفراعنة علي حد تعبير رئيس لجنة الانتخابات - لو كان الفراعنة قد عرفوا الانتخابات ؟- فهو أول برلمان بعد الثورة يشعر فيه كل مصري بقيمة صوته ويمارس حريته في الاختيار بين العديد من الأحزاب القديمة والحديثة و بين التيارات السياسية من أقصي اليمين الي أقصي اليسار وإن لعب الاخوان والسلفيون علي وتر الدين وروجوا الشائعات حول منافسيهم . ولكن فوز بعض الليبراليين مثل عمرو حمزاوي ووحيد عبد المجيد يعطينا الأمل رغم خسارة جميلة اسماعيل وجورج اسحق . ولا ننسي أن نوجه تحية خاصة لرجال القوات المسلحة لنجاحهم في تأمين اللجان ولعل تواجدهم المكثف هو ما دعا البلطجية الي الاختفاء من المشهد الانتخابي كله لأول مرة في تاريخ انتخاباتنا مما يجعلنا نأمل في إستعادة الأمن المفقود في كل بقاع مصر. ولأن الإخوان أكثر تمرسا في السياسة من السلفيين بدأوا في إرسال رسائل مطمئنة للرأي العام ونتمني أن يستفيدوا من تجارب الأسلاميين الذين فازوا في انتخابات تونس والمغرب ووضعوا التنمية علي رأس أهدافهم ولم ينشغلوا بالنقاب واللحي .الكلمة العليا للشعب ولصندوق الانتخاب بشرط أن يكون الاختيار حرا دون خداع أوشراء للأصوات .