عندما ساد الشعور بأن »التوريث« قادم قادم لا محالة خاصة بعد التزوير الفاقع للانتخابات وسيطرة فريق »الابن« علي مجريات الامور، ودوران عجلة التمهيد السافر لوصوله الي الحكم وسط اجواء من الفساد الفاجر، كان الكثيرون الذين اصابهم اليأس يرددون »ليس لها من دون الله كاشفة!« معلقين آمالهم علي ان يرحل الرئيس قبل انتخابات الرئاسة المتوقعة التي سيكون تزويرها لصالح التوريث مؤكدا مازال هو في موقعه ومعه رجاله المتخصصون في التزوير والتشريع وترتيب الاوضاع المنتظرة. ثم جاءت »ثورة 52 يناير المبهرة« التي فاقت في نتائجها الاولي كل التوقعات، وتجاوزت كل الاحلام والامنيات، حيث تنحي الرئيس ودخل مع نجليه »علاء والوريث« ومعهم بعض رجالهم الي السجن- ولو بشكل مؤقت حتي الان!- لكن الخطأ الملحمي الذي وقع فيه الثوار حدث عندما تصوروا- بحسن نية- ان التنحي هو غاية المراد من رب العباد، وان النظام الحاكم- بهذا التنحي- قد سقط وتهاوي، وبناء علي ذلك غادروا ميدان التحرير وبقية ميادين الثورة في مختلف المدن والمحافظات دون ان يتنبهوا الي ان هناك خارج الاسوار والتحقيقات من يمثلون امتدادا لهذا النظام، ويتأهبون للعمل علي اجهاض الثورة او علي الاقل تفريغها من مضمونها ومحتواها، وتحرك هؤلاء رويدا رويدا الي ان اعلنوا بشكل سافر عن وجودهم، وبدأوا تنفيذ مخططاتهم مستغلين اخطاء لا تغتفر للحكومة المتراخية التائهة، مع افتقاد الخبرة والرؤية السياسية للمجلس الاعلي للقوات المسلحة الذي كان يملك استثمار شعبيته الهائلة لدوره الرائع بالنسبة للثورة في حسم امور كثيرة، لكن البطء في اتخاذ القرارات والاجراءات اتاح الفرص العديدة لاعداء الثورة كي يستغلوا مخطط فتح السجون، وانسحاب رجال الامن من مواقعهم، وعلي الفور ظهرت بوادر الانفلات الامني الذي شجع عليه ايضا غياب الرؤية وضعف الارادة لمن تولوا القيادة فكانت الاستجابة السريعة الساذجة لاية مطالب فئوية او ادارية او محلية او طائفية مما شجع علي ارتباك الحياة وانهيار الامن وترنح الاستقرار وكأنما اراد المتربصون المتآمرون ان يقولوا »ألم يخيركم الرئيس بين بقاء النظام او ضياع الاستقرار؟! »هل تعجبكم الان الثورة وما جرّته علي البلاد من فوضي وخراب؟!« ولابد ان نعترف ان ما حدث حتي الان، وما يردده اعداء الثورة قد جعل الكثيرين يعودون الي نفس الرجاء »ليس لها من دون الله كاشفة« لكن المفهوم الحقيقي لهذه الكلمات النورانية هو ان الله عز وجل يساعدنا ويزيح الغمة عنا اذا ما تحركنا وعملنا لمواجهة الاخطار التي تهددنا، وهذا ما حدث فعلا في 52 يناير بتحرك شبابنا واندلاع ثورتنا، ولعل حجم المخاطر الرهيبة التي تحاصرنا الان تدفعنا جميعا الي مراجعة مواقفنا، وتصحيح الاخطاء غير المبررة التي ادت الي ما نحن فيه وما نعانيه، ويكون التصحيح المنشود من خلال مراجعة كل الاطراف لمواقفها كالتالي: 1- استعادة الامن بقوة وحسم بعودة رجال الشرطة ومعهم عناصر من القوات المسلحة مع مساندة شعبية واعلامية لهم حتي يقوموا بدورهم المنوط بهم الذي يسهم في استعادة الدولة لهيبتها. 2- عدم الاستجابة للمظاهرات والاعتصامات الفئوية والمحلية التي بلغت حد قطع الطرق واغلاق الموانيء والمؤسسات مع الاعلان بأن اي مطالب منطقية لا مجال لتحقيقها فورا في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية التي نواجهها. 3- تصحيح مسار المحاكمات بالتوقف عن المحاكمات الهزلية التي تدور حول الرشوة واستغلال النفوذ من قبل قيادات النظام السابق، وذلك باصدار »قانون افساد الحياة السياسية« لتتم المحاكمات بناء عليه، وتتم بالسرعة المنشودة. 4- العمل الجدي والسريع لاسترداد الاموال المنهوبة لتعويض ما حدث من اهمال يكاد يكون مريبا. 5- توقف القوي السياسية التي تجاهلت اهداف الثورة وعن اندفاعها في محاولات محمومة لاقتناص اية مكاسب مهما تعارض ذلك مع مصلحة الوطن. 6- مراجعة الحكومة لمواقفها المتراخية لتعمل بمنطق واسلوب الثورة وليبتعد الوزراء الذين يتأكد ضعفهم وفشلهم. 7- مراجعة الاعلاميين لاساليبهم في ضوء المفهوم الحقيقي لرسالتهم فيبتعدون عن الجري وراء الاثارة التي تنطوي احيانا علي احداث البلبلة واثارة الخلافات والتناقضات وخلق اجواء من الشكوك وفقدان الثقة. 8- استعادة المجلس الاعلي للقوات المسلحة لصورته الرائعة التي تجسدت من خلال حماية الثورة ودعمها وذلك بالدراسة المتأنية لاية قرارات والاستجابة لمتطلبات الفترة الانتقالية مهما كانت الضغوط الاقليمية والدولية التي يتعرض لها ومهما كانت الجوانب الانسانية التي تعطل احيانا عجلة محاسبة بعض قيادات النظام السابق كما يجب ان يكون الحساب! 9- ان يحرص كل مواطن علي الادلاء بصوته في الانتخابات متجاوزا بالوعي الوطني كل الشعارات الزائفة والتحركات المضللة ليختار من يصلحون لتمثيل الشعب في مسيرته الثورية الجديدة.