أواصل اليوم استعراض أهم ما تضمنته " الوثيقة التقنينية لصون المناظر الحضرية التاريخية" التي أقرتها لجنة الثقافة المنبثقة عن الدورة السادسة والثلاثين للمؤتمر العام لليونسكو في باريس في الأسبوع الأول من نوفمبر. حددت الوثيقة ثلاث فئات رئيسية يضمها التراث الحضري، وهي: التراث الأثري ذو القيمة الثقافية النادرة - عناصر التراث غير النادرة لكنها موجودة بصورة متناسقة وبوفرة نسبية - عناصر حضرية جديدة جديرة بالاعتبار مثل الشكل الحضري للمبني، والأماكن المفتوحة كالشوارع والميادين، والبني الأساسية الحضرية والشبكات والمعدات المادية. وقد عملنا بالفعل علي هذه التعريفات قبل أن تذكر في الوثيقة عند تأسيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري في مصر . من التعريفات المهمة أيضا التي تضمنتها الوثيقة تعريف "الصون الحضري". وذكرت أنه لا ينحصر في الحفاظ علي المباني المنفردة. فهو ينظر إلي المعمار علي أنه عنصر واحد متكامل من المحيط الحضري برمته . مما يجعله تخصصا معقدا متعدد الأوجه. لذلك فالصون الحضري يقع، بطبيعته، في صلب التخطيط الحضري. وضعت الوثيقة سياسات عامة منها أنه ينبغي إدماج صون التراث الحضري في التخطيط والممارسات المتصلة بالنطاق الحضري العام.. وينبغي التشديد بصورة خاصة علي التكامل المتناسق بين النسيج الحضري التاريخي والأنشطة المعاصرة . وينبغي للدول الأعضاء أن تدرج استراتيجيات صون التراث في السياسات الوطنية وبرامج العمل الخاصة بالتنمية وفقا للمنهج الخاص بالمناظر الحضرية التاريخية. في هذا الإطار ينبغي للسلطات المحلية أن تعد خطط التنمية الحضرية مع مراعاة قيم كل منطقة بما في ذلك المناظر وغيرها من قيم التراث . وينبغي أن تتعاون الأطراف المعنية في القطاعين العام والخاص والمنظمات الوطنية والدولية غير الحكومية لضمان نجاح تطبيق المنهج الخاص بالتراث. كما يجب أن تراعي ذلك أيضا المنظمات الدولية المعنية بالتنمية المستمرة.. حددت الوثيقة الأدوات الواجب تطبيقها لتنفيذ ما أوضحته من سياسات . ووصفت هذه الأدوات بالتقليدية والابتكارية التي تناسب الأوضاع المحلية . من هذه الأدوات ما وصفته بأدوات المشاركة المدنية التي ينبغي أن تضم شريحة واسعة ومتنوعة من المعنيين، وتمكنهم من تحديد القيم الأساسية في مجالاتهم الحضرية، وإعداد رؤي تعبر عن مدي تنوعهم، وتحديد الأهداف، والاتفاق علي الأنشطة اللازمة للحفاظ علي تراثهم وتعزيز التنمية المستمرة. ونلاحظ في الوثيقة بشكل عام ربطها بين الحفاظ علي التراث والتنمية المستمرة ومراعاة التنوع الثقافي . هذا شرط بالغ الأهمية للنجاح في الحفاظ علي التراث ويستحق أن نفرد له حديثا خاصا. من أدوات الحفاظ أدوات التخطيط التي ينبغي أن تعترف بأهمية الثقافة وتنوعها وتسمح برصد التحولات وإدارتها لتحسين نوعية المعيشة . وتشمل هذه الأدوات توثيق الخصائص الثقافية والبيئية . ومن الأدوات أيضا النظم القانونية التي عليها أن تراعي الظروف المحلية وتشمل التدابير التشريعية والتنظيمية الرامية إلي صيانة وإدارة السمات المادية وغير المادية للتراث . وهناك الأدوات المالية التي تهدف إلي بناء القدرات ودعم التنمية التي وصفتها الوثيقة ب "التجديدية والمدرة للدخل " . بالإضافة إلي الأموال الحكومية والعالمية الممنوحة . وينبغي أن تشجع الأدوات المالية الاستثمارات الخاصة المحلية والقروض متناهية الصغر وغيرها من أدوات التمويل المرنة التي تستفيد منها الشركات المحلية وشتي أنواع المشاركة . ونحن في مصر لم نستخدم هذه الأدوات بعد في مجال حماية التراث أو لم نستخدمها بشكل واضح. ثم تدخل الوثيقة في بناء القدرات والبحوث والمعلومات والاتصالات . لتنص علي أنه يجب أن يشمل هذا المجال بناء قدرات المعنيين الأساسيين وهم المجتمعات المحلية وصناع القرارات والمهنيون ومديرو الأعمال من أجل تشجيع فهم المنهج الخاص بالتراث وتنفيذه. وضرورة التعاون بين كل هؤلاء مع مراعاة الظروف الإقليمية . وينبغي أن تركز البحوث علي التراكم المعقد للتجمعات (المستوطنات) الحضرية من أجل تحديد القيم وفهم مغزاها لدي المجتمعات المحلية وتقديمها إلي الزوار بصورة شاملة. ويجب تشجيع المؤسسات الأكاديمية والجامعية ومراكز البحوث علي تطوير البحوث العلمية الخاصة بالتراث، والتعاون في ذلك علي الأصعدة المحلية والوطنية والإقليمية والدولية. وتوثيق الوضع القائم وتحسين المهارات والإجراءات . كما تشجع الوثيقة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتوثيق وفهم وعرض عملية التراكم المعقدة للمناطق الحضرية ومكوناتها.. تناولت الوثيقة بعد ذلك مجال التعاون الدولي . أكدت علي أهمية أن تيسر الدول الأعضاء في اليونسكو والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية فهم الجمهور ومشاركته في تنفيذ منهج حماية التراث، وهذا نحتاجه بشدة في مصر، وذلك بنشر أفضل الممارسات والدروس المستفادة من مختلف أرجاء العالم. أخيرا طلب المؤتمر العام لليونسكو بأن تقوم الدول الأعضاء والسلطات المحلية ذات الصلة بتحديد التدابير الأساسية ضمن ظروفها الخاصة لتنفيذ ما جاء بهذه الوثيقة المهمة. آخذة في الاعتبار التوصل الي القيم التي ينبغي حمايتها كي تنتقل الي الأجيال المقبلة، وتحديد السمات المميزة التي تحمل هذه القيم . وكذلك تقييم مدي هشاشة هذه السمات أمام الضغوط الاجتماعية والاقتصادية وتغير المناخ . ومراعاة مدي هشاشة قيم التراث الحضاري في الإطار العام لتنمية المدن . ونحن في مصر أيضا، ومن خلال تطبيق القانون رقم 144 لسنة 2006 وقانون التنسيق الحضاري رقم 119 لسنة 2008 أدركنا جيدا واقع ما سمته الوثيقة الدولية ب " هشاشة قيم التراث " وبخاصة في مجتمع متخلف . أتمني أن تصلنا هذه الوثيقة بشكل رسمي، وأتمني أن تعمل الأطراف المعنية كافة في مصر علي تطبيقها، وأن يستجيب لها المجتمع بعد تبصيره بها عن طريق وسائل الإعلام. والتي أتمني أن "تعلم" هي أولا بهذه الوثيقة وتدرك أهميتها وتساعد علي نشرها وتنفيذها لوجه الوطن ومستقبله.