تصادف بالأمس الأول، وفجأة بدون توقع أو سابق انذار، أن انقطعت المياه تماما عن كامل العقار الذي اشغل إحدي شققه، وعلي الفور خرج جميع السكان عن وقارهم المعهود الذي عرف عنهم لسنوات طويلة وصلت بالنسبة للبعض منهم إلي ما يقرب من نصف قرن من الزمان! وتبين بعد ساعات قليلة أن السبب هو احتراق موتور رفع المياه الذي بدونه لا تكفي قوة اندفاع المياه، القادمة من ماسورة التغذية الرئيسية، للوصول إلي شقق العمارة باستثناء البدروم! وبعيدا عن هذه المشكلة الشخصية الطارئة والتي تحول البعض خلالها إلي ما هو أشبه بالإنسان البدائي الذي لايعرف شيئا عن الأصول وقواعد التحضر.. بعيدا عن كل هذا كان أن انطلق عقلي وكما قال الشاعر: »ذو العقل يشقي في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم« انطلق عقلي بالتفكير في المشكلة الراهنة التي تم تخطيطها بعناية ودهاء فيما بين دول حوض النيل، وانقسام هذه الدول إلي دول منبع، ودول مصب، وبمعني آخر: دول مانحة ودول متلقية، وخرجت الدول المانحة تعلن عن هذا التقسيم العدائي، رغم أنها جميعا لا تحتاج إلي هذا الكم الهائل من المياه، وأن البعض منها لا يستهلك أكثر من 5.4٪ من مياه النيل الذي وفرته العناية الإلهية، والطبيعة، لتوفير الحياة لإنسان هذا الجزء من العالم.. ويا له من جزء غريب وعجيب يحترف القلاقل والانقسامات، ولا يعير التعاون، والتقدم، والارتقاء أدني انتباه! وبعد ذلك، وبديهيا، كان أن انطلق العقل إلي تاريخ القارة والمنطقة، فكان أن تذكرت محمد علي باشا الكبير مؤسس مصر الحديثة، وكيف استشعرت بصيرته هذه المشكلة الراهنة فكان الحل الأمثل، الذي كان ساريا في تلك الحقبة التاريخية، أن أرسل الرجل جيوشه حتي منابع النيل، وهناك غرس أعلام وبيارق مصر معلنا أن »هذه هي حدودنا الطبيعية«.. كان هذا هو الحل الأمثل خلال تلك الحقبة من التاريخ، وهو حل لا يصلح في العصر الحديث الذي يصبو إلي الرقي والتحضر.. وهنا استرجعت واقعة انقطاع المياه عن العقار الذي أسكنه، وكيف تحولنا جميعا إلي البدائية التي لا تعرف شيئا عن الحضارة والرقي.. الخ!