في الوقت الذي نتناحر ونتباغض فيه.. تجد أمما من امم العالم طريقها إلي الصعود. وفي الوقت الذي نملأ فيه الفضائيات صراخا وعويلا.. تتجه امم اخري إلي عالم ارحب واكثر رفاهية.. وفي الوقت الذي تنقسم فيه الامة المصرية بين تيارات شتي - لا هم لاصحابها سوي انفسهم وشخوصهم- تتوحد امم اخري تحت راية الانتاج والعمل لتحفر مكانا لها بين الامم المتقدمة. سنستمر في الصراخ والعويل سواء في ميدان التحرير أو شارع شبرا أو في قطع الطرق الرئيسية.. أو أعمال البلطجة التي تهدد حياة البشر وممتلكاتهم في دولة لم تعد فيها مقومات الدولة العصرية.. بسبب تخريب العقول.. وتزوير ارادة الاغلبية الصامتة.. والقفز فوق الاكتاف.. والاقتتال من اجل كرسي في البرلمان! القاريء العزيز.. اننا نعيش مسرحية هزلية.. انا وانت »المتفرجون«.. اما الممثلون فقد خرجوا من الجحور.. أو انقلبوا علي اسيادهم.. أو من مصاصي الدماء في جسم بني ادم.. نجحوا في السيطرة علي خشبة المسرح.. واصبحوا الان اللاعبين الرئيسيين فوقها.. ونصيحتي ان نهجر المسرح ونكسر الابواب ونخرج إلي الشارع لنواجه الحقيقة لعل وعسي! وفي النور انصحك بقراءة كتاب قيم.. اجتهد به رجل من نبت طيب.. هو السفير عمرو مصطفي كمال حلمي مساعد وزير الخارجية للشئون الاوروبية والمنظمات الامنية والاستراتيجية.. والده كان عالما جليلا في تخصصه العلمي.. كما خدم مصر خدمات جليلة وستظل صورته الطيبة بين الناس إلي ان يرث الله الارض ومن عليها. والسفير عمرو يحدثنا في مؤلفه عن صعود الامم - سباق التقدم وصناعة المستقبل.. ويحزن مثلي تماما علي حال مصر.. التي لا يليق بها ان تظل بين الدول النامية.. يعيش 04٪ من شعبها تحت خط الفقر. هذا في الوقت الذي نجحت فيه دول اخري في التحول من دولة فقيرة إلي دولة صناعية متقدمة.. مثل كوريا الجنوبية.. ودول مجموعة البريكس وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا.. اضافة إلي دول النمور الاسيوية.. كل هذا يجب ان يدفعنا إلي الاسترشاد بتجارب مثل هذه الدول ونبحث لماذا نجحت.. ولماذا فشلنا؟! ويربط السفير عمرو حلمي بين تقدم الدول وفهمها لمجمل التغيرات التي يشهدها العالم سياسيا واقتصاديا وثقافيا وعلميا وتكنولوجيا.. لان بلورة اي استراتيجية وطنية متكاملة تحتاج إلي رؤية اشمل للعالم من حولنا.. حتي تكون ملبية للطموحات المشروعة لمصر والمصريين.. دون التخلي عن الهوية أو الذاتية الثقافية أو الدينية أو الجغرافية. وقد لمس الكتاب العديد من النقاط المهمة في العلاقات الدولية.. مثل تغير موازين القوي.. بعد بزوغ نجوم جدد علي الساحة الدولية مثل: الصين والهند والبرازيل.. وما تشهده مجموعة الدول البازغة من تحولات نوعية تؤدي إلي انتقال مراكز النمو الاقتصادي والانتاج والابداع والابتكار إلي خارج العالم الحر »امريكا واوروبا«. وينبه الكتاب، الذي هو في الواقع دراسة علمية مهمة للباحثين ومتخذي القرار، إلي ان السعي إلي التقدم يؤدي إلي سباق حول القوة والثروة والنفوذ والقدرة علي التأثير.. ومن العناصر المهمة في هذا السياق الموارد البشرية وكيف نعظمها لتصبح عنصر قوة لا عنصر ضعف.. كما حدث في الصين والهند. والكتاب يتناول بالتفصيل الاقتصاد القائم علي المعرفة والنظرية الحديثة للنمو وملامح التطور التكنولوجي.. اضافة إلي قضية العولمة وركائزها ومظاهر اخفاقها ومخاطرها.. وكذا التحديات المستقبلية التي ستواجه الاقتصاد العالمي مع الزيادة المطردة للسكان.. ونقص الموارد الاستراتيجية العالمية من المياه والغذاء ومصادر الطاقة.. وتغير طبيعة النزاعات الاقليمية والدولية وما يمكن ان تشهده »الحوكمة« من تطورات مستقبلية.. وما يمثله التطور التكنولوجي وثورة المعلومات من اهمية لمواجهة هذه التحديات. ولا يتركنا السفير عمرو حلمي هكذا معلقين في الهواء.. بل يضع طريقا للمستقبل.. علي رأسها تنمية الموارد البشرية وتطوير القيم الثقافية.. ووضع رؤية متكاملة لكيفية انجاز التطور استرشادا بتجربتي اليابان وكوريا الجنوبية. ومن المفيد ان نعرف ان رغبة الدولة في التقدم والتطور تبدأ من الرؤية المستنيرة للنخب السياسية والثقافية.. فالمجتمع يمكنه تحقيق التقدم والارتقاء إلي مكانة دولية مرموقة اذا ما توافرت للنخب السياسية والثقافية الرؤية المستنيرة التي تكفل تحقيق هذا الهدف.. بما في ذلك قراءة واقعية لما يشهده العالم من تطورات، تلك الرؤية المستنيرة للنخب حولت مجموعة الدول الفقيرة إلي دول صاعدة ومتقدمة في فترة زمنية وجيزة كما حولت ما كان يوصف بالخيال العلمي إلي واقع ملموس.. وكل ذلك يحتاج إلي دعم التعليم الحديث لاعادة بناء الانسان. والسؤال: هل النخب السياسية والثقافية التي تتناحر امام شاشات الفضائيات وفي الميكروفونات المعلقة بميدان التحرير وفي مقار الاحزاب الكرتونية.. قادرة علي ان تكون لها رؤية مستنيرة.. اشك.. كما اشك في وجود نُخب اصلا!