ام على اصرت على التواجد بميدان التحرير رغم تحذيرات الشرطة بضعة أشهر هي التي تفصل بين ثورة 25 يناير التي انطلقت شرارتها من ميدان التحرير، وبين الأحداث التي يشهدها الميدان حاليا.. المشاهد تتكرر ونفس الشعارات تعود، بل ان أداء الشرطة الذي أدي لإنفجار الثورة هو ذاته الذي تسبب في الأحداث التي يشهدها الميدان- حاليا -، الفارق الوحيد هو إختفاء شعار " الشعب والجيش إيد واحدة ". لم يكن من الصعب علي من يريد دخول الميدان أمس إدراك أنه مقبل علي أجواء حربية، وكانت الشعارات التي كتبت علي الحوائط في المداخل المؤدية له تؤكد علي ذلك، فيكفي قراءة عبارة : " إذا لم نعش علي وجه الأرض بكرامة، فباطن الأرض أولي بنا "، ليصلك هذا المعني. هذا ما يمكن أن تلتقطه بعينك لتدرك خطورة ما أنت مقدم عليه، ولكن ما أن تطأ قدميك أرض الميدان تسمع أذنك ما يؤكد ذلك، فالأصوات التي يصدرها الشباب بالدق علي الأعمدة المتواجدة في الميدان تعطيك إنطباعا بأن " طبول الحرب" تدق في الميدان. هذه الأصوات التي تعطي إجواء حربية للميدان، كان الشباب يطلقونها للتحذير من أفواج البلطجية التي تتوافد علي الميدان، ولكن هذه المرة تطلق للتحذير من الشرطة. " الأخبار " كانت هناك بينما كانت الطبول تقرع في إحدي المرات.. الكل يستيقظ لصد الهجوم المنتظر.. في الجزيرة الوسطي للميدان كانت تجلس " أم علي " وقد استظلت بظل شجرة.. توقظ نجلها النائم بجوارها، ليهب إلي المكان الذي تأتي منه أصوات الطبول، وهي تقول: " قوم يا بني بسرعة، وخلي بالك من نفسك لحظات ويختفي الصوت ليعود نجلها، فتجد المناخ ملائما لتناول طعام الإفطار، الذي كان عبارة عن " قطعة من الحلوي مغلفة " و رغيف خبز..تتناول أول كسرة من رغيف الخبز، ثم تبتسم لي قائلة : " إتفضل كنتاكي يا ابني ". كانت أم علي تهدف من هذه الدعوة الساخرة إلي التعليق علي إتهامهم بالعمالة لجهات أجنبية، ثم تصمت للحظة قبل ان تفتح حقيبتها الفارغة لتواصل سخريتها قائلة : " اتفضل أدي الفلوس اللي بنخدها من بره ". ورغم ملامح التعب والإرهاق التي بدت علي وجهها، إلا أنها تصمم علي عدم ترك الميدان حتي استكمال باقي أهداف الثورة، وتقول: " نحن اسقطنا مبارك.. ولكن نظامه لا يزال قائما ". وتري أم علي ان رئيس الوزراء عصام شرف غير قادر علي التغيير، وتقول: " انا احترم هذا الرجل.. لكن أطالب برحيله لأنه غير قادر علي تغيير النظام ". حالة الإصرار التي بدت عليها أم علي، وجدتها أيضا عند مني إبراهيم محمود " أم محمد ".. كانت المكالمة الهاتفية التي تدور بينها وبين أحد الأشخاص كفيلة بنقل هذا الإحساس. أم محمد قالت لسيدة كانت تتصل بها : " شكرا يا حبيبتي إحنا مش عايزين حاجة.. هاتلنا بس خل وبيبسي ومياه ". ما تطلبه " أم محمد " هو الأدوات التي يستخدمها الشباب للسيطرة علي آثار القنابل المسيلة للدموع التي يقولون إن الشرطة تطلقها عليهم من حين لآخر. وتقول بإصرار: " انا مش همشي إلا لما آخد حقي من الشرطة"، وتسأل: " طب ليه ما بيعاملوناش زي ما عاملوا أمناء الشرطة المضربين ؟". هذا التساؤل الذي طرحته " أم محمد "، يجيب عليه جمال معروف الذي كان يجلس بجوارها. جمال قال: " إحنا اتبهدلنا من الشرطة، وزي ما قامت الثورة بسبب ممارستها، هنستكملها الآن بسبب ممارستهم أيضا ". ويرفض جمال مغادرة الميدان حتي يأخذ حقه في الثورة، ويقول: " صورة الثوار اتشوهت في وسائل الإعلام.. وبيقولولنا دلوقتي رشحوا نفسكم في الإنتخابات، طب هنرشح نفسنا إزاي بعد كده.. أنا مش همشي ألا ما خد حقي". والسبيل الوحيد الذي يشعره انه أخذ حقه، عندما يتشكل مجلس رئاسي مدني يخرج تشكيله من الميدان. هذا المطلب العام الذي يشعر جمال انه حصل علي حقه، هو مطلب عموم المتواجدين بالميدان، لكن محمد فراج له مطلب خاص وهو ان يأخذ حقه من جهاز الشرطة. فراج الذي يمشي علي عكازين يقول انه تعرض للضرب من ضابط شرطة، ألقاه علي الأرض، قبل ان يضربه بإستخدام العكاز الذي يستند عليه. ويقول: " انا حسيت وقتها أني مش مصري، حسيت اني يهودي من حماس الضابط وهو بيضربني ".