ذهبت إلي باريس في الأسبوع الماضي للمشاركة في اجتماعات لجنة الثقافة المنبثقة عن الدورة السادسة والثلاثين للمؤتمر العام لليونسكو ممثلا لوزارة الثقافة المصرية بقرار من الدكتور عماد أبو غازي وزير الثقافة. شهدت اللجنة التي حضرها ممثلو كل الدول الأعضاء في المنظمة اهتماما خاصا بحماية التراث. وأصدرت عدة قرارات مهمة في هذا الموضوع. طالما أن الأمر كان متعلقا بالتراث فقد لفتت مصر الأنظار في اجتماعات اللجنة ليس فقط لما تزخر به من مبان ومناطق تراثية، ولكن أيضا لما شهدته كثير من هذه المباني والمناطق من تهديدات في ظل الانفلات الأمني والفوضي التي تعيشها منذ نهاية يناير الماضي . وصلت إلي حالات سرقة الآثار التي لم تشهدها مصر منذ فترة طويلة . وكذلك حالات هدم وتخريب لمبان ومواقع تراثية. لذا طالبت في كل مرة تتم فيها مناقشة مشروع قرار متعلق بحماية التراث بضرورة قيام اليونسكو بوجه خاص وجميع الدول الأعضاء بوجه عام بالتعاون مع وزارة الثقافة والمجلس الأعلي للآثار في مصر ودعم جهودهما لحماية المواقع والمتاحف الأثرية والمباني والمناطق التراثية. وجدت تعاطفا واسعا من أعضاء اللجنة وترحيبا بتقديم كل وسائل الدعم الممكنة. شهدت هذه الدورة إصدار واحدة من أهم وثائق اليونسكو في هذا الصدد . وهي الوثيقة التي تمت تسميتها: "الوثيقة التقنينية لصون المناظر الحضرية التاريخية " . هذه الوثيقة تأتي استكمالا لسلسلة المناقشات التي جرت في دورات سابقة للمجلس التنفيذي لليونسكو وللجنة التراث العالمي وجمعية الدول الأطراف في اتفاقية التراث العالمي، وكذلك قرار المؤتمر العام لليونسكو في دورته السابقة في أكتوبر 2009. رأي المجلس التنفيذي لليونسكو أن تحديات جديدة برزت بشأن حماية التراث . وفي الوقت نفسه رأي أن الوثائق التقنينية الحالية التي تتضمن المبادئ والقواعد المكونة للإطار القانوني لليونسكو الذي يشمل صون المناطق الحضرية قد لا تعالج هذه المسألة معالجة وافية. من هذه التحديات الجديدة: أوسع حركة هجرة بشرية في التاريخ . وحياة أكثر من نصف سكان العالم في مناطق حضرية . وتوسع هذه المناطق توسعا سريعا وبدون رقابة مما يسفر في كثير من الحالات عن تفتت اجتماعي وعمراني، وتدهور شديد في البيئة الحضرية والمناطق الريفية المحيطة بها بسبب الكثافة المفرطة في البناء والمباني النمطية والرتيبة، وضياع مساحات وسمات مميزة عامة، فضلا عن عدم كفاية البني الأساسية أو تدهورها، ولا ننسي الفقر والكوارث الطبيعية وتغير المناخ والحروب والنزاعات المسلحة كما شهدنا في العراق وليبيا مؤخرا. كل هذا تعاني منه دول العالم كافة بدرجات متفاوتة، سواء كانت دولا غنية أو فقيرة. لكن الدول الفقيرة تعاني بشكل أكبر بكثير بالطبع مثلما نعاني في مصر. لذلك طلب المجلس التنفيذي لليونسكو بصفة خاصة وضع سياسات عامة واستراتيجيات تنطوي علي المشاركة الوثيقة للمجتمعات والجماعات المحلية المعنية. مع مراعاة تقاليدها وممارساتها فيما يتعلق بالصون. وكذلك الأبعاد غير المادية للتراث وجميع جوانب التنوع الثقافي وهوية المجتمعات المحلية كجزء لا يتجزأ من المناظر الحضرية التاريخية . نظم المركز العالمي للتراث عدة اجتماعات متخصصة وإقليمية لتلقي ومناقشة آراء الخبراء تمهيدا لإعداد مشروع الوثيقة الجديدة وذلك في الفترة من عام 2006 وحتي العام الماضي. دارت مناقشات مفصلة وطويلة حول مشروع الوثيقة في اجتماعات لجنة الثقافة التي حضرتها حتي انتهت بالموافقة عليها . ويمكن القول أن هذه الوثيقة جاءت جامعة ومتكاملة لتحقق الهدف منها . كنت أود هنا نشر نص الوثيقة، ولكنها طويلة مكونة من عشر صفحات كبيرة . لذلك أعرض فيما يلي لأبرز ما تضمنته باختصار : بدأت الوثيقة بالتعريفات، وانتهت بها. أي بإصدار ملحق يتضمن قائمة بالتعريفات . وهي مهمة كمدخل ضروري لفهم مجال حماية التراث الذي تصفه الوثيقة بمصطلح شائع لدي إدارات ولجان ومراكز اليونسكو وهو " صون المناظر الحضرية التاريخية". عرفت الوثيقة التراث الحضري التاريخي بأنه: "المنطقة الحضرية التي وجدت نتيجة لتتابع طبقات من القيم والسمات الثقافية والطبيعية التي تشمل البيئة الحضرية العامة ومحيطها الجغرافي . يضم هذا المحيط العام بصفة خاصة طوبوغرافيا الموقع وتضاريسه وموارده المائية وسماته الطبيعية وبيئته المبنية التاريخية والمعاصرة، وبنياته الأساسية فوق سطح الأرض وتحته، وأماكنه المفتوحة وحدائقه وأنماط استغلال الأرض فيه وتنظيم مساحاته، والتصورات والعلاقات البصرية. ويشمل أيضا الممارسات والقيم الاجتماعية والثقافية والعمليات الاقتصادية والأبعاد غير المادية للتراث في علاقتها بالتنوع والهوية ". يوفر هذا التعريف أساس المنهج الشامل والمتكامل لتحديد المناظر الحضرية التاريخية وتقييمها وصونها وإدارتها في إطار شامل للتنمية المستمرة . ويهدف إلي الحفاظ علي نوعية البيئة البشرية وتحسين الاستثمار الإنتاجي والمستمر للمجالات الحضرية وفي الوقت نفسه الإقرار بطابعها الديناميكي وتعزيز التنوع الاجتماعي والوظيفي . كما يسمح أيضا بتحقيق التكامل بين أهداف صون التراث الحضري وأهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية. كما عرفت المنطقة التاريخية والمعمارية بأنها : " أي مجموعات من المباني والمنشآت والأماكن المفتوحة بما في ذلك المواقع الأثرية والمتعلقة بالحفريات التي تشكل مستوطنات (تجمعات ) بشرية تقع في بيئة حضرية أو ريفية، وتحظي بالاعتراف من حيث تناسقها وقيمتها من النواحي الأثرية أو المعمارية أو الجمالية أو الاجتماعية والثقافية. وحددت الوثيقة ثلاث فئات رئيسية يضمها التراث الحضري، وهي: التراث الثري ذو القيمة الثقافية النادرة عناصر التراث غير النادرة لكنها موجودة بصورة متناسقة وبوفرة نسبية عناصر حضرية جديدة جديرة بالاعتبار مثل الشكل الحضري للمبني، والأماكن المفتوحة كالشوارع والميادين، والبني الأساسية الحضرية والشبكات والمعدات المادية. وقد عملنا بالفعل علي هذه التعريفات قبل أن تذكر في الوثيقة عند تأسيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري في مصر.