بالرغم من أن كتاب "ألف ليلة وليلة" كتاب لقيط مجهول المؤلف والنسب.. إلا أنه الأب الشرعي لثقافات العالم .. وهو الكتاب الخصب الذي لقَّح العقول والتراث والأفكار بمدد هائل من الخيالات الإنسانية.. وشكل لدي كل العالم ثقافةً أصيلة مستفزة لكل عوالم الدهشة والغريب واللامعقول.. وكنزاً من كنوز الأساطير الثقافية علي مدي مئات من السنين . تعرَّض الكتاب ولا يزال لحملات متعددة لمصادرته وحرقه وإتلافه بحجة ما يحمله من عبارات تخدش الحياء وتثير الجنس.. وبغض النظر عن كل الحجج التي تساق لإقامة الدعوي في المحاكم والقضاء.. إلا أن دعوي حرق الكتاب ومصادرته تثير الضحك والسخرية ! وأذكر أنني قرأت للكاتب الكبير جبرا إبراهيم جبرا كلاماً حول هذه الدعوي التي لا تنتهي .. وربما توارثتها أجيال تلو أجيال قائلا : "عندما قرأت الخبر المقتضب عن محاكمة وإحراق كتاب ألف ليلة وليلة في القاهرة كان رد فعلي الأول أنني ضحكت .. يقيناً إنها نكتة ! ولكنني عندما أعدت قراءة الخبر غضبت.. غضبت جداً. ما الذي يجري للأمة العربية ؟ هل يعقل أن محكمة عربية تدين كتاباً عربياً هو من أعظم كتب الحضارات كلها من أجل كلمات مهما تخدش الحياء واردة فيه ؟ هل يعقل مبدئياً أن ثمة في الأمة العربية اليوم من يأمر من جديد بحرق كتاب!!.. دع عنك هذا الكتاب الذي يمثل بعضاً من أعظم ما أنجبته المخيلة العربية.. ما هذا الذي تزعزع وإنفصم وتحطم في العقل العربي؟ ما هذه القوة الطارئة التي تريد للعقل العربي أن يتزعزع وينفصم ويتحطم؟.." وكلام جبرا السابق كتب عام 1985.. ومع وقوفي مع مقولة جبرا وتحسره علي المآل الذي وصل له العقل العربي.. إلا أنني في عام 2010.. أقرأ هذا المنع وإقامة دعوي ضد كتاب ألف ليلة وليلة مرة أخري هذه الأيام بقراءة أخري وهي : أن الثقافة العربية اليوم تعيش حالة موات شديد .. ومع كل الإصدارات والمؤلفات والمهرجانات والندوات التي نتابعها من المحيط إلي الخليج .. إلا أنها فقدت الوهج الذي كانت تتمتع به في القرن الماضي مع سخونة التيارات الفكرية والأدبية.. ولعلنا بهذا العمل نحاول إثارة ثقافية جديدة علها تحرك شيئاً من جسد الثقافة العربية الميت .. ولكنها في نظري ليست أكثرمن زوبعة في فنجان .. بدليل أن خبر حرق الكتاب أومصادرته منذ 1985 وحتي 2010 يعد مجرد خبر.. فلم تكن له قيمة في الثمانينيات .. لوجود قضايا مهمة في المساحة الثقافية حينذاك .. وهو لا قيمة له اليوم لأن الثقافة العربية بكاملها أصبحت لا قيمة لها !!.. فالعولمة والتكنولوجيا قاما بإزاحة كبيرة لكل المقدرات الإنسانية والثقافية لشعوب العالم . إنني أدعو كل المصريين أدباء ومبدعين ومثقفين ومحامين وعلماء أن يترفعوا عن هذه التفاهات التي ربما تكون صفقة مربحة لأحدهم .. ولكنها ستكون وصمة عار ووبال لأمة سيذكرون عنها في يوم من الأيام أنها تحارب تاريخاً.. وتجري وراء ماضٍ مجهول.. وتدمر ذاكرة خيالية هي أصعب في زوالها من زوال الذاكرة الحقيقية.. إن "ألف ليلة وليلة" يضحك علينا.. ونحن لا نزال نبحث عن نسبه الحقيقي .. ومؤلفه الشرعي .. وسيبقي الكتاب حتي لو أحرقنا كل نسخ العالم.. يؤذن كالديك كل صباح فتسكت شهرزاد عن الكلام المباح .!